خيط رفيع بين الديمقراطية والفوضى

نشر في 01-08-2015
آخر تحديث 01-08-2015 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر إن رفع الشعارات البراقة والكلام الكبير لا يعني أن من يطلقها يمثل مصالح الشعب والآخرون يتغاضون عنها، فطالما تسببت الشعارات المطاطة في ضياع بلدان وشعوب، فلو نجحت أحزاب كردستان المعارضة قبل أربع سنوات في استيراد تجربة ثورات الربيع العربي واستنساخها في الإقليم، لكنا سنعيش اليوم ظروفا أشبه بالظروف التي يمر بها اليمن أو ليبيا أو حتى سورية، لندور في  صراع دموي تضيع فيه جميع المكتسبات والطموحات الكردية.

هذا مثال لما يمكن أن تفعله أحزاب لا تمتلك رؤية سياسية صحيحة في جر البلد لأجنداتها الفوضوية فيما لو نجحت في تمريرها، وما أشبه اليوم بالبارحة.

ورغم أن ظاهر دعوات بعض الأحزاب الكردستانية ممثلة بالاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير لتحويل نظام الحكم في الإقليم إلى برلماني، يهدف إلى تعميق أسس الديمقراطية في الإقليم فإن أهدافها الحقيقية بعيدة كل البعد عن هذا التباكي على الديمقراطية والافتتان بها، فتوقيت هذه الدعوات يفضح الكثير من الأمور الخافية.

إننا نؤمن بأن بين الديمقراطية والفوضى شعرة رفيعة لا تميزها أحزاب ما زالت تعيش الفوضى الفكرية والحزبية كواقع في حياتها السياسية، وتحرص على مصالحها كأولوية على حساب المصلحة القومية العليا للشعب، وعندما نشكك في هذه التوجهات فإننا ننطلق من الحرص على المصالح القومية للشعب دون التطبيل لساسة أو أحزاب، ولوجود علامات استفهام كثيرة حول مواقف هذين الحزبين ماضيا وحاضرا.

 وسنحاول تسليط الضوء على بعض هذه الشكوك والمواقف:

1- انشقاق حركة التغيير عن الاتحاد الوطني الكردستاني قبل سنوات كان أحد أسبابه مركزية الاتحاد الوطني المفرطة آنذاك، وحصر قراراتها في يد السيد جلال الطالباني، وبدل أن تؤسس حركة التغيير نموذجا ديمقراطيا يتجاوز المركزية التي عانوها، أعادت تجربة الاتحاد داخل الحزب، وأصبح السيد نوشيروان مصطفى هو المحور الذي يدور حوله جميع أعضاء الحركة، بل اختزلت الحركة في شخصه.

 أما الاتحاد الوطني فبمجرد انحسار دور السيد الطالباني فيه تشظى إلى كتل وتجمعات متنافسة لا يجمعها شيء سوى الإرث السياسي للاتحاد والمصالح الشخصية، وقد كانت المنافسة الشديدة بين أعضاء الاتحاد على منصب رئاسة الجمهورية العراقية دليلا على ما آل إليه وضع الحزب من تشتت وضياع؛ لذلك من الغريب أن تدعو أحزاب تعاني إشكالية تسلط الفرد أو الضياع دونه إلى ترسيخ أسس الديمقراطية في إقليم كردستان بالشكل الذي يدعون إليه، ففاقد الشيء لا يعطيه.

2- للاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير تجربة لم يمض عليها وقت طويل تظهر وبوضوح فهم الحزبين مبدأ  تعددية الأقطاب، ونستشف من خلالها كيف سيكون وضع كردستان إذا أصبح نظام الحكم فيها برلمانيا، فبعد إجراء الانتخابات الأخيرة في كردستان العراق عاش الحزبان صراعا سياسيا مريرا استمر ما يقارب العام لتوزيع المناصب بينهما في مدينة السليمانية، فإذا كان الحزبان قد فشلا في التوصل الى اتفاق مشترك، وأوقفا الحياة السياسية والإدارية في مدينة صغيرة، فكيف نتوقع حال إقليم كردستان إذا ما أصبح البرلمان الذي يوجدان فيه هو من يدير الإقليم؟

3- إن توقيت إثارة هذه الأزمة بحد ذاته يثير الكثير من علامات الاستفهام، فقد أثار إصرار حكومة كردستان على الاستفتاء الشعبي لمصير الإقليم مخاوف دول في المنطقة، فدفعوا بـ"داعش" للهجوم على أراضي كردستان، وبعد هزيمة "داعش" على يد البيشمركة، لم يبق أمام هذه الدول إلا الدفع بأحزاب كردية لإجهاض هذا التوجه الكردي، ونجحوا في إثارة الأزمة الحالية، مع أنها لا تعتبر من أولويات سكان الإقليم في الوقت الراهن.

4- في أحيان كثيرة يتشابه الأداء السياسي للحزبين المذكورين مع الأداء السياسي لحزب البعث بشقيه السوري والعراقي، فحزب البعث كان من أكثر الأحزاب العربية تبنياً لشعار الوحدة العربية في أدبياته النظرية، مستغلين عواطف الشعب العربي حيال هذه القضية، ولكن ولسوء الأداء السياسي لحزب البعث، أصبح فيما بعد من الأسباب الرئيسة في تفتيت الدول العربية وتمزيقها بعكس ما كان يدّعي، ولا أستبعد أن يكون الأداء السياسي المتواضع لهذين الحزبين الكرديين سببا في تفتيت البيت الكردي ونشر الفوضى في كردستان بدلا من الديمقراطية.  

5- من الحقائق التي لا يمكن التغافل عنها التأثير الإيراني على توجهات الاتحاد الوطني وحركة التغيير الكردية، ولذلك فإن تحويل نظام الحكم في الإقليم من رئاسي إلى برلماني سيؤدي بشكل أو بآخر إلى تزايد الهيمنة الإيرانية على القرارات المصيرية للشعب الكردي، ويقضي على سياسة الحياد التي انتهجها السيد مسعود البرزاني في الصراع الذي يدور في المنطقة حاليا، واحتمال انجرار الإقليم إلى طرف المعسكر الإيراني (الذي يعتبر المعسكر الخاسر في هذا الصراع)، مما سيكون له آثار سلبية قاتلة على مستقبل الإقليم وطموح شعبه في الاستقلال والتطور.

* كردستان العراق - دهوك

back to top