ناجية تبحث بين الرماد في Phoenix

نشر في 27-08-2015
آخر تحديث 27-08-2015 | 00:01
تدور أحداث التعاون الأخير بين الكاتب والمخرج الألماني كريستن بيتزولد والنجمة نينا هوس (حقق فيلمهما الأخير معاً Barbara نجاحاً كبيراً) في برلين عام 1945 في أعقاب الحرب العالمية الثانية. إلا أنه يشكل تفحصاً ثاقباً لكيفية تحمل الإنسان ما لا يخطر على بال، ما يجعله عملاً معاصراً وملائماً.
بدءاً من مشهده الأول ليلاً عند نقطة تفتيش معزولة تابعة للجيش الأميركي وصولاً إلى ألحان جاز المؤثرة لستيفان ويل وموسيقى Speak Low لكورت ويل القوية والبارزة، لا شك في أن المشاهد سيلاحظ في الحال اعتماد Phoenix على عناصر الفيلم السوداء القاتمة.

ينجح الفيلم، المستوحى من الرواية الفرنسية Le Retour des Cendres لهوبير مونتيلهي، في التعاطي مع مسائل الهوس، المسامحة، الغموض، والهوية، فضلاً عن مسائل أساسية مثل الفظائع التي يمكننا ارتكابها وما يجعلنا ما نحن عليه.

في كل هذا، يحظى Phoenix بزخم إضافي من خلال أداء هوس الرقيق والمليء بالمعاني، فهي بالتأكيد إحدى الممثلات الألمانيات الأبرز في جيلها. فقد ظهرت في أعمال إلى جانب الراحل فيليب سيمور هوفمان في عمل السنة الماضية المميز

A Most Wanted Man.

نلتقي نيلي لينز (هوس) للمرة الأولى عند نقطة تفتيش تابعة للجيش الأميركي في سيارة تقودها صديقتها القديمة ليني وينتر (نينا كونسندورف). إلا أن وجهها يكون مغطى بكثير من الضمادات البيضاء، حتى إننا نعجز عن معرفة هويتها.

يعود ذلك إلى أن نيلي، التي كانت تعمل مغنية في حانة ليلية قبل الحرب، ناجية يهودية مشوهة كانت محتجزة في أحد معسكرات الاعتقال، حيث أطلقت عليها النار في الوجه وتُركت لتموت.

عادت ليني، التي هربت من ألمانيا عندما استطاعت ذلك، لتعتني بصديقتها، ولتخبر نيلي أنها ورثت مبلغاً كبيراً من المال بعد موت أفراد عائلتها.

تصطحب ليني نيلي إلى جراح تجميل ليعيد بناء وجهها. تصر هذه الناجية على أن تبدو كما كانت سابقاً بالتحديد. لكن الجراح، الذي ينصحها بأن «الوجه الجديد يشكل ميزة لأن الناس لن يتمكنوا من التعرف إليها»، يؤكد لها أن النتيجة لن تأتي مطابقة مطلقاً لوجهها السابق، مهما بذل من جهد. وهكذا تحصل نيلي على وجه جديد رغم استيائها ورفضها.

بما أن ليني محامية في الوكالة اليهودية من أجل فلسطين، تخطط للانتقال هي ونيلي إلى حيفا، حيث «يمكنهما المساهمة في بناء دولة يكون فيها اليهود أحراراً». لكن نيلي، التي لم تعتبر نفسها يهودية (رغم إصرار النازيين)، ترفض وترسم خططاً مختلفة. ويشكل جوني محور هذه الخطط.

كان عازف الجاز جوني زوج نيلي قبل الحرب. وكانت ذكراه إحدى المسائل التي أبقتها حية في المعسكر. ومع أن ليني التي ترتاب بسلوك جوني تحذرها من الاتصال به، لن تتردد نيلي في ذلك. وكما يذكر المخرج بيتزولد في أحد تصريحاته، «يثير اهتمامي مَن لا يقبلون أمراً ويعربون بذلك عن العناد والتمرد».

بعينيها الغائرتين، ذهنها المشوش وجهها المليء بالكدمات جراء الجراحة، وشعورها أنها ما عادت موجودة، تجوب شوارع برلين كما لو أنها طيف، باذلة قصارى جهدها لمعرفة مكان جوني واكتشاف هويتها كفرد.

يوضح بيتزولد بذكاء أن عمل هوس الاستثنائي ونجاحها في نقل حالة ما بعد المعسكر الفكرية هذه يبرزان رغم أنها «كممثلة لا تستطيع أن تتخيل إلا التعذيب. فلم تمر في حالة مماثلة. ولكن ما كان أمامها أي حل غير تمثيل هذه الاستحالة: استحالة نقل أمر ينبع من التجارب الفردية التي خاضتها الشخصية».

لا يمر وقت طويل قبل أن تلتقي نيلي بجوني (رونالد زيرفيلد الذي شارك هوس في Barbara، وكان التعاون بينهما ممتازاً) الذي يعمل نادلاً يتعرض للإساءة في حانة في القطاع يُدعى Phoenix. لكنه يعجز عن التعرف إليها بسبب الجراحة، مع أنه يشعر أنها ليست غريبة عنه، ما يعطيه فكرة.

تراود نيلي أيضاً فكرة. بما أنها ترغب بيأس في التقرب من جوني من دون أن تنسى تحذير ليني وحضها على أن تستعلم أولاً عن دوره في اعتقالها، تجارب نيلي جوني في خطته، وبذلك بغية تحقيق هدفها أيضاً. لكن النتائج التي تتوصل إليها مقلقة. وفيما تحاول الشخصيتان اكتشاف دربهنا، محاولتين في الوقت عينه نسيان حتى أن المحرقة النازية قد وقعت فعلاً، يستخدم Phoenix فريقه المميز من الممثلين وبصيرته النفسية ليتغلغل في أعماقنا ويهزنا بقوة.

back to top