العبقري النووي تايلور ويلسون... شطر الذرة في الرابعة عشرة من عمره

نشر في 19-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 19-07-2015 | 00:01
شطر الذرة في الرابعة عشرة من عمره، وقدم نصائح للحكومة الأميركية بشأن مكافحة الإرهاب وخطط التغلب على السرطان، مع أنه لم يتخطَّ بعد الحادية والعشرين. فما يخيف تايلور ويلسون؟ طلب رقم هاتف فتاة...

يضع تايلور ويلسون ساعة جيغر كبيرة حول معصمه، فهذه القطعة المنمقة الرياضية المظهر تصدر إنذاراً إن رصدت أي أشعة. وعندما دخلنا مرآب منزل والديه واقتربنا من معداته الكهربائية المتراكمة، راحت تصدر صوتاً مخيفاً. لكن ويلسون كان يقدّم لنا بحماسة وسرعة بعض المعلومات عن لوحة التحكم القديمة في الزاوية، لذلك يتجاهل الصوت. يقول بكل فخر: {هذا أحد أجهزة تحطيم الذرة الأصلية. يمكنه أن يسرّع الجزيئات إلى... 2.5 مليون فولط، ما يُعتبر عالياً جداً بالنسبة إلى أعمال الفيزياء النووية الباكرة}. ثم يمرر يديه برفق فوق مقابض التحكم.

في هذا المرآب، نجح ويلسون في سن الـ 14 في بناء مفاعل فعلي للانصهار النووي، رافعاً حرارة نواته من البلازما إلى 580 مليون درجة مئوية، أي أعلى من حرارة نواة الشمس بنحو 40 مرة. أجرى هذا الصبي النحيل من أركنساس، الذي ولد لأب يملك مصنعاً لإنتاج زجاجات الـ «كوكا كولا» ولأم تعمل مدرسة يوغا، تجارب طوال سنوات، جامعاً بدأب المواد، المعدات، والخبرات إلى أن تمكن من الانضمام إلى نادي نخبة العلماء الذين ابتكروا شمساً مصغرة على الأرض.

بعيد ذلك، فاز ويلسون بخمسين ألف دولار في معرض للعلوم بعدما  طور جهازاً يمكنه رصد المواد النووية في حاويات الشحن، علماً أنه عرض لاحقاً هذا الاختراع، الذي يساهم في محاربة الإرهاب، على باراك أوباما خلال معرض علوم رعاه البيت الأبيض، فأذهله.

شاهد خطابي تايلور ويلسون على موقع TED ({نعم، بنيت مفاعل انصهار نووي} و{خطتي الجذرية لبناء مفاعلات انصار نووي صغيرة}) أكثر من 4 ملايين شخص. وثمة خطة لإعداد فيلم في هوليوود عن حياته بالاستناد إلى سيرته الذاتية التي ستصدر قريباً. في هذه الأثناء، تهافتت عليه الشركات، وعرضت عليه الحكومة شراء بعض ابتكاراته. أخبرت كريستينا جونسون، مساعدة وزير الطاقة الأميركي السابقة، كاتب سيرته الذاتية توم كلينس: {أعتقد أن العالم يشهد إنساناً مثله مرة كل جيل. فهو ليس ذكياً فحسب، بل لطيف ولبق في حواراته أيضاً. أعتقد أنه الأكثر تميزاً بين الأولاد الذين قابلتهم في حياتي}.

بعد مرور سبع سنوات على شطره الذرة، تحوّل ذلك المراهق إلى شاب طويل القامة في الـ 21 من العمر بشعره الأشقر الأملس يتنقل باستمرار بين مختبره في مرآب منزل العائلة في رينو بنيفادا والمختبرات التقليدية الأخرى. بالإضافة إلى اكتشاف كيفية رصد القنابل الوسخة، يبحث عن سبل لتحسين علاج السرطان وخفض أسعار الطاقة، في حين يخطط لإمبراطورية تجارية في مجال التكنولوجيا العالية تستند إلى براءات الاختراع التي يملكها.

كنز ثمين

بينما رحنا نتجول في مرآب منزل العائلة، أراني ويلسون ما يبدو أنه مجموعة من القطع النقدية. أصدرت ساعته صوت إنذار آخر، إلا أن ويلسون تابع، بحماسة، تفصيل ما يملكه. أوضح لنا: «من بين القطع الأولى التي حصلت عليها لمشروع الانصهار مطياف ضخم أعطاني إياه رائد فضاء سابق من هيوستن بتكساس». وقد حصل على هذا الكنز الثمين بتوجيهه  رسالة يطلب فيها هذا الجهاز. انتقل بعد ذلك إلى خزنة كبيرة من الفولاذ علقت على جانبها الأمامي إشارة الخطر النووي الصفراء والسوداء. فأدار القبضة، فتح الباب، وأخرج أنبوباً فيه مسحوق باهت اللون.

يقول وهو يهز الأنبوب: «هذا قليل من الكعكة الصفراء أعددته بنفسي، تلك المادة الشهيرة التي كان يُفترض بصدام حسين أن يشتريها من النيجر. تشكل هذه نقطة الانطلاق النووية، سواء في برامج الأسلحة أو إنتاج الطاقة المدني». فتراءت أمامي مجموعة من الملفات الشائكة، الحبكة النووية، وسحب عيش الغراب، إلا أن صوت إنذار جديداً أعادني إلى أرض الواقع. أخبرنا ويلسون: «هذا الآلانيت، أحد معادن الأرض النادرة». ثم حمل صخرة داكنة متعرجة فيها خطوط فضية اللون. وأضاف: «هذا الثوريوم، وقود نووي محتمل».

ظننت أن تلك لحظة مناسبة للخروج من المرآب، إلا أن جولتنا ما كانت قد انتهت. قال ويلسون، وهو يرمقني بنظرة مطمئنة: «من المسائل التي تفاجئ الناس مدى انتشار الأشعة والنشاط الإشعاعي. أتوخى الحذر دوماً. حتى إنني أفرط أحياناً في الخوف على صحتي. المسألة مسألة خطر نسبي».

انتقل بعد ذلك إلى أنبوب فولاذي منتفخ يصل علوه إلى الصدر تقريباً ويشبه، إلى حد ما، مكنسة كهربائية صناعية تشع في العتمة. تشكل هذه جوهر التاج في مجموعة ويلسون: المفاعل الذي بناه في الرابعة عشرة من عمره. لذلك راح يربت عليه بحنان، فيما أعلن ملمحاً إلى مغارة علي بابا التي تحتوي كنوزه الذرية: {هذا الأكثر أماناً بين أمور عدة، مثل ركوب الخيل. يخشى الناس النشاط الشعاعي لأنه غامض جداً. عليك أن تحترمه أشد احترام من دون أن يشلك الخوف منه}.

يمتاز منزل عائلة ويلسون بطابعه الإسباني الجميل وبموقعه عند سفح إحدى التلال خارج رينو. وبخلاف الطقس المعتاد في هذه الصحراء في مثل هذا الوقت من السنة، كانت الغيوم الرمادية المثقلة بالمطر تزمجر فوقنا. في المقابل، كان ويلسون مشرقاً بابتسامته. لم يختلف شكله كثيراً عن تلك الشخصية غير المألوفة التي تراها على موقع TED (بذلت جهداً لأمتنع عن تقديم شطيرة له)، إلا أنك تشعر بقوة قبضته عند المصافحة، وبثقته بنفسه الواضحة في عينيه وبطاقته التي يُحسد عليها، مع أن ويلسون كان قد عاد لتوه من أسبوع أمضاه مع بعض الأصدقاء في لوس أنجلس. أخبرنا بنبرة فيها قليل من الفخر: {نمت ساعة واحدة فقط ليلة أمس، وثلاثاً في الليلة التي سبقتها}.

لا يتناول ويلسون الكحول ولا يدخن، يولي ملابسه اهتماماً كبيراً (سترة أنيقة وربطة عنق رفيعة، سروال جينز، وحذاء شبيه بالكونفرس)، ويبرع في الكلام. فمنذ لحظة التقينا إلى أن افترقنا بعد ساعات لم يكفَّ عن الكلام، مستخدماً مفردات كبيرة، عن أصل موهبته والمسؤولية التي تحملها، عن سعيه ليكون طبيعياً في حين أنه يدرك أنه مميز، عن فوكوشيما والطاقة النووية والتغييرات المناخية، عن الشهرة والغرور، وعن رؤيته كامل حياته موثقة في كتاب يستطيع العالم بأسره الاطلاع عليه، في حين أنه بالكاد بلغ سن الرشد وما زال يصارع فكرة دعوة فتاة في موعد.

يبدو له المستقبل ملحاً وغامضاً. يذكر: {كانت حياتي سلسلة من الحوادث لم أتوقعها. أعتبرها مثيرة للاهتمام، والمقلق أن تدرك أن عليك دوماً السعي للتفوق على ذاتك. قد يطرح الناس آراء كثيرة حيال ما علي أن أقوم به تالياً، إلا أن الضغط الأكبر الذي أواجهه يأتي من الداخل. أكره أن أنام على أمجادي. إن استُنفدت، أكون قد استُنفدت، إلا أنني لا أتوقع ذلك. أملك الكثير من الأفكار والوقت لأنفذها}.

طبع وتطبع

ينسب ويلسون الفضل إلى أهله لأنهم أثروا فيه بعمق، لكنه ينتقل بعد ذلك للتحدث عن الطبع والتطبع: فهل ولد عبقرياً أم تربى على ذلك؟ «لا أملك الجواب. أتأرجح بين الاثنين». ثم يضيف أن من الحماقة محاولة توقع ما يخبئه له المستقبل نظراً إلى سرعة تطور التكنولوجيا: «من المذهل حقاً ما يمكنني القيام به اليوم وما كنت أستطيع فعله لو وُلدت قبل عشر سنوات». ولا شك في أن طموحاته عالية جداً. فقد تحدث، من بين خطط كثيرة، عن تأمين الكهرباء والرعاية الصحية المتطورة للعالم النامي.

لكن هذه الأهداف الجيدة (والمتضاربة أحياناً) عجّزت حكومات، منظمات، ووكالة إغاثة، إلا أنها لا تشكل بالنسبة إلى ويلسون مجرد أمانٍ. يؤكد: «أود أن ألعب في فريق كبير لكرة القاعدة. وأريد أن أحدث فرقاً».

لو كان هذا الكلام صادراً عن شاب آخر في الحادية والعشرين من العمر لاعتبرناه مجرد تفاهات، غير أن ويلسون مختلف، فهو قوي العزيمة بقدر ما هو ذكي. يخبر: {عندما قلت إنني أود بناء مفاعل انصهار نووي في المرآب، ظننت أن معظم الأهل قد يرفضون. لكنني لجوج وماهر في الإقناع. من المهم أن تميّز بين الذكاء وسبل استغلاله}.

ويلسون الابن البكر لكينيث وتيفاني ويلسون. ولد في مايو 1994 في تكساركانا بأركنساس. وما كان من سبب يجعل المحيطين به يتوقعون ميله العلمي هذا. يشتهر الجنوب الأميركي بمزارع الدجاج والقطن أكثر منه بالفيزياء التطبيقية. تملك تيفاني استوديو لتعليم اليوغا، في حين أن كينيث، وهو رجل عادي، كان رياضياً في الجامعة، يدير مصنعاً لإنتاج زجاجات الكولا. لكن إنجابهما هذا العبقري الصغير ما زال لغزاً محيراً. يعترف كينيث: {لا أنا ولا أمه نملك أدنى فكرة عن العلوم}.

كان الفضول حافزه الأول. في الرابعة من عمره، تخلى ويلسون عن علب السيارات ليتسلى بحواجز السيارات الحقيقية. فقد وقف أمام المنزل وراح ينظم السير، فيما كان يرتدي سترة برتقالية، حذاء أصفر، وقبعة صلبة.

في عيد مولده الخامس، طلب رافعة حقيقية. لذلك اتصل كينيث بصديق يملك شركة للبناء، ويوم الحفلة استلم تايلور رافعة زنتها ستة أطنان، وسمح مشغلها لهذا الصبي الصغير بالجلوس في حضنه والتحكم فيها.

لم تكن الرافعة استثناء. فقد تجاهل كينيث وتيفاني تعليقات الأصدقاء عن تدليل الأولاد، وعقدا العزم على تعزيز شغف تايلور وأخيه جوي الذي يصغره بثلاث سنوات.

تطوير صواريخ

في التاسعة من عمره، أعلن تايلور أنه يريد أن يصبح رائد فضاء. وهكذا تخلى عن كتب السحر والخيال ليكتسب معلومات عن استكشاف الفضاء. كذلك راسل رواد فضاء، طالباً منهم صوراً وتواقيع. وبدأ أيضاً يبني صواريخ صغيرة ويطلقها. أما في المدرسة، فراح يدلي بخطابات حماسية عن استكشاف الفضاء. أخبر دي ميلر، مدير المدرسة السابق، كاتب سيرته الذاتية: «أحب الجميع مشاهدته. وعندما كان يدخل غرفة ما، كان يسيطر عليها».

في حين عمل ويلسون على تطوير صواريخه، تحول إلى الدفع وإعداد وقوده الخاص. وهكذا علق جدول العناصر على جداره، وألح على والده ليؤمن له قطع الغيار من مصنع الزجاجات. أدت الصواريخ إلى ألعاب نارية وانفجارات مضبوطة (عموماً). كان يخلط السكر مع نترات البوتاسيوم ليصدر أصوات انفجار قوية مع ارتفاع سحب الدخان فوق باحة المنزل الخلفية. وكان الجيران إما يصابون بالهلع أو يأتون لمشاهدة ما يحدث.

في عيد ميلاده العاشر، أهدته جدته «صبي الكشافة المشع»، كتاب عن ديفيد هان، مراهق في ميشيغان حاول بناء مفاعل إنتاج نووي في سقيفة باحة منزله الخلفية عام 1994. لكن تجربته آلت إلى نهاية سيئة: اعتقال، عار، وعمال تنظيف ببزات غريبة. ومن الطبيعي أن يرى ويلسون في هذه القصة تحدياً لا تحذيراً. وقد ندمت جدته على تقديم  هدية مماثلة له.

بخلاف هان، الذي عمل في الخفاء لتفادي تأنيب أهله، استطاع تايلور العمل على الملأ، إنما تحت إشراف أهله. فبعدما نما هوسه بالذرات، أسس بناء الكون، اشترى ساعة جيغر وبدأ يجمّع أغراضاً مشعة (صمامات مفرغة قديمة، تماثيل، ساعات، وقطع من معارض، متاجر، أو عبر الإنترنت)، فضلاً عن حاوية حماية من الأشعة مصنوعة من الرصاص السميك. وهكذا استنفد ويلسون ثقة والديه وصبرهما. يروي كاتب سيرته الذاتية حادثة أطلت  فيها تيفاني عبر باب المرآب ورأت ابنها ببزة العمل الصفراء الزاهية واقفاً يراقب رقعة من السائل وهي تتمد على الأرضية الإسمنتية.

{تاي، حان وقت العشاء}.

{أظن أن علي أن أنظف هذا أولاً}.

{هذه ليست المادة التي قلت إنها قد تقتلنا إن تسربت، أليس كذلك؟}.

{لا أظن ذلك، ليس في الحال}.

أولى ويلسون السلامة والأمان اهتماماً. لكن تفسيراته عن جرعات الوقت، حدة المسافة، وقوانين التربيع العكسي حيرت والديه. لذلك استشاروا علماء فيزياء في الجامعة الذين استخلصوا، بعدما أخضعوا هذا الولد لامتحان، أنه يدرك تماماً ما يقوم به.

في المرآب في رينو، أنهى تايلور ويلسون البالغ جولته وانتقلنا إلى المنزل مع توقف ساعته الشهيرة عند إصدار أصوات غريبة، ما أراحني كثيراً. انتقلت العائلة إلى هذا المنزل عندما كان تايلور في الرابعة عشرة من العمر، ليتمكن هو وأخوه جوي، عبقري في الحساب، من الذهاب إلى أكاديمية ديفيدسون، مدرسة مجانية للعباقرة تقع في جامعة نيفادا في رينو.

تحت إشراف أستاذين من قسم الفيزياء، رونالد فانوف وبيل برينسميد، انتقل ويلسون بأبحاثه إلى مختبر الجامعة، وهناك سعى وراء هدفه الانصهار النووي، مقنعاً المستشفيات والمؤسسات الأخرى بالتبرع بقطع الغيار لمعدات المختبر أو إعارته إياها. كان عليه أن يبلغ دراجات حرارة عالية جداً والتحكم بأمان في الغازات الساخنة بغية إنتاج أجزاء من العملية. تشمل هذه الأخيرة عشرات آلاف من الإلكترون-فولت والأشعة المميتة: يُعتبر جهاز الصهر تحدياً تقنياً بالغ الصعوبة حتى لأمهر طلاب الدكتوراه. ولكن في مارس 2009، نجح ويلسون في ذلك، مستخدماً جهاز احتجاز كهرستاتي قصوري. فتصادمت الأجهزة داخله وانصهرت، مصدرة طاقة بمقدار 1.2 مليون نوترون في الثانية.

يقبع المفاعل اليوم في مرآبه، إلا أن ويلسون يعمد أحياناً إلى المبالغة في سرد هذه الحادثة، زاعماً أن الانصهار حدث هناك. يؤكد ويسلون أنه في لحظة الانتصار تلك كان يفكر في خطوته التالية: {فكرت في الحال: ما هي التطبيقات؟ ماذا يمكنني أن أفعل بها؟}.

وبعد بضع سنوات، تلقى مئة ألف دولار من أخوية ثييل الليبرتارية التي تمول الشبان العباقرة طوال سنتين شرط أن يتركوا دارستهم الجامعية خلال هذه المدة ويركزوا على مشروعهم. انتهت هذه المنحة اليوم، إلا أن ويلسون لم يخطط بعد للذهاب إلى الجامعة، مفضلاً بدلاً من ذلك العمل على اختراعاته، السفر، إلقاء المحاضرات وزيارة الأصدقاء.

مفاعلات انصهار نووي

اقترح بناء مفاعلات انصهار نووي صغيرة ذاتية الاحتواء تحت الأرض تستخدم أسلحة نووية تريد الحكومة التخلص منها لتوليد الطاقة. ومن المشاريع الأخرى التي طرحها مساعدة المستشفيات في تشعيع المواد لاستخدامها في النظائر الطبية، علماً أن هذه أدوات بالغة الأهمية تساهم في تشخيص السرطان، إلا أنها مكلفة جداً للمستشفيات، وخصوصاً في البلدان الفقيرة. لكن ابتكار ويلسون يعد بأن يخفض كثيراً الكلفة، مبادرة طورها تكريماً لجدته التي ماتت جراء هذا المرض عندما كان في الحادية عشرة من عمره. أضف إلى ذلك جهاز رصد الأشعة المصمم لاعتراض القنابل الإرهابية الوسخة.

