الصين واختبار الإجهاد الحي

نشر في 05-08-2015
آخر تحديث 05-08-2015 | 00:01
لقد نجح الاقتصاد الصيني من خلال التجربة والخطأ، ولا بد من النظر إلى الدروس المستفادة من اختبار الإجهاد الحالي باعتبارها جزءاً من هذه العملية، لاستخدامها لدفع المرحلة التالية من الإصلاح الاقتصادي.
 بروجيكت سنديكيت كان الانخفاض الشديد الذي سجلته أسواق الأوراق المالية في الصين، والذي أرسل موجات الصدمة إلى مختلف أنحاء العالم، بمثابة اختبار إجهاد لحظي للبلاد، الآن يستغرق المراهنون على الانخفاض، والذين توقعوا سقوط الاقتصاد الصيني، في نوع من الشماتة، ويؤكد المراهنون على الارتفاع أنه بصرف النظر عن مدى العنف الذي ربما يميز تقلبات سوق الأسهم فإن قصة نجاح الاقتصاد الصيني تظل سالمة، ولكن عند هذه المرحلة لم تعد أي نتيجة مضمونة.

وتجدر الإشارة أولاً وقبل كل شيء إلى أن التقلبات الحالية، برغم أنها غير مرغوبة بالضرورة، تمثل تصحيحاً طبيعياً للسوق، فقبل تراجعه بنسبة 30% عن الذروة التي بلغها في الثاني عشر من يونيو عندما سجل 5166 نقطة، صعد مؤشر شنغهاي المركب بنحو 150% على مدى 12 شهرا، ثم بتدخل غير مسبوق من السلطات- بما في ذلك السماح لنحو 1300 شركة بتعليق التداول- توقف الانحدار، وأغلق المؤشر عند مستوى 4159 في الرابع عشر من يوليو.

ورغم أن لعبة تبادل الاتهامات مستمرة، فإن كتاب المؤرخ تشارلز كيندلبيرغر «الهوس والفزع والانهيار» في عام 1978 يقدم التفسير المثالي لما تشهده الصين الآن، فقد خضع الاقتصاد لدورة معيارية من الإزاحة، وفرط التداول، والتوسع النقدي، وضعف الثقة، والتغير المفاجئ، وكل هذا في غضون أقل من 12 شهرا.

وكان عامل الإزاحة الصيني متمثلاً بظهور اقتصاد الإنترنت في البلاد، ومع النجاح الباهر لشركات مثل علي بابا، أصبح الملايين من المستثمرين الصينيين مقتنعين بأن أسهم شركات التكنولوجيا قادرة على تحويلهم إلى أثرياء بين عشية وضحاها.

وتتشابك المرحلتان الثانية والثالثة، فرط التداول والتوسع النقدي، فكان كل من وسطاء الأوراق المالية المرخصين والمقرضين غير المرخصين يقدمون كميات متزايدة من التمويل الهامشي، والذي غذى ارتفاعات تبادلية التعزيز في الأسعار وسرعة حركة الأسهم. (بدأت الحكومة فرض حملة صارمة على هذا النوع من الإقراض في إبريل).

وعلاوة على ذلك، قرر البنك المركزي خفض أسعار الفائدة من أجل التكيف مع تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يعني فعلياً انخراطه في التوسع النقدي، ومع عجزهم عن اكتساب قدر كبير من العائد من الودائع، وفي مواجهة ارتفاع أسعار العقارات، نظر المدخرون الصينيون إلى النمو الطويل الأمد في أسعار الأسهم المحلية باعتباره فرصة لتعزيز العائد.

ونشأ ضعف الثقة عندما انتبه بعض المستثمرين الفطنين إلى التضارب بين الأسعار والأساسيات، فشرعوا في بيع أسهمهم، وفي الثاني عشر من يونيو، أفسح هذا المجال للتغير المفاجئ، مع تسبب تراجع الأسعار في إشعال شرارة البيع لوقف الخسائر وتحفيز نسبة كبيرة من المستثمرين إلى تصفية مراكز هامشية، فأسفر كل هذا عن خسائر فادحة سواء بالنسبة إلى المقترضين أو المقرضين، وخصوصا في الأسهم غير السائلة.

وأثبتت سلسلة الأحداث هذه مرة أخرى أن الأسواق العالية الاستدانة غير مستقرة وغير مستدامة، وبشكل متكرر تولدت الأزمة بفعل الإبداع المالي غير المنظم بشكل كاف، مع تركيبة تتألف من جشع السوق والصوامع التنظيمية والبقاع العمياء التي تعمل على تمكين طفرات الرواج والكساد.

في حالة الصين، يؤدي نهج التدخل الحكومي الذي تتبناه الصين إلى تفاقم المشكلة، فرغم أن التدخل في السوق ربما يحد من نطاق الخسائر في الأمد القريب، فإنه يضعف قدرة السوق على تصحيح نفسها تلقائيا، ناهيك عن مصداقية السلطات الصينية باعتبارها هيئة تنظيمية محايدة.

