كيف يرث الأولاد قلق أهلهم؟

نشر في 18-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 18-07-2015 | 00:01
No Image Caption
في عائلات القردة الريسوسية، كما في البشر، يرتفع احتمال امتلاك ذرية قلقة بين الأهل القلقين. تقدّم دراسة جديدة شملت عائلة موسعة من القردة معلومات مهمة حول كيفية انتقال خطر الإصابة بالقلق والكآبة من الأهل إلى الأولاد.
تُظهر دراسة أجراها باحثون من قسم علم النفس ومعهد أبحاث الصحة العاطفية في جامعة ويسكنسون-ماديسون، أن توارث الأجيال دارة دماغ مفرطة النشاط تشمل ثلاث مناطق من الدماغ قد يمهد الطريق أمام الإصابة باضطرابات القلق والكآبة.

نُشرت هذه الدراسة أخيراً في Proceedings of the National Academy of Sciences، وهي تكشف أن النشاط المرتفع في هذه الدارة الحوفية الجبهية الأمامية وسط الدماغ قد يكون مسؤولاً عن نقل الخطر الخلقي الذي يزيد احتمال الإصابة بالقلق المفرط أو السلوك القلق الذي نلاحظه أحياناً في المراحل الأولى من الطفولة.

يذكر نيد كالين، باحث بارز ورئيس قسم علم النفس في كلية الطب والصحة العامة في جامعة ويسكنسون: {يشكل فرط النشاط في مناطق الدماغ الثلاث هذه تبدلات موروثة في الدماغ ترتبط مباشرة بخطر الإصابة بالقلق والكآبة في مرحلة لاحقة من الحياة. ولا شك في أن هذه خطوة كبيرة في فهم الأسس العصبية وراء القلق الموروث، ما يمنحنا عدداً أكبر من الأهداف المحددة التي يمكن التركيز عليها أثناء العلاج}.

سلوك متوارث

أظهرت الأبحاث السابقة التي أجراها فريق كالين أن السلوك القلق متوارث، وحدد دارة الدماغ المعنية. فقد أصيب نحو نصف الأولاد الذين عانوا قلقاً مفرطاً باضطرابات نفسية ترتبط بالإجهاد في مرحلة لاحقة من الحياة.

على غرار البشر، قد تعاني القردة القلق بطبعها، ومن الممكن أن تنقل جيناتها المرتبطة بالقلق إلى الجيل التالي.

وبدراسة نحو 600 قرد ريسوسي فتي في عائلة متعددة الأجيال، اكتشف أندرو فوكس، كالين، وزملاؤهما أن نحو 35% من الاختلافات في الميول الشبيهة بالقلق يعود إلى التاريخ العائلي.

بغية تحديد مناطق الدماغ المسؤولة عن تمرير القلق من جيل إلى آخر، قاس الباحثون السلوك المرتبط بالقلق بواسطة تصوير الدماغ البنيوي والوظيفي العالي الوضوح. فعرضوا القردة الفتية لوضع خطر نسبياً قد يواجهه الولد أيضاً: لقاء غريب لا ينظر إلى عيني القرد مباشرة. وخلال هذا اللقاء، استخدم الباحثون أساليب تصوير معتمدة بين البشر (التصوير بالانبعاث البوزيتروني) بهدف تحديد مناطق الدماغ التي تشير عملية الأيض المتسارعة فيها إلى معدل القلق في كل حالة.

إذاً، بتفحص عن كثب الاختلافات الفردية في وظائف الدماغ والسلوك المرتبط بالقلق عبر أجيال شجرة العائلة، حدد الباحثون أنظمة الدماغ المسؤولة عن انتقال السلوك المرتبط بالقلق من الأهل إلى الأولاد. وبالاعتماد على مقاربة {الترابط الجيني} هذه، اكتشف الباحثون الدارة العصبية حيث تتشارك عملية الأيض والسلوك القلق في مراحل الحياة الباكرة بالأسس الجينية ذاتها على الأرجح.

انتقال جيني

من اللافت أن دارة الدماغ التي ارتبطت جينياً بالاختلافات الفردية في حالة القلق في مراحل الحياة المبكرة شملت ثلاث مناطق في الدماغ تؤدي دوراً في البقاء. تقع هذه المناطق في جذع الدماغ (جزء الدماغ الأكثر بدائية)، في اللوزة (مركز الخوف الحوفي في الدماغ) والقشرة الجبهية الأمامية (التي تُعتبر مسؤولة عن التحليل الأعلى مستوى، والتي لا تنمو بالكامل إلا في البشر والرئيسات).

يوضح كالين: {نعتقد من حيث المبدأ أن القلق قد يقدّم إلى حد ما أفضلية تطورية لأنه يساعد الفرد على تمييز الخطر وتفاديه. ولكن عندما تعاني الدارات من فرط النشاط تتحول إلى مشكلة، وقد تؤدي إلى اضطرابات القلق والكآبة}.

تكمن المفاجأة في أن هذه الدراسات اكتشفت أن وظائف هذه البنى في الدماغ، لا حجمها، تُعتبر المسؤول عن انتقال السلوك القلق جينياً, صحيح أن البحث عن أسس القلق الجينية لم يحقق النجاح بعد، إلا أنه يساهم في توضيح تأثير الجينات في وظائف الدماغ وتسببها بالقلق المفرط في الطفولة، ما يزيد إلى حد كبير خطر الإصابة باضطرابات القلق والكآبة.

يختم كالين: {بعدما اكتشفنا الآن أين علينا أن نبحث، يمكننا أن نطور فهماً أعمق للتبدلات الجزيئية التي تزيد نشاط الدماغ المرتبط بالكآبة. وهكذا تصوغ الجينات دماغنا لتجعلنا ما نحن عليه}.

back to top