مؤشرات التفاؤل في أزمة الديون اليونانية

نشر في 01-08-2015 | 00:01
آخر تحديث 01-08-2015 | 00:01
No Image Caption
إذا كان في وسع رئيس الوزراء اليوناني إعادة بناء الثقة والمضي في تنفيذ ما سبق أن التزم به فإن هناك وسيلة واضحة قد تفضي إلى الخروج من المحنة التي تواجه بلاده، وتتمثل الخطوة الأولى في هذا المسار بالتوصل الى اتفاق جديد.

 هناك طرق كثيرة تدفع إلى حدوث أخطاء في اليونان إلى درجة تجعل من السهل تجاهل الجوانب الصحيحة في ذلك البلد أيضاً، ويشمل السيناريو الأفضل في هذه الحال البنك المركزي الأوروبي والسندات اليونانية في خطوات وبرامج التيسير الكمي التي يقوم بها البنك، ومن بينها عمليات رفع الرقابة على رأس المال إضافة إلى التوصل إلى اتفاق حول إعفاء من الديون، وكل ذلك بحلول نهاية هذه السنة.

هذه ليست مجرد تنبؤات، ويرجع ذلك إلى أن الثقة بين اليونان والدول الأخرى في منطقة اليورو قد تبددت بصورة تامة، كما أن الجهات الدائنة المتشددة لأثينا- التي تقودها الحكومة الألمانية- ستهرع إلى مساعدة رئيس الوزراء اليوناني أليكسس تسيبراس فقط في حال تنفيذه ما تم الاتفاق عليه في وقت سابق بصورة تامة، ويبعد هذا الاحتمال كثيراً لأن حزبه في الجناح اليساري الراديكالي (سيريزا) يواجه أزمة تمزق وانشقاق على الرغم من أن ذلك يعطي رئيس الوزراء فرصة مواتية من أجل المضي في بلوغ أهدافه.

إعادة بناء الثقة

وعلى أي حال إذا كان في وسع رئيس الوزراء اليوناني إعادة بناء الثقة والمضي في تنفيذ ما سبق أن التزم به فإن هناك وسيلة واضحة قد تفضي إلى الخروج من المحنة التي تواجه بلاده.

وتتمثل الخطوة الأولى في هذا المسار بالتوصل الى اتفاق جديد، وينطوي ذلك بشكل خاص على إنجاز أهداف اليونان المالية خلال السنوات القليلة المقبلة، وفي ضوء الدمار الذي حدث في الشهر الماضي عندما أُغلقت البنوك اليونانية لثلاثة أسابيع فإن اثينا لن تتمكن من تحقيق الأهداف التي سبق أن طالبت بها الجهات الدائنة، وذلك من دون تنفيذ المزيد من خطوات التقشف التي تفضي الى الوهن والضعف.

دائنو منطقة اليورو

وفي حال تمكن رئيس الوزراء اليوناني من إقناع الجهات الدائنة في منطقة اليورو بأنه سينفذ شريحة الإصلاحات، التي وافق عليها، فإن تلك الجهات قد لا تصر على تطبيق أي إجراءات أخرى كانت مطروحة في وقت سابق على طاولة المفاوضات خلال السنة الحالية أو المقبلة، وفي حال فشله في الوصول إلى هذا الهدف يتعين عليه البحث عن مزيد من الضرائب وعن خفض في الإنفاق لتعويض الفوارق.

وتجدر الإشارة إلى أنه كلما أمكن التوصل إلى اتفاق جديد في وقت أسرع- بحلول نهاية أغسطس بشكل مثالي– كان في وسع الطرفين تنفيذ الخطوات التالية التي تشمل السندات اليونانية في برنامج التيسير الكمي لدى البنك المركزي الأوروبي.

عملية شراء السندات

يذكر أنه عندما أطلق البنك المركزي هذه العملية من شراء السندات في شهر يناير الماضي قرر استثناء اليونان على أساس أن أثينا لم تطبق ما تضمنته خطة الإنقاذ السابقة، لكن نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي فيتور كونستاسيو سبق أن قال في السادس عشر من شهر يوليو الماضي إن الدولة بمجرد أن تدخل في برنامج جديد، وتعمد إلى تطبيقه بصورة مقنعة وموثوقة، فإن البنك المركزي الأوروبي يمكن أن يبدأ بعملية شراء ديون اليونان.

وهذه نعمة بالنسبة إلى ذلك البلد، وفي حال رفع البنك المركزي الأوروبي السندات اليونانية فإن قيمة أرباحها ستهبط، ومن شأن ذلك تعزيز الثقة، وفي السيناريو الأفضل سيحدث ذلك في شهر سبتمبر المقبل وبعد وقت قصير من إبرام اتفاق جديد حول عملية إنقاذ.