على المستوى الثابت، تعتبر أسواق الأسهم الثانوية في الأساس لعبة محصلتها صِفر: فهؤلاء الذين يبيعون خلال طفرة الرواج هم الفائزون، وأولئك الذين يشترون في وقت متأخر أكثر مما ينبغي (وبأموال مقترضة) هم الخاسرون. وفي الصين كان الفائزون هم من يملكون أغلبية الأسهم في الشركات (بما في ذلك الدولة) والذين باعوا عندما كان مؤشر شنغهاي لا يزال في ارتفاع نحو 5000 نقطة، وكان الخاسرون هم صغار المستثمرين الذين اشتروا عندما كان المؤشر فوق 4000 نقطة.

ولكن على المستوى الديناميكي، لا يؤدي التدمير الخلّاق الذي يحدث في فترات الركود إلى إزالة رأس المال الذي تم توليده خلال فترات الرواج، وربما خسرت أسواق الأسهم الصينية ما يقرب من 3 تريليونات دولار أميركي منذ الذروة التي بلغتها في يونيو، ولكنها خلقت أيضاً أكثر من 4.6 تريليونات دولار من القيمة على مدى العام الماضي، أكثر من نصف هذا المبلغ ذهب للدولة.

الواقع أن الأسواق تتقدم فقط من خلال التجريب، والأخطاء الحتمية، وكان من غير المرجح إحصائياً أن يتطور الاقتصاد الصيني وأسواق الأسهم الصينية بهذه السرعة، من دون بعض العثرات المذهلة على طول الطريق.

لم يكن السماح لسوق الأسهم بالتطور خطوة خاطئة، ففي نهاية عام 2013 عندما كان مؤشر شنغهاي 2116 نقطة، بلغت سوق السندات الصينية 256% من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت رسملة سوق الأسهم 36% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يعني ضمناً نسبة استدانة خام غير مستدامة تبلغ 7.2 إلى واحد، وعندما ارتفعت سوق الأسهم إلى ذروتها بنسبة 100 من الناتج المحلي الإجمالي، هبطت نسبة الاستدانة إلى 2.6 إلى واحد، وهذا أقرب إلى النسبة 2.2 إلى واحد في الولايات المتحدة، حيث كانت رسملة سوق الأسهم 132% من الناتج المحلي الإجمالي.

وعلى نحو مماثل، لم تكن رغبة المستثمرين الأفراد في الاستثمار في شركات مثل علي بابا خاطئة، بل على العكس من ذلك، كان من المنطقي تماماً المشاركة في الأسواق.

وكانت المشكلة أن المستثمرين الأفراد غير مجهزين للحكم على تقييم الشركات المدرجة مثل علي بابا، ولكنهم رغم ذلك يستطيعون استخدام القروض الهامشية للمشاركة في المضاربة، وكانت هذه تركيبة خطيرة؛ فهي التركيبة التي كانت ستؤدي إلى خسائر غير مقبولة اجتماعياً لقطاعات التجزئة لو لم تتدخل الحكومة.

لقد نجح الاقتصاد الصيني من خلال التجربة والخطأ، ولابد من النظر إلى الدروس المستفادة من اختبار الإجهاد الحالي باعتبارها جزءاً من هذه العملية، لاستخدامها لدفع المرحلة التالية من الإصلاح الاقتصادي، ومن بين الدروس المستفادة أن أسواق الأسهم الصينية تظل منحازة بنيوياً نحو ملكية الدولة وتوجيهها، حتى في حين تبني البلاد اقتصاداً أكثر تشجيعاً للمشاريع، وهي مشكلة في الأساس، لأن السوق (لا الدولة) هي التي ستحدد وتدعم الكيانات النادرة.

ومعه ذلك فقد بدأت الصين بالفعل في بناء قطاع صناعي أكثر إبداعاً وقطاع التجزئة تدفعه شبكة الإنترنت، ويظل بوسع الدولة أن تلعب دوراً في تعزيز الإبداع، ولكن مع تحديد الحكومة كيفية إفراغ حيازاتها الهائلة من الأسهم بطريقة منظمة، يتعين عليها أن تضمن تمويل مثل هذه الجهود بالاستعانة بالأسهم لا الاستدانة، وبالتالي تعزيز توازن الأسواق ومرونتها وقدرتها على الصمود.

أندرو شنغ & شياو غنغ

* أندرو شنغ زميل متميز لدى معهد آسيا العالمي في جامعة هونغ كونغ، وعضو المجلس الاستشاري لبرنامج الأمم المتحدة البيئي لشؤون التمويل المستدام، وشياو غنغ مدير معهد IFF Institute، وأستاذ وكبير زملاء في معهد آسيا العالمي في جامعة هونغ كونغ.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top