عصر أدوية إطالة الحياة

نشر في 01-08-2015 | 00:01
آخر تحديث 01-08-2015 | 00:01
No Image Caption
الحبوب المحاربة للشيخوخة دواء المستقبل. فقد تبدأ التجربة الأولى السنة المقبلة.
أخيراً، بدأ العلماء وراء هذه التجربة محادثات مع إدارة الأغذية والأدوية الأميركية لتبت بعض التفاصيل العملية. تهدف هذه التجربة إلى اختبار ما إذا كان دواء داء السكري ميتفورمين يؤخر أيضاً الوفاة والأمراض المرتبطة بالشيخوخة، مثل مرض القلب، السرطان، والتراجع الفكري.
ستكون هذه المرة الأولى التي  يُختبر فيها دواء بالتحديد لتأخير عملية الشيخوخة في تجربة بشرية. تصف سو بسكين من المنظمة التي لا تتوخى الربح {تحالف أبحاث الشيخوخة} هذه التجربة بـ}الإنجاز العظيم}. وتضيف: {من الأهمية بمكان أن إدارة الأغذية والأدوية الأميركية فتحت أبوابها للباحثين لمناقشة هذه الفكرة}. خلال فترة طويلة من الزمن، كانت سمعة أبحاث إطالة الحياة سيئة، بما أن معظم الأفكار المطروحة كانت إما غير جذابة أو غير عملية، مثل الأنظمة الغذائية التي تقارب التجويع أو تطويل أطراف الصبغيات بطريقة ما.

 لكن القيمين على الأدوية لا يعتبرون حتى الشيخوخة رسمياً حالة تحتاج إلى علاج، ما يصعّب الحصول على موافقة على الأدوية. إلا أن هذه لا تُعتبر مشكلة لا يمكن حلها. ومن الممكن لإعادة تحديد هدف دواء يُستعمل منذ فترة أن تسهل هذه المهمة، نظراً إلى بيانات الأمان المتراكمة خلال مدة طويلة من الزمن.

تجارب واسعة

يُستخدم الميتفورمين منذ عقود لمعالجة الداء السكري من النمط الثاني. ويعني هذا أن الأبحاث قد تنتقل مباشرة إلى تجارب واسعة النطاق على البشر. من الضروري دوماً اختبار الأدوية الجديدة على الحيوانات أولاً، ومن ثم على مجموعات صغيرة من الناس. لكن هذه التجربة ستتبع حالة 3 آلاف شخص في سبعينياتهم طوال خمس سنوات، ويجب أن تكون النتائج الإيجابية كافية للحصول على موافقة إدارة الأغذية والأدوية الأميركية، حسبما يذكر الباحث المشرف على هذا البحث مير برزلاي من كلية ألبرت أينشتاين للطب في نيويورك.

تُعتبر العقبة الكبرى نقص التمويل الذي يُقارب الخمسين مليون دولار. يدعم الاتحاد الأميركي لأبحاث الشيخوخة مراحل التخطيط، ويخوض الفريق محادثات مع عدد من الداعمين المحتملين، بمن فيهم معاهد الصحة الوطنية في الولايات المتحدة، لذلك يبدو برزلاي واثقاً. يقول: {أثرنا اهتمام مصادر عدة. لذلك ستمضي هذه التجربة قدماً بطريقة أو بأخرى}. فإذا حصل هذا الدواء على الموافقة في نهاية المطاف، فسيرتفع الطلب عليه كثيراً.

بعد الاجتماع مع إدارة الأغذية والأدوية الأميركية في يونيو، أعلن برزلاي أن هذه المنظّمة {قدّمت اقتراحات محدودة}، ودعمت هذه الفكرة من حيث المبدأ. لا تحتاج هذه التجربة إلى موافقة هذه الإدارة للمضي قدماً، إلا أن التشاور معها يعني تصميمها بطريقة تمهد الدرب أمام الحصول على رخصة في وقت لاحق.

لبدء التجربة، لا يحتاج برزلاي إلا إلى الضوء الاخضر من عدد من لجان الأخلاق. ويعتقد هذا الباحث أن هذا سهل نسبياً، بما أن الميتفورين يُعتبر دواء آمناً.

الحدّ من الغلوكوز

يساعد هذا المركب مرضى الداء السكري بالحد من كمية الغلوكوز التي يفرزها الكبد. ومن تأثيراتها الجانبية الأكثر شيوعاً الغثيان والإسهال. ولكن من الممكن الحد منهما برفع الجرعات تدريجاً وتناول الدواء خلال الوجبات.

نشأ الاهتمام بتأثيرات الميتفورين المحتملة المضادة للشيخوخة لأن مرضى السكري الذين يتناولونه يواجهون معدلات متدنية من السرطان ومرض القلب، وأظهرت إحدى الدراسات أنهم يعيشون حياة أطول بنحو 15%، مقارنة بمن لا يعانون الداء السكري.