لا شك في أن إنجازات ويلسون مذهلة بالنسبة إلى إنسان في مثل هذه السن الصغيرة، وفق ستيف كولي، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الذرية في المملكة المتحدة وبروفسور متخصص في الفيزياء في الجامعة الملكية في لندن. يضيف: {صحيح أن ما حققه بحد ذاته ليس بالإنجاز الكبير، إلا أن حماسته وإبداعه لافتان للنظر. ومن المؤكد أنه سيحظى«بمستقبل باهر}.

من المؤكد أن هذا المستقبل سيشمل الطاقة النووية. فرغم كارثة مفاعل فوكوشيما المقلقة في اليابان عام 2011، يصر ويلسون على أن هذه الطاقة تبقى حيوية، وخصوصاً في محاربة التغييرات المناخية. أوضح: {من الممكن استعمال الطاقة النووية للخير أو للشر. ومن المستحيل إعادة المارد إلى القمقم. هدفي تفادي السيئ وتعزيز الجيد}. أضف إلى ذلك أنه {يعتبر سحابة عيش الغراب مميزة}.

كبرياء ونرجسية

يشمل الكتاب بعض الملاحظات القاسية من الأقارب والزملاء، بمن فيهم معلمه السابق فانوف: «صار مدمناً على الأضواء». ويقر كلينس نفسه، الذي ساهم مقاله الأول في Popular Science في تعزيز هذه الأضواء، بأنه يخشى أن يكون قد {ساهم في ولادة وحش}.

لكن هذه المخاوف تراجعت، وعادت علاقة ويلسون إلى مجاريها مع الأحبة والزملاء، وفق كلينس. فخلال انتقاله إلى سن البلوغ، نضج ويلسون واكتسب بعض اللباقة والتواضع، وخصوصاً مع تقبله سيرته الذاتية بكل الانتقادات والهفوات التي تشملها. يخبر كلينس: {كان وقع هذا الكتاب قوياً عليه. فقد اكتشف للمرة الأول كم هو سيئ الطباع. لكنه نجح في قراءته كله، وأكد أن كل ما ذكر فيه صحيح. ولكن كم شخصاً يتمتع بالنضج الكافي للاطلاع على مسائل مماثلة عن نفسه ويعتبرها دقيقة؟}.

ما رأي ويلسون بتهم الكبرياء والنرجسية؟ يتململ قبل أن يقدم جواباً غريباً إنما صادقاً على ما يبدو. {أدرك هذه المسألة. هذه هي عملية النضوج. لا شك في أن الفجوة في الخبرات بين السادسة عشرة والحادية والعشرين كبيرة جداً}. يخبر أنه لا يبرع في اللغات الأجنبية والرياضة، وهذه الإخفاقات تزيد من تواضعه، شأنها في ذلك شأن إخفاقه في الحب. يقول: {ما يشعرني بالتوتر؟ طلب رقم هاتف فتاة}. ويؤكد أنه اليوم غير مرتبط، متفادياً الاستفاضة في هذه المسألة.

يضيف ويلسون أن أصدقاءه المقربين يساعدونه في الحد من كبريائه. {لدي أصدقاء عاديون وأذهب إلى حفلات عادية. أدرك عيوبي جيداً}. ويعود ذلك إلى أنه يعرف أنه مختلف عن نظرائه. فهو يكره الوقت الضائع مثلاً. يقول: {لا يسرني كثيراً أن أبقى بدون أي عمل أو ما يشغلني}. يتوقف قليلاً مفكراً ثم يضيف: {ربما أعاني اضطراباً عصبياً}.

