تركيا... هل تتّجه نحو حرب أهلية؟

نشر في 05-08-2015
آخر تحديث 05-08-2015 | 00:01
يدعي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنه يحارب {الدولة الإسلامية} الإرهابية، لكنه عملياً يحارب الأكراد و«حزب العمال الكردستاني}. أثبت بهذه الطريقة أنه مستعد لإعاقة عملية السلام في بلده في سبيل التمسك بالسلطة. {شبيغل} جاءت بالتفاصيل.

نشأت نوال بولوت في ظل الحرب وتخشى الآن تجددها. هي مصمّمة غرافيك عمرها 27 عاماً من مدينة ديار بكر الكردية شرق تركيا. تسأل نفسها أحياناً عن تلك الليلة من شهر يونيو، حين فاز {حزب الشعوب الديمقراطي} الموالي للأكراد بمقاعد في البرلمان التركي بفضل الناخبين الأتراك جزئياً: هل كانت تلك الليلة مجرّد حلم جميل وعابر؟

أمضت بولوت بعض الأشهر العصيبة مع صلاح الدين دميرتاش، أحد زعماء «حزب الشعوب الديمقراطي». صفقت له خلال خطاباته وأقنعت أصدقاءها وأقاربها بدعم زعيم الحزب الشاب الذي لم يتعهد بتغيير السياسة التركية فحسب بل جسّد ذلك التغيير عملياً. في المدرسة ثم في الجامعة، لاحظت بولوت كيف تعرّض أصدقاؤها الذين طالبوا بزيادة حقوق الأكراد للاعتقال وكأنهم إرهابيون مشبوهون.

كانت تأمل أن يساهم نجاح «حزب الشعوب الديمقراطي» في انتخابات 7 يونيو في تحويل تركيا إلى بلد سلمي وتعددي.

بعد شهرين فقط، كانت بولوت تمرّ بوسط مدينة ديار بكر وهي ترتدي سروالاً ضيقاً أسود وتضع طلاءً داكناً على أظفارها ولديها ثقوب في جسمها. مرّت بالقرب من سيارات شرطة مدرّعة فيما كانت الطائرات المقاتلة تحوم فوق رأسها.

 كان المحتجون المعادون للحكومة قد أقاموا المتاريس وأحرقوا السيارات في الليلة السابقة. طُلِيت عبارات مثل {كوباني في كل مكان} و«أطلقوا سراح أوجلان} على الجدران. تقول بولوت: {كنت ساذجة حقاً!}.

تتكرر الممارسات نفسها ليلةً تلو الأخرى: نحو التاسعة مساءً، تنطلق الطائرات المقاتلة من قاعدة عسكرية خارج المدينة لتنفيذ ضربات جوية ضد مواقع يسيطر عليها «حزب العمال الكردستاني» في شمال العراق وفروعه في سورية. تقلّ الضربات الجوية التي تستهدف مواقع «الدولة الإسلامية». في الوقت نفسه، كان الأكراد الشباب يضرمون النيران في وسط مدينة ديار بكر. في الأماكن التي انتشرت فيها المتاريس، ردّ رجال الشرطة بمدافع المياه والغازات المسيلة للدموع. لكن لا يمكن ردع المحتجين بسهولة. فقد راحوا يهتفون: «هذه هي البداية!». في اسطنبول ومدن أخرى، اندلعت اشتباكات عنيفة مع الشرطة، ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى.

تحول {الربيع الكردي} إلى صيف عنيف ومفعم بالكره. يظن عدد كبير من سكان ديار بكر أن الحرب الأهلية باتت حتمية.

وصلت عملية السلام بين الحكومة وبين الأكراد إلى نهايتها. تأكدت هذه المعلومات في بيانات أصدرها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وزعماء {حزب العمال الكردستاني}. يتعرّض مقاتلو الأخير والجنود الأتراك للقتل بشكل شبه يومي بسبب احتدام القتال والضربات الجوية ومختلف الإعتداءات.

بدا وكأنّ إردوغان سيقوم أخيراً بما كان الغرب يتمنى حصوله منذ فترة طويلة، أي التحرك ضد {الدولة الإسلامية} بعد سنوات من التساهل مع هذه الجماعة المتشددة.

