قطع يد التاجر البغدادي في باب زويلة

نشر في 07-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 07-07-2015 | 00:01
في الليلة العشرين تواصل شهرزاد حكاياتها وهذه المرة، تلاحق آثار التاجر البغدادي الذي ترك أهله وجاء إلى مصر ليبيع ويشتري، لكنه سقط في فخ الحب، حيث تعلق قلبه بامرأة من الحبانية، ظل ينفق عليها إلى أن انتهت نقوده.

ويضطر  التاجر البغدادي إلى السرقة، فتُقطع يده، رغم أنه كان شديد السخاء مع أصدقائه، وكثير العطاء لمحبوبته التي قلقت عليه حين علمت بأمر قطع يده.

لما كانت الليلة العشرون، قالت شهرزاد إن النصراني قال: اعلم يا ملك الزمان أني دخلت هذه الديار ومعي تجارة، وكان مولدي في مصر وأنا من قبطها، وكان والدي سمساراً، فلما بلغت مبلغ الرجال تُوفي والدي فعملت سمساراً مكانه. بينما أنا جالس يوماً من الأيام وإذا بشاب أحسن ما يكون، وعليه أفخر ملبوس، وهو راكب حماراً فلما رأني سلم عليّ، فقمت إليه تعظيماً له، وأخرج منديلاً وفيه قدر من السمسم وقال: كم يساوي الأردب من هذا؟ فقلت له مئة درهم. فقال لي: خذ الترسين والكيالين وأعمد إلى خان الجوالي في باب النصر تجدني فيه.

وتركني ومضى بعدما أعطاني السمسم بمنديله، فدرت على المشترين، وبلغ ثمن كل أردب مئة وعشرين درهماً، فأخذت معي أربعة تراسين، ومضيت إليه فوجدته في انتظاري. لما رأني قام إلى المخزن وفتحه فكيلناه فجاء جميع ما فيه خمسين أردباً، فقال الشاب: لك في كل أردب عشرة دراهم سمسرة واقبض الثمن واحفظه عندك خمسة آلاف لك منها خمسمئة، ويبقى لي أربعة آلاف وخمسمئة فإذا فرغ بيع حواصلي لي ذلك اليوم ألف درهم، وغاب عني شهراً ثم جاء وسألني: أين الدراهم؟ أجبت: حاضرة. فقال: احفظها حتى أجيء إليك فآخذها.

ثم غاب عني شهراً وجاء وسألني: أين الدراهم؟ فقمت وسلمت عليه وسألته: هل لك أن تأكل عندنا شيئاً؟ فأبى وقال لي: احفظ الدراهم حتى أمضي وأجيء فآخذها منك، ثم ولى. فقمت وأحضرت له الدراهم وقعدت أنتظره، فغاب عني شهراً. ثم جاء وقال لي: بعد هذا اليوم آخذها منك. قمت وأحضرت له الدراهم وقعدت أنتظره فغاب عني شهراً. قلت في نفسي: إن هذا الشاب كامل السماحة. ثم بعد الشهر جاء وعليه ثياب فاخرة... وهو كالقمر ليلة البدر، وكأنه قد خرج من الحمام، بخدين حمراوين، وجبين أزهر، وشامة كأنها قرص عنبر.

لما رأيته قبلت يديه وسألته: يا سيدي أما تقبض دراهمك؟ فأجاب: مهلاً حتى أفرغ من قضاء مصالحي وآخذها منك. ثم ولى، فقلت في نفسي: إذا جاء أدعوه إلى ضيافتي لكوني انتفعت بدراهمه وحصل لي منها مال كثير. فلما كان آخر السنة جاء وعليه بذلة أفخر من الأولى، فحلفت عليه أن ينزل عندي فقال لي: بشرط أن ما تنفقه من مالي الذي عندك. قلت: نعم. أجلسته ونزلت فهيأت ما ينبغي من الأطعمة، والأشربة وغير ذلك، وأحضرته بين يديه وقلت له: باسم الله. فتقدم إلى المائدة ومد يده اليسرى وأكل معي، فتعجبت منه. لما فرغنا غسل يده وناولته ما يمسحها به، ثم جلسنا للحديث فقلت له: يا سيدي لأي شيء أكلت بيدك اليسرى؟ لعل في يدك اليمنى ما يؤلمك؟ فأخرج يمناه من كمه وإذا هي مقطوعة. ولما تعجبت من ذلك قال لي: لا تعجب ولا تحسب أني أكلت معك بيدي اليسرى إلا مكرهاً، على أن لقطع يدي قصة عجباً، فسألته: وما هي؟

أجاب: اعلم أني من بغداد، ووالدي من أكابرها، فلما بلغت مبلغ الرجال سمعت السياح والمسافرين والتجار يتحدثون عن الديار المصرية، فبقي ذلك في خاطري حتى مات والدي، فأخذت أموالاً كثيرة، وهيأت متجراً من قماش بغدادي وموصلي ونحو ذلك من البضائع النفيسة، وسافرت من بغداد، وكتب الله السلامة لي حتى دخلت مدينتكم هذه وأنزلت القماش في خان سرور، وفككت أحمالي وأدخلتها، وأعطيت الخادم دراهم ليشتري لنا بها شيئاً نأكله، ونمت قليلاً. لما قمت ذهبت إلى بين القصرين، ثم رجعت وبت ليلتي، فلما أصبحت فتحت رزمة من القماش وقلت في نفسي: أمشي في بعض الأسواق وأنظر الحال.

التفصيلة الذهبية

أخذت بعض القماش وحملته لبعض غلماني، وسرت حتى وصلت قيصرية جرجس، فاستقبلني السماسرة وكانوا قد علموا بمجيئي، فأخذوا مني القماش ونادوا عليه، فلم يبلغ ثمنه رأس ماله، فقال لي شيخ الدلالين: يا سيدي أنا أعرف لك شيئاً تستفيد به، وهو أن تبيع متجرك إلى مدة معلومة بكانب وشاهد وصيرفي، وتأخذ ما تحصل من ذلك في كل خميس واثنين، فتكسب الدراهم كل درهم اثنين، وزيادة على ذلك تتفرج على مصر ونيلها. فقلت: هذا رأي سديد. وأخذت معي الدلالين وذهبت إلى الخان فأخذوا القماش إلى القيصرية فبعته إلى التجار، وكتبت عليهم وثيقة إلى الصيرفي، وأخذت عليه وثيقة بذلك. رجعت إلى الخان فأقمت أياماً، كل يوم أفطر على قدح من الشراب، وأحضر اللحم الضاني والحلويات. حتى دخل الشهر الذي استحقت فيه الجباية، فبقيت كل خميس واثنين أقعد على دكاكين التجار، ويمضي الصيرفي والكاتب فيجيئان بالدراهم من التجار ويأتيان بها، إلى أن دخلت الحمام يوماً من الأيام وخرجت إلى الخان فافطرت على قدح من الشراب، ثم نمت وانتبهت، فأكلت دجاجة وتعطرت وذهبت إلى دكان رجل تاجر يقال له بدر الدين البستاني. لما رأني رحب بي وتحدث معي ساعة في دكانه. بينما نحن كذلك وإذا بامرأة جاءت وجلست إلى جانبي وعليها عصابة مائلة، وتفوح منها روائح الطيب، فسلبت عقلي بحسنها وجمالها. ثم سلمت على بدر الدين فرد عليها السلام ووقف يتحدث معها. لما سمعت كلامها تمكن حبها من قلبي فقالت لبدر الدين: هل عندك تفصيلة من القماش المنسوج من خالص الذهب؟ فأخرج لها تفصيلة. فسألته: هل آخذها ثم أرسل إليك ثمنها؟ أجابها التاجر: لا يمكن يا سيدتي، لأن هذا صاحب القماش وله عليّ قسط. فقالت: ويلك إن عادتي آخذ منك كل قطعة قماش بجملة دراهم وأربحك فيها فوق ما تريد، ثم أرسل إليك ثمنها. فقال: نعم، ولكنني مضطر إلى الثمن في هذا اليوم. أخذت التفصيلة ورمته بها في صدره وقالت: طائفتكم لا تعرف لأحد قدراً. ثم قامت مولية، فظننت أن روحي راحت معها، ووقفت وقلت لها: يا سيدتي تصدقي عليّ بالالتفات وارجعي بخطواتك الكريمة. فرجعت وتبسمت وقالت: لأجلك رجعت، وجلست أمامي على الدكان. فقلت لبدر الدين: هذه التفصيلة كم ثمنها عليك؟ قال: ألف ومئة درهم. فقلت له: ولك مئة درهم فائدة. هات ورقة لأكتب لك فيها ثمنها. أخذت التفصيلة منه، وكتبت له ورقة بخطي، وأعطيتها التفصيلة وقلت لها: خذيها أنت، وإن شئت هاتي ثمنها إليّ في السوق، وإن شئت فهي ضيافتك مني! قالت: جزاك الله خيراً، ورزقك مالي وجعلك بعلي! فقلت لها: يا سيدتي اجعلي هذه التفصيلة لك، ولك أيضاً مثلها، ودعيني أنظر وجهك. كشفت القناع عن وجهها، فلما نظرت إليّ نظرة، أعقبتني ألف حسرة، وتعلق قلبي بمحبتها، فصرت لا أملك عقلي، ثم أرخت القناع وأخذت التفصيلة وأنصرفت.

ليلة مع الحبيب

جلست أنا بعد ذلك في السوق إلى ما بعد العصر، وأنا أغالب العقل، وقد تحكم الحب في قلبي ومن شدة ما حصل لي من الوجد، فسألت التاجر عنها حين أردت القيام، فقال: إنها ابنة أمير مات وخلف لها مالاً كثيراً. فودعته وانصرفت، وجئت إلى الخان فقدم إليّ العشاء فلم آكل شيئاً ونمت. ولكن لم يأتني نوم، فسهرت إلى الصباح، ثم قمت فلبست بذلة غير التي كانت عليّ، وشربت قدحاً من الشراب، وأفطرت على شيء قليل، وجئت إلى دكان التاجر فسلمت عليه وجلست عنده. جاءت الصبية وعليها بذلة أفخر من الأولى، ومعها جارية، فجلست وسلمت عليّ دون بدر الدين، وقالت لي بلسان فصيح ما سمعت أعذب ولا أحلى منه: أرسل معي من يقبض الألف والمئتي درهم ثمن التفصيلة. فسألتها: لأي شيء العجلة؟ فأجابت: لا عدمناك. وناولتني الثمن وقعدت أتحدث معها فأومأت إليها بالإشارة، ففهمت أني أريد وصالها. وقامت على عجل وقلبي متعلق بها وخرجت أنا في أثرها، وإذا بجارية أتتني وقالت: يا سيدي كلم سيدتي. تعجبت وقلت: ما يعرفني هنا أحد. فقالت الجارية: ما أسرع ما نسيتها. سيدتي التي كانت اليوم على دكان التاجر فلان.

مشيت معها إلى الصيارف، فلما رأتني قالت: يا حبيبي لقد تمكن حبك من قلبي، ومنذ رأيتك لم يطب لي نوم ولا أكل ولا شرب. فقلت لها: عندي أضعاف ذلك، والحال يغني عن الشكوى. فسألت: يا حبيبي أجيء عندك أو تجيء عندي؟ أجبتها: أنا رجل غريب وليس لي مكان يأويني إلا الخان، فإن تصدقت عليّ بأن أكون عندك يكمل الحظ. قالت: نعم، لكن الليلة ليلة الجمعة ما فيها شيء، فإذا كان غد بعد الصلاة، فصل واركب حمارك، واسأل عن الحبانية، ثم اسأل فيها عن قاعة بركات النقيب المعروف بأبي شامة، فإني ساكنة هناك. فرحت فرحاً شديداً، ثم افترقنا، وبت ليلتي سهراناً، فما صدقت أن الفجر لاح حتى قمت وغيرت ملابسي، وتعطرت وتطيبت، وأخذت معي خمسين ديناراً في منديل، ومشيت من خان مسرور إلى حارة زويلة، فركبت حماراً وقلت لصاحبه: أمض بي إلى الحبانية، فما أسرع ما وقف على درب يقال له درب النقري.

قلت له: ادخل الدرب واسأل عن قاعة النقيب، فغاب قليلا ورجع فقادني إلى القاعة، ثم أوصلني إلى المنزل. قلت له: في غد تجيئني هنا لتعود بي، ثم ناولته ربع دينار ذهباً، فأخذه وانصرف. طرقت الباب فخرجت لي بنتان صغيرتان كأنهما قمران، فقالتا: ادخل، إن سيدتنا في انتظارك لم تنم الليلة لولعها بك. دخلت قاعة مغلقة بسبعة أبواب، وفي دائرها شبابيك مطلة على بستان فيه من الفواكه جميع الألوان، وبه أنهار دافقة، وطيور ناطقة، وهي مبيضة بياضاً سلطانياً يرى الإنسان وجهه فيها، وسقفها مطلي بذهب، حوت أوصافاً حسنة وأضاءت للناظرين، وفي أرضها فسقيه في أركانها الدر والجواهر، والقاعات كلها مفروشة بالبسط الحرير الملونة، والمراتب. لما دخلت وجلست لم أشعر إلا والصبية قد أقبلت وعليها تاج مكلل بالدار والجوهر، فلما رأتني تبسمت في وجهي وقالت: أصحيح أتيت عندي أم هذا منام. فقلت لها: أنا عبدك.

قالت: أهلا ومرحباً، والله من يوم ما رأيتك ما لذ لي نوم ولا طاب لي طعام. فقلت: وأنا كذلك. ثم جلسنا نتحدث وأنا مطرق حياء. ولم أمكث إلا قليلا حتى قدمت لي سفرة من أفخر الألوان، من محمر ومرقق، ودجاج فأكلت معها حتى اكتفينا. ثم قدموا إلى الطشت والإبريق، فغسلت يدي، ثم تطيبنا بماء الورد والمسك، وجلسنا نتحدث، وهي تشكو إليّ ما لاقت وأنا أشكو إليها ما لقيت. ثم أخذنا نلعب إلى أن أقبل الليل، فقدمت لنا الجواري الطعام والمدام، فشربنا إلى نصف الليل ثم نمنا.

فعل الشيطان

لما أصبح الصباح قمت ورميت لها تحت الفراش المنديل الذي فيه الدنانير وودعتها وخرجت، فبكت وسألت: يا سيدي متى أرى هذا الوجه المليح؟ قلت لها: أكون عندك وقت العشاء. لما خرجت رأيت الحمَّار الذي جاء بي بالأمس على الباب ينتظرني، فركبت معه حتى وصلت إلى خان مسرور، فنزلت وأعطيت صاحب الحمار نصف دينار وقلت له: تعال في وقت الغروب. قال: على العين والرأس. دخلت الخان وأفطرت، ثم خرجت أطالب بثمن القماش، ثم رجعت وقد أعددت لها خروفاً مشوياً، وأخذت حلاوة، ثم دعوت الحمال ووصفت له المحل وأعطيته أجرته، ورجعت لأشغالي إلى الغروب. فجاءني الحمار فأخذت خمسين ديناراً وجعلتها في منديل ودخلت دارها فإذا بها أبهى وأجمل، قد مسح الرخام، وأضيئت القناديل والشموع، وأعد الطعام والشراب.

لما رأتني رمت يديها على رقبتي وقالت: أوحشتني. ثم مدت الموائد، فأكلنا حتى اكتفينا، وجاءت الجواري بالمدام فلم نزل في شراب ومرح وحظ إلى نصف الليل، فنمنا إلى الصباح، ثم قمت وناولتها الخمسين ديناراً على العدة، وخرجت من عندها فوجدت الحمار فركبت إلى الخان ونمت ساعة ثم قمت فجهزت العشاