الكتابة الإبداعية والقراءة

نشر في 29-07-2015
آخر تحديث 29-07-2015 | 00:01
 طالب الرفاعي منذ سنوات وأنا أقرب ما أكون للأصوات الشبابية، وتحديداً تلك التي ترمي بمرساة اهتمامها وقلمها في بحر كتابة القصة القصيرة والرواية، وأستشعر موهبةً وتحدياً وإصراراً لديها لأن تتخطى الخطوة الأولى وتقدم نفسها لجمهور القراءة بشكل لافت. وكم يفرح قلبي أنني ساهمتُ بشكل أو بآخر بمدِّ يد العون والتشجيع والرعاية لكتّاب شباب صار لهم اليوم شأن وحضور كتابي ليس على الساحة الثقافية الكويتية لكن على مستوى الساحة الإبداعية العربية. لا يأتي ما أقوم به من باب المنة أو التفضل بقدر ما يأتي بالنظر إلى قناعتي بأن دور الفنان لا يقف عند حد كتابة رواية أو إصدار مجموعة قصصية أو ديوان شعر أو لوحة فنية أو فيلم أو مسرحية بل ان الفنان مطالب بأن يكون جسراً بين ما سبقه من أدباء وفناني عصره، وبين الجيل الجديد. وأن وصله وتواصله مع الكتّاب الشباب في بداية مشوارهم ربما وفّر عليهم الكثير من الجهد ووضع أقدامهم على جادة الكتابة الصحيحة.

باحتكاكي مع الكتّاب الشباب لاحظت أن أهم ما يشغل بال الكاتب الشاب، هو استعجاله إصدار كتابه الأول. وأظن أن ضرر هذه الفكرة أكثر من نفعها بكثير، فشأن الحياة يقول إن على الإنسان أن يستعد للأمر قبل الانخراط فيه، فلا يمكن لشخص أن يسبح قبل تعلم السباحة، ولا أن يعزف قبل تعلم النوتة الموسيقية، ولا أمكن لنجار أن يصنع خزانة دون أن تكون يده قادرة على قطع الخشب بخط مستقيم. لذا فإنني أتمنى على كل كاتب شاب، إذا أراد لنفسه أن يحوز شيئاً من النجاح في كتابه الأول، أن يبدأ قارئاً قبل أن يذهب الى الكتابة.

القراءة هي معلم الكتابة. القراءة هي بوابة الكتابة الأوسع. القراءة هي من يضع قدم الكاتب الشاب على بداية الطريق. وإذا لم يستطع شاب أو شابة أن يستمتع بالقراءة ويقبل عليها بوصفها متعة حياة وفكر ووعي، فإنني أختصر عليه طريق وجع الكتابة وأقول بشكل واضح: لا يمكن لشاب أن يكون كاتباً مبدعاً إن لم يجنّد نفسه للقراءة.

القراءة مفتاح الكتابة، لكن العالم الغربي، أوروبا وأميركا واليابان، ومنذ ما يزيد على نصف قرن، صار يدرس الكتابة الإبداعية في جامعاته بوصفها علماً كما الرياضيات والهندسة والطب، بل إن أي فتاة أو شاب يتقدم للقبول في برنامج الكتابة الإبداعية الجامعي يتطلب منه أن يثبت أن لديه موهبة وأنه مولع بفنٍ من الفنون، وإلا فلن يُقبل في الجامعة ويُطلب إليه التوجه إلى أي دراسة أخرى خلاف الكتابة الإبداعية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مدرسي مادة الكتابة الإبداعية في الجامعات يتم انتقاؤهم من بين صفوة الكتّاب المحترفين، المزودين بالشهادات العلمية، وبذا تتأكد إدارة الجامعة من أن المدرِّس هو بالدرجة الأولى مبدع إضافة إلى أنه يحمل شهادة عليا تؤهله لتدريس التلاميذ. وهذا ما يجعل الجامعات الاميركية تعادل شهادة الماجستير في الكتابة الإبداعية “MFA; Master of Fine Art” بشهادة الدكتوراه باعتبار أن الشخص الذي يحملها هو بالأصل مبدع، وهذا ما يميّزه عن باقي حملة شهادة الماجستير، ويجعله في مكانه مغايرة لهم.

أتمنى على أي كاتب شاب أن يذهب إلى القراءة المتخصصة في الفن الذي يعشق، وهو بذا يتعلم من تجارب إبداعية مشهود لها، ويتسلح بأصول الفن، سواء كان رواية أو قصة أو شعرا أو غيره. وهذا كله قبل أن يصدر كتابه الأول، وإلا ضاع صوته وسط جوقة أصوات متداخلة يصعب العثور بينها على صوت عالٍ يلفت الانتباه ويجعلك تصبو إليه باهتمام.

back to top