بعدما أدى تفجير انتحاري مدمِّر خلال مسيرة للشباب الكردي في 20 يوليو إلى سقوط 32 قتيلاً في بلدة سروج، على الجهة المقابِلة من الحدود مع مقاطعة كوباني السورية الكردية، تحدَّث الرئيس الأميركي باراك أوباما مع نظيره التركي عبر الهاتف. اتفق الطرفان على التعاون في المعركة ضد {الدولة الإسلامية}، مع أنّ الحكومة التركية كانت قد أصرّت على رفض هذا الطلب حتى تلك الفترة.

حصلت القوات الجوية الأميركية الآن على الإذن باستعمال عدد من القواعد العسكرية التركية، إلى جانب قاعدة حلف الأطلسي الجوية في إنجرليك لإطلاق الضربات الجوية ضد مقاتلي {الدولة الإسلامية}، علماً أنها لم تكن تستطيع استعمال هذه المواقع سابقاً. أدت هذه الخطوة إلى تقليص المسافة التي يجب أن تقطعها الطائرات الأميركية. بدل الإقلاع من قواعدها في الخليج العربي وإعادة التزود بالوقود في الجو، يجب أن تقطع الطائرات الآن 150 كلم من إنجرليك قبل الوصول إلى الأراضي التي تسيطر عليها {الدولة الإسلامية}.

في صباح يوم الجمعة الماضي، بعد أربعة أيام على التفجير الانتحاري في سروج (لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه بعد)، أطلقت القوات الجوية التركية هجوماً على مواقع {الدولة الإسلامية}. أعلن مكتب رئيس الوزراء بعد بضع ساعات: {أقلعت ثلاث طائرات مقاتلة من طراز {ف-16} في الساعة 3:12 فجراً من قاعدة ديار بكر الجوية وقصفت ثلاثة مواقع للدولة الإسلامية بين الساعة 3:40 و3:53 فجراً}.

عذر مشبوه لشن الحرب؟

سرعان ما اتضحت نوايا إردوغان الحقيقية. أراد استغلال الفرصة لمحاربة ما يعتبره هو ومتشددون آخرون الشر الأكبر: {حزب العمال الكردستاني}. أنتجت هذه المعطيات وضعاً سخيفاً لأن تركيا تستهدف الآن {الدولة الإسلامية} وأقوى خصومها. على ضوء هذه الأحداث، يبدو أن تركيا تستعمل تفجير سروج الانتحاري كعذر مشبوه لشن حرب لا تستهدف {الدولة الإسلامية} بل ضحايا هذه المنظمة الإرهابية.

تقلع الطائرات التركية المقاتلة ليلاً نهاراً لمهاجمة مراكز {حزب العمال الكردستاني} في جبال قنديل التي يصعب الوصول إليها في شمال العراق ومواقعه في تركيا أيضاً. استهدفت الدبابات التركية أيضاً مقاتلين في فرع تابع لحزب العمال الكردستاني في سورية، كانوا موجودين بالقرب من مواقع {الدولة الإسلامية}.

ما حصل أخيراً في شمال العراق وتركيا تحديداً سيعطي نتائج عكسية على الأرجح. مع ارتفاع عدد البلدان التي غرقت في العنف في الشرق الأوسط، أعطت عملية السلام التي انطلقت بين تركيا و«حزب العمال الكردستاني} بعد سنوات من المفاوضات الصعبة بصيص أمل نادر وسط هذه الظروف. لطالما بدا إردوغان مصمماً على إنهاء الحرب الأهلية التي احتدمت طوال عقدين وخلّفت 40 ألف قتيل من دون أن يتمكَّن أي طرف من الصراع من إعلان انتصاره. قال في خطاب مؤثر أمام البرلمان التركي في عام 2009: {ما عدنا نستطيع انتظار أي حل سياسي. لا يمكن فعل ذلك أمام دموع الأمهات اللواتي فقدن أولادهنّ من الطرفين}.

قد تبدو استراتيجية إردوغان العسكرية الراهنة متناقضة، لكنها ليست مفاجئة نظراً إلى كلامه في عام 2009.

لطالما تعامل إردوغان مع السياسة وكأنها حرب فعلية. لا يتمتع أي سياسي تركي آخر بالدرجة نفسها من الصرامة. من خلال مهاجمة {حزب العمال الكردستاني}، هو ينتج نوعاً من الاضطرابات التي تمهّد لإجراء انتخابات جديدة في الخريف.

منفصل عن الواقع

في شهر يونيو، بعد 13 سنة على تولي السلطة، خسر {حزب العدالة والتنمية} الذي ينتمي إليه إردوغان غالبيته الساحقة في البرلمان وهو يتكل الآن على شريكه في الائتلاف للمرة الأولى في تاريخه. بالنسبة إلى إردوغان، تشكّل نتيجة الانتخابات انتكاسة حقيقية. كان يأمل أن يحصل على غالبية الثلثين التي يحتاج إليها لتعديل الدستور وإنشاء نظام رئاسي وتعزيز مكانته الطاغية خلال السنوات المقبلة. لكن أعاق {حزب الشعوب الديمقراطي} الكردي خطته حين دخل إلى البرلمان.

كان يجب أن يشكّل رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو حكومة ائتلافية خلال 45 يوماً. تنتهي المهلة في 23 أغسطس الجاري. يريد إردوغان على ما يبدو أن يشعر الشعب التركي بأن حكومة الحزب الواحد التي يسيطر عليها {حزب العدالة والتنمية} هي التي تستطيع كبح الفوضى في البلاد. يريد أن يُعتبَر {حزب الشعوب الديمقراطي} إرهابياً وأن يحصد أقل من عتبة العشرة بالمئة التي يحتاج إليها كي يضمن مقاعد له في البرلمان خلال الانتخابات المقبلة. تأكّدت هذه النوايا حين أعلن القضاء التركي في ديار بكر أنه يحقق مع دميرتاش بتهمة {تحريض وتسليح} المحتجين.

لكن تتعلق المسألة الأساسية بقدرة هذه الاستراتيجية على إقناع الرأي العام. يفترض المراقبون أن إردوغان يمكن أن يجذب الناخبين من {حزب الحركة القومية} اليميني المتطرف إلى {حزب العدالة والتنمية} بفضل أجندته الوطنية. لكن يبدو أن ولاءات الناخبين الداعمين لحزب الشعوب الديمقراطي لن تتزعزع رغم الاضطرابات الأخيرة. تشير استطلاعات الرأي إلى أن 6% منهم فقط سيصوتون لصالح حزب آخر عند حصول انتخابات جديدة.

يمكن أن يدوم وضع المراوحة لأشهر عدة، لكنه ليس سبباً كافياً كي يتخلى إردوغان عن لعبته المشبوهة. ربما لا يدرك الرئيس مدى خطورة هذه اللعبة. بعد سنوات على وجوده في السلطة، يبدو أنه أصبح منفصلاً عن الواقع أكثر من أي وقت مضى. لا يمكن وقف التصعيد العسكري بكبسة زر في يوم الانتخابات.

في نقطة انطلاق التصعيد الراهن، على الحدود مع سورية، لا يحصل شيء في هذه الأيام.

على طول الجزء الشرقي من الحدود، تقع بلدة كركميس التركية مقابل بلدة جرابلس السورية. على الجانب السوري، يظهر علم {الدولة الإسلامية} الأبيض والأسود وهو يرفرف وسط هواء الصيف الحار. في جواره مباشرةً، على بُعد 100 متر من الجانب التركي، يقع مكتب الحزب الحاكم الذي ينتمي إليه إردوغان. المعبر الحدودي مغلق لكن ما من دبابات أو قوات عسكرية ولا حتى دورية حدودية: لا شيء يشير إلى أن حملة تركيا ضد الجيش الإرهابي الجهادي توشك على البدء.

تسهيل وصول {الدولة الإسلامية}

حتى الآن، تصرّ الحكومة التركية على إنكار دعمها {الدولة الإسلامية}. لكن ما بين الدعم الناشط والإغفال عن تحركاتها، سهّلت حكومة إردوغان وصولها إلى السلطة.

منذ صيف عام 2012، حين بدأ تدفق المجندين المجاهدين الأجانب بأعداد كبيرة إلى سورية من تركيا، سمحت لهم السلطات التركية بالدخول والمغادرة عبر المطارات المحلية في الجنوب. لطالما كان التعامل مع المجندين في {الدولة الإسلامية} متساهلاً داخل تركيا، وكان يُسمَح لعناصر التنظيم باستعمال المعابر الحدودية. لكن سرعان ما غيرت أنقرة موقفها بوتيرة تدريجية.

مقابل توفير الدعم للتحالف الدولي ضد {الدولة الإسلامية}، دعت الحكومة التركية منذ فترة طويلة إلى إنشاء {منطقة مشمولة بالحماية} في شمال سورية، وقد وافق الأميركيون الآن على ذلك الطلب. ستمتد المنطقة على 100 كلم تقريباً، من بلدة أعزاز الحدودية في شمال حلب إلى جرابلس، وعلى مساحة 50 كلم داخل سورية، وتحديداً في المناطق التي لا تزال {الدولة الإسلامية} تسيطر عليها. تبقى خطة طرد المجاهدين من المنطقة غامضة وهي تقتصر حتى الآن على تكثيف الاعتداءات الجوية، ومن المتوقع أن يتابع الثوار المدعومون من الأميركيين والأتراك التقدم نحو المنطقة. لكن عن أي ثوار نتكلم وكيف سيحققون هدفهم؟

وفق الهدف الرسمي الذي أعلن عنه التحالف المضاد للدولة الإسلامية، تهدف المنطقة المشمولة بالحماية إلى تقليص خطوط إمدادات {الدولة الإسلامية} وطرق التهريب. لكن يبدو أن الحكومة التركية تصبو إلى هدف مختلف: منع الأكراد من السيطرة على منطقة متماسكة على طول حدودها.

استولت {وحدات حماية الشعب} على مساحات واسعة من الأراضي التي تحتلّها {الدولة الإسلامية} في الأسابيع الأخيرة، وهو تطور أثار ذعر أنقرة وسرور واشنطن. في منتصف شهر يونيو، نجح الأكراد في الاستيلاء على بلدة تل أبيض الحدودية السورية، وبعد فترة قصيرة أصبحوا على بُعد 30 كلم فقط من الرقة، عاصمة {الدولة الإسلامية} غير الرسمية.

إردوغان يخشى الدولة الكردية

بهذه الطريقة، تمكنت {وحدات حماية الشعب} من إنشاء ممر بين إقليمين كرديين من أصل ثلاثة كانا معزولين في السابق في شمال سورية. إذا تمكنت الميليشيا، بالتعاون مع الثوار الآخرين، من طرد {الدولة الإسلامية} من المنطقة الحدودية بالكامل، ستتصل {الكانتونات} كافة ببعضها مجدداً. كان إردوغان يهدد أصلاً بشن الحرب بعد الاستيلاء على تل أبيض: {لن نسمح في أي ظرف من الظروف بنشوء دولة جديدة في شمال سورية}. كان يشير إلى نشوء الدولة الكردية.

أعلنت المنظمات الإعلامية الداعمة للحكومة عن تعبئة 18 ألف جندي تركي لغزو الموقع الذي يضمّ راهناً {المنطقة المشمولة بالحماية}. في 29 يونيو، توقعت الصحف العربية أن يعمل إردوغان ورئيس الوزراء على {تنفيذ تدخل تركي، لا سيما في منطقة جرابلس، لمنع القوات الكردية من التقدم، بحجة محاربة الدولة الإسلامية}. اليوم، بعد مرور شهر فقط، تحقق جزء من هذا التوقع على الأقل. صحيح أن القوات التركية الميدانية لم تتدخل بعد، لكن يمكن أن يحصل ذلك قريباً.

أطلق زعيم الجناح السياسي في {وحدات حماية الشعب}، صالح مسلم، تحذيراً شديد اللهجة في محادثة له مع {صحيفة شبيغل} قائلاً: {إذا توجه الجيش التركي نحو سورية فعلاً، سنعتبر هذا التحرك غزواً وسندافع عن نفسنا}. لكنه يحاول إخماد حدّة الصراع في الوقت نفسه: {لا نريد خوض أي صراع مع تركيا. إذا أرادت أنقرة طرد {الدولة الإسلامية}، يمكننا تحقيق ذلك الهدف بالتعاون مع جماعات محلية أخرى مثل العرب والتركمان والأكراد. لكن أغلق {حزب العدالة والتنمية} الباب أمام هذا الحل وهو يحاول إضعاف الأكراد الذين يحاربون الدولة الإسلامية}.

لكن لا شيء يشير راهناً إلى أن تركيا ستنشر قوات ميدانية. حتى خلال اجتماع سري لعدد من قادة الثوار السوريين في أنقرة أخيراً، تمحور النقاش حصراً حول تكثيف الدعم ولم يتطرق إلى أي غزو وشيك. يبدو أن خوض مواجهة مباشرة مع {وحدات حماية الشعب} ليس مطروحاً على الطاولة.

مع ذلك، تكثر الشكوك بين المشاركين، منهم زعيم حركة {أحرار الشام} الإسلامية.

قال أحد قادة الثوار: {سبق ووعدنا الأتراك مرتين بإنشاء منطقة مشمولة بالحماية في الشمال، لكن لم يتحقق شيء من تلك الوعود. سنُسَرّ طبعاً إذا ساعدونا في معركتنا ضد [الرئيس السوري] بشار الأسد أو {الدولة الإسلامية}، وإلا سنتابع القتال وحدنا}.

التعاون الأميركي مع تركيا

فيما ينتقد الشركاء الأوروبيون المنتسبون إلى حلف الأطلسي، لا سيما الحكومة الألمانية، الأتراك بسبب اعتداءاتهم على {حزب العمال الكردستاني}، يبدو أن الأميركيين ينظرون إلى الوضع بطريقة مختلفة. بالنسبة إليهم، أهم ما حصل هو أنّ الأتراك، بعد سنوات من المحاولات الفاشلة لكسب دعمهم، باتوا مستعدين أخيراً لتقديم المساعدة في المعركة ضد {الدولة الإسلامية}.

غرّد بريت ماكغورك، مساعد مبعوث الرئيس الأميركي الخاص في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم {داعش}: {نتطلع إلى تكثيف التعاون مع تركيا وجميع شركائنا في المعركة العالمية ضد داعش}. تجاهل ماكغورك بذلك الحرب المعلنة راهناً بين اثنين من هؤلاء الشركاء. ثم أضاف ماكغورك سريعاً أن الولايات المتحدة لن تتحمل مسؤولية أي تصعيد محتمل: {ما من رابط بين هذه الضربات الجوية ضد حزب العمال الكردستاني والاتفاق الأخير على تكثيف التعاون الأميركي التركي ضد داعش}.

أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن تكثيف التعاون مع تركيا، رغم تصنيف {حزب العمال الكردستاني» كمنظمة إرهابية، سيمهّد لتقديم دعم جوي إضافي إلى جماعة «وحدات حماية الشعب» السورية. بهذه الطريقة، ميّزت الوزارة بين منظمتين تتعاونان عن قرب، ويبدو أن هذا التمييز غير موجود إلا في عقول السياسيين في واشنطن.

تبرز مفارقة تاريخية مريرة لأن إردوغان، بعدما أصبح رئيساً، بدأ يشن حرباً ضد {حزب العمال الكردستاني} مع أنه ساعد الأكراد أكثر من أي سياسي تركي سابق حين كان رئيس الوزراء. في عام 2005، كان من أوائل المسؤولين الذين أعلنوا عن وجود {مشكلة كردية} يجب حلّها ديمقراطياً. قبل تلك الفترة، لطالما رفضت الدولة التركية الاعتراف بوجود الأكراد. قدم إردوغان أوسع هامش من الاستقلالية لأكبر أقلية في بلده واستثمر مليارات اليورو لإنشاء البنى التحتية في جنوب شرق تركيا. كذلك خفف الضوابط على استعمال اللغة الكردية وسمح بنشوء إذاعة ومحطات تلفزة كردية. في عام 2012، بدأت الاستخبارات التركية مفاوضات سلام مع زعيم {حزب العمال الكردستاني} عبدالله أوجلان الذي سُجن في جزيرة إيمرالي في بحر مرمرة منذ اعتقاله في عام 1999.

لكن بسبب سياسة الوفاق التي حصد إردوغان بفضلها إشادة واسعة، خسر عاملاً مفيداً جداً بالنسبة إلى أي زعيم تركي يحاول الاحتفاظ بالسلطة: العدو الخارجي الذي يمكن استعماله لتحريض الناخبين الأتراك وضبطهم طوال عقود. هكذا سيطر مناخ من الوفاق ونشأت حركات سياسية جديدة مثل الحركة الاحتجاجية ضد تدمير حديقة غازي في اسطنبول وضد عجرفة أصحاب السلطة.

حاول إردوغان بشكل متكرر خلق أعداء جدد عبر خطاباته اللاذعة ضد المؤامرات الخارجية. تحدث عن مؤامرات تُحاك ضد تركيا من داعمي رجل الدين النافذ والمنفي فتح الله كولن، مثل {مافيا أسعار الفائدة} وشركة الطيران الألمانية {لوفتهانزا}. كتبت الصحفية التركية إيجيه تيميلكوران في مجلة {زينيث} أن إردوغان {يسيطر على مشاعر الكره أو الخوف لدى الطبقة الدنيا}، ووصفت تلاعب الحاكم الاستبدادي بالاستياء الشعبي. لكن لم تحقق هذه الجهود الرامية إلى ابتكار {فزّاعة} جديدة نجاحاً كبيراً. في النهاية، ما هو حجم السخط الذي يمكن أن تنتجه {مافيا أسعار الفائدة} مقارنةً بعصابة؟

دور «حزب العمال الكردستاني»

ساهم {حزب العمال الكردستاني} بدوره في تصعيد الوضع. أشارت التقارير إلى أن مقاتليه أطلقوا سلسلة من الاعتداءات في الأيام الأخيرة. أخيراً، قتل عناصر من {حزب العمال الكردستاني} ضابطَين في بلدة ليجي وأصابوا أربعة جنود آخرين في هجوم على مركبتهم العسكرية. في ديار بكر، أطلق المقاتلون النار على أحد المقاهي، ما أسفر عن مقتل ضابط شرطة ومدني. وقُتل ثلاثة جنود في هجوم على مقاطعة سيرناك يوم الخميس.

هذه هي البداية وفق تهديد مراد بيكتاش الذي أعلن أن منظمته ستخطط لشن اعتداءات إضافية إذا لم توقف الحكومة التركية ضرباتها. يرأس بيكتاش {حركة الشباب الوطني الثوري} في ديار بكر، وهي منظمة شابة تابعة لحزب العمال الكردستاني. إنهم مجموعة من الشباب الغاضبين مثله وهم الذين يمعنون في تصعيد الوضع.

تعلّم بيكتاش أن يقيم المتاريس ويستعمل الأسلحة. يقول: {أنا مسلّح لهذه المعركة}. يُعتبَر نافذاً داخل الحركة لأن {حزب العمال الكردستاني} يتكل على الشباب المتفانين في {حركة الشباب الوطني الثوري}. بيكتاش شاب نحيل يرتدي سروال جينز وقميصاً فضفاضاً ولديه لحية خفيفة وتظهر تجاعيد على جبينه. كان يعيش في مكان خفي خلال السنوات الخمس الماضية وقد بقي مختبئاً مع الناشطين الآخرين في مبنى يقع في ضواحي ديار بكر. هو يرفض الكشف عن اسمه الحقيقي.

يمكن سماع ضجة الشارع المكتظ من نافذة الموقع، وثمة صورة لأوجلان على الجدار، ووُضعت صحيفة كردية على طاولة أمامه. ذكر عنوان رئيس على الصفحة الأولى: {يد حزب العدالة والتنمية ملطّخة بدم أولادنا}.

«مستعدون للأسوأ»!

يقول بيكتاش إن بعض أعضاء وداعمي {حزب العمال الكردستاني} لم يؤمنوا يوماً بعملية السلام. وبما أن أوجلان كان يدعم هذه المساعي، أطاع مناصروه أوامره التي تدعو إلى دعم السلام. لكن يقول بيكتاش إن تحرّك الجيش التركي ضد {حزب العمال الكردستاني} الآن يشير إلى عدم اهتمام الحكومة بعقد السلام مع الأكراد، لذا تنوي الجماعة تجديد الصراع.

يؤكد بيكتاش تسليح عدد كبير من المواطنين في ديار بكر ومدن أخرى بسكاكين ومسدسات ورشاشات: {نحن مستعدون للأسوأ}!

ضعفت القوى المعتدلة داخل {حزب العمال الكردستاني} والحكومة التركية فقد سيطر عليهما المحرّضون. سعى زعيم {حزب الشعوب الديمقراطي}، دميرتاش، إلى إخماد حدّة الصراع في الأيام الأخيرة، لكن ما عادت رسائله تؤثر بالشباب المتطرف.

أطلق محمد أوجلان، شقيق زعيم {حزب العمال الكردستاني}، تحذيراً عبر محادثة هاتفية مع {شبيغل}: {سيزداد سفك الدماء. عبدالله هو الشخص الوحيد الذي يستطيع منع الكارثة في هذه المرحلة}. لكن يبدو أوجلان معزولاً عن الأحداث الراهنة كونه في السجن على جزيرة إيمرالي. لم تسمح الحكومة لأحد بزيارته منذ شهر أبريل.

أوشكت المحادثات بين الحكومة التركية و«حزب العمال الكردستاني} على الفشل في مناسبات متكررة خلال السنوات الأخيرة. لكن أصدر أوجلان في شهر فبراير الماضي بياناً يدعو فيه مناصريه أخيراً إلى نبذ العنف. اعتبره زعيم الثوار {قراراً تاريخياً}.

لكن بعد ستة أشهر، لم تعد كلماته سارية المفعول.

* كريستوف رويتر | Christoph Reuter & مكسيميلين بوب | Maximilian Popp

back to top