وتتمثل الخطوة التالية بإعادة تزويد البنوك اليونانية برأسمال هي في أشد الحاجة إليه، وذلك لأن إمكانات ذلك البلد الاقتصادية تردت بصورة حادة خلال الشهر الماضي، وهو ما يعني– ضمن أشياء أخرى– أن المزيد من قروض البنوك ستصبح معدومة، وتتوقع اللجنة الأوروبية في الوقت الراهن أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي في اليونان بنسبة تصل إلى ما بين 2 و4% في هذه السنة.

وقد وقعت أثينا ومجموعة دائنيها صفقة إضافية إلى البنوك بمبلغ يراوح بين 10 مليارات و25 مليار يورو، وسيكون البنك المركزي الأوروبي الذي يشرف على الجهات المقرضة في حاجة إلى القيام بعملية تقييم مفصلة قبل أن يتوصل إلى رقم محدد في هذه العملية.

تحديد الرقم السحري

وبمجرد أن يقع اختيار الجهات المشرفة على الرقم السحري فإنه يتعين عليها عندئذ أن تقرر الجهة التي ستقدم رأس المال، والسؤال الرئيس في هذه الحال هو ما إذا كانت هناك عملية إنقاذ للمودعين من غير المؤمن عليهم– ويشمل ذلك بشكل رئيس الشركات التي تملك في حساباتها أكثر من 100 ألف يورو– وإرغامها على تحويل شريحة من أموالها إلى أسهم في البنك الجديد.

وستفضي هذه الخطوة إلى القضاء على الثقة، وإذا طبق رئيس الوزراء اليوناني الشطر المتعلق به في هذه الصفقة فإن الجهات الدائنة لن تصر عليها، وإلا سيكون هناك خطر في أن يقوم المتشددون بتلك الخطوة.

ويعتبر تزويد البنوك برأس المال عملية ضرورية من أجل التقدم نحو الخطوة التالية التي تتمثل برفع الرقابة على رأس المال، وقد فتحت البنوك اليونانية الآن بعد إغلاق استمر ثلاثة أسابيع، لكن لا تزال هناك بعض العوائق، خصوصا ما يتعلق بقدرة الشركات على استيراد بضائع، تعرقل أداء الاقتصاد.

وإذا تم رفع كل القيود غداً فإن المودعين سيهرعون إلى سحب أموالهم ولن يكون البنك المركزي الأوروبي راغباً في توفير سيولة غير محدودة إلا بعد تزويد البنوك برأسمال؛ لأنه لا يريد إقراض أموال لأطراف مفلسة، ولكن بمجرد تعضيد ميزانياتها قد يكون مستعداً لمواجهة خطر التدافع على البنوك، وقد تقل رغبة المودعين في سحب أموالهم من البنوك.

الخطوة النهائية

تتمثل الخطوة النهائية بالإعفاء من الديون، وكانت مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل قالت في التاسع عشر من شهر يوليو الماضي إن هذا قد يشمل إعطاء أثينا فترة أطول من أجل تسديد الأموال التي اقترضتها مع خفض في معدلات الفائدة، وعلى الرغم من أن قيمة الديون اليونانية لن تتغير فإن الشروط الأفضل ستجعل الاقتراض في ذلك البلد محتملاً بقدر أكبر، وبمرور الوقت ستتمكن أثينا من تمويل نفسها عن طريق إصدار سندات في السوق بدلاً من اعتمادها على عمليات إنقاذ، كما كانت الحال على الدوام مع ما يرافق ذلك من تعقيدات معروفة.

ويتمثل الجانب المهم بأن الإعفاء من الديون سيدرس فقط بعد أول مراجعة للاتفاق الجديد وستتم– حسب أفضل سيناريو– في شهر أكتوبر المقبل، وما هو أكثر من ذلك أن هذا الإعفاء سيكون مشروطاً بتنفيذ كامل للبرنامج بعد مرور ثلاث سنوات.

ويتعين علينا أن نتخيل حصول اليونان بحلول نهاية هذه السنة على كل تلك الجوانب التي تشتمل على التيسير الكمي ورفع الرقابة عن رأس المال والاتفاق المتعلق بالديون، وأن نتوقع تحسين الثقة بعد فترة طويلة في مواجهة إجراءات التقشف.

ومن الطبيعي أن تخيل هذا السيناريو ليس مثل التنبؤ به، وقد كانت عملية التوصل إلى اتفاق بين اليونان ودائنيها محبطة في مرات عديدة في الماضي.

وعلى الرغم من ذلك كله يذكر أن حوافز رئيس الوزراء اليوناني تسيبراس قد حققت مساعدة في الاتجاه الصحيح، وكان أسلوبه الصدامي السابق في مواجهة دائني بلاده قد فسر بصورة جزئية من خلال تردده في الاعتراف أمام ناخبيه بأنه كان يقوم بعملية تحول وبخوفه على تفتت حزبه، وقد تراجع الآن عن وعوده ولا أمل في الحفاظ على حزبه (سيريزا) موحداً، ولكن لدى تسيبراس في الوقت الراهن مصلحة قوية في نجاح عملية الإنقاذ الجديدة.

back to top