لا تزال أسباب ذلك مبهمة، بما أن لهذا المركب تأثيرات عدة في الخلايا. ولكن تشير إحدى النظريات إلى أنه يحاكي تأثيرات الحد من تناول السعرات الحرارية، ما يؤخر عملية الشيخوخة  لدى كثير من الحيوانات. فعندما يندر الطعام، تنتقل الخلايا إلى نمط الحفاظ على الطاقة. ويبدو أن لهذا تأثيرات إيجابية في مدى الحياة المتوقع.

لا تُعتبر تجربة الميتفورمين الإشارة الوحيدة على التقدم في حقل محاربة الشيخوخة. فمن المفترض أن تبدأ خلال هذا الشهر تجربة على الكلاب تتناول دواء يُدعى راباميسين. يُستخدم هذا الدواء عادة لكبح جهاز المناعة في البشر، بعد الحضوع لزرع مثلاً. ولكن من الممكن لجرعات صغيرة منه محاكاة الحد من السعرات الحرارية.

لكن الغريب أن هذه التجربة لن تتناول حيوانات مختبر، بل كلاب أليفة في متوسط العمر، وتهدف في جزء منها إلى الحد مما تتطلب من وقت وكلفة التجارب التي تشمل حيوانات ضخمة تعيش طويلاً. يعتقد مات كايبرلاين، باحث في هذا الفريق من جامعة واشنطن في سياتل، أن هذه التجربة قد تطيل عمر الكلاب بنحو سنتين إلى خمس سنوات.

سيلقى هذا العمل شعبية واسعة على الأرجح. تؤكد بسكين: {لا شك في أن هذا سيحمل تأثيراً دافئاً ومسرّاً لا نراه في الدراسات التي تُجرى على الفئران}، ما قد يساهم في جذب الأموال لتنفيذ دراسات المتابعة.

يشير ريتشارد فاراغر، باحث من جامعة بريتون في المملكة المتحدة يجري دراسات على آليات التقدم في السن، أن هذا المجال تلقى زخماً إضافياً مع نجاح عملاق الأدوية Novartis. فقد نشرت هذه الشركة السنة الماضية نتائج تُظهر التأثيرات المضادة للشيخوخة لدواء يُدعى إيفيروليموس ويعمل بالطريقة ذاتها كما راباميسين.

ركّزت هذه التجربة على قدرة هذا الدواء على تحسين ردود فعل المسنين تجاه لقاح الأنفلونزا، وقد نجحت في ذلك. لكنها أشارت أيضاً إلى أن هذا الدواء قد يطيل الحياة بالحد من التراجع الطبيعي في الجهاز المناعي مع التقدم في السن.

يعتقد فاراغر أن مشاركة Novartis تُظهر أن محاربة الشيخوخة حقل يمكن أخذه على محمل الجد. يقول: {لا نحاول أن نكون خالدين. فجل ما نريده أن نتمتع بعدد إضافي من السنوات الخالية من الأمراض}.

لا يقتصر على المسنين

صحيح أن الاختبار الأول المخطط له لميتفورمين كدواء محارب للشيخوخة سيتناول أناساً تخطوا السبعين من العمر، فقد تُضاعَف هذه الفوائد بالبدء بتناول هذا الدواء في مرحلة باكرة من الحياة.

ولكن ثمة عقبة في درب اختبار الأدوية المطيلة للحياة على الشبان ومَن بلغوا منتصف العمر. بما أن هؤلاء يتمتعون عموماً بصحة جيدة، فقد تمر عقود قبل أن يلاحظ الباحثون تراجعاً في معدلات الوفاة والمرض في هاتين الفئتين العمريتين. لذلك تشمل الخيارات المتاحة قياس معدل تقدمهم في السن بالاعتماد على فحوص دم ترصد مواد كيماوية ترتبط بالتقدم في السن، مثل الكولسترول، فضلاً عن قياسات أخرى مثل ضغط الدم.

أفاد الباحثون في جامعة ديوك في كارولاينا الشمالية أخيراً أن قياس عشر من هذه المؤشرات الحيوية شكل خطوة فاعلة في تقييم «السن البيولوجية» في مجموعة من ألف من سكان نيوزيلندا. صحيح أن كل هؤلاء كانوا في الثامنة والثلاثين من العمر، إلا أن الاختبار كشف أن سنهم البيولوجية تراوحت بين 28 و61. يذكر دانيال بيلسكي، أحد الباحثين في هذه الدراسة: «نملك اليوم أدوات تتيح لنا تحديد مدى فاعلية العلاجات [المضادة للشيخوخة] خلال مهلة زمنية قصيرة نسبياً».

ويضيف: «هذا إنجاز كبير. للمرة الأولى يُختبر علاج يؤخر التقدم في السن بين البشر».

back to top