لا شك في أن فوائد أن تكون الشخص الأذكى في الغرفة كثيرة. ولكن إن كنت تطرح أفكاراً لا يستطيع الآخرون فهمها، فهل تخفيها وتجاريهم أم تثير ضجة؟ بالنسبة إلى ويلسون، أدى هذا السؤال إلى صراع بين تواضعه الجديد المكتسب وحماسته الفطرية. لكن هذه حرب غير متكافئة. يقول: {نلتقي دوماً أناساً جدداً، فأبذل قصارى جهدي كي لا أتحدث عن العلوم وألا أفصح عن هويتي}. يتنهد ويلسون ويبتسم. أصبح اليوم رجلاً، إلا أنه سيبقى دوماً الصبي الذي بنى مفاعلاً نووياً في مرآب منزل أهله. فما الداعي إلى إخفاء ذلك؟

شخصية قوية

خرجنا لتناول القهوة، اصطحبنا ويلسون في سيارة أهله من نوع لاند روفر. كانت الشمس قد عاودت الظهور وراحت ترسل خيوط أشعتها نحو الوادي في المدينة تحتنا. إلى الشرق، يبني إلون ماسك، مقاول مغامر في الثالثة والأربعين من العمر ابتكر Telsa وSpace X، مصنعاً بقيمة خمسة مليارات دولار لبطاريات الليثيوم-إيون المخصصة للسيارات الكهربائية وتخزين الطاقة في المنازل.

 يتحدث ويلسون بحماسة عن السيارات الكهربائية، فسألته عما إذا كان من الممكن أن يعمل مع ماسك الذي التقى به. فكاد يزمجر وهز رأسه، ثم انتقى كلماته بدقة: “أقدر إلون كثيراً. يصعب علي قول ذلك. ولكن ربما نملك كلانا شخصية قوية. لدينا الطموحات ذاتها لأقوم بما يقوم به إلون”. بكلمات أخرى، صحيح أن ماسك يشكل القصة الحقيقية وراء شخصية الرجل الحديدي من تمثيل روبرت داوني جونيور، إلا أن ويلسون يخطط ليبني إمبراطوريته الخاصة ويحقق أحلامه على طريقته.

يقدم المقهى البيتزا، الكوكيز، والكيك، لكن ويلسون رفض. {يكفيني ما استهلكته من سعرات حرارية اليوم}. القهوة؟ هز رأسه. {أحاول تفادي الكافيين. لا أحتاج إليه حقاً، كما لاحظتم على الأرجح}.

بدا واضحاً أن موظفة الصندوق، وهي امرأة في منتصف العمر، عرفته، شأنها في ذلك شأن بعض رواد المقهى. فراحت أعينهم تلاحق ويلسون في حين توجهنا إلى الطاولة. ولاقى معاملة مماثلة خلال نهاية الأسبوع في لوس أنجلس، على حد قوله: يعرفه الناس إما من موقع TED أو من مقابلة بالغة الأهمية بالنسبة إليه أجراها مع شبكة سي إن إن عام 2012. فما الشعور الذي يولده هذا في داخله؟ {لم أفهم يوماً علم العلاقات العامة. أحاول التعامل مع شهرتي هذه وفق وتيرتي الخاصة. لا أكترث بها}. ولكن هل يحبها؟ يتوقف عن الكلام قليلاً ويجيب: {لا أكرهها}.

عاد والدا ويلسون إلى أركنساس للتركيز على جوي، الذي يجعله العيش في ظل أخيه الذري أكثر خجلاً. فهو يقيم وحده في منزل العائلة السابق. أقلقت قوة شخصيته وتركيزه البعض أحياناً وجعلتهم يتفادونه. يوضح كاتب سيرته الذاتية كلينس من آن أربور في ميشيغان: {قد يكون كل المراهقين نرجسيين أحياناً. وعندما يردد الناس على مسمعك كل يوم أنك أينشتاين، ترتبط هويتك بواقع أنك ولد عبقري. مرّ تايلور ببعض الظروف الصعبة. لا أعرف ما إذا كان قد أدرك ذلك، لكن جميع من حوله لاحظوا هذا الأمر}.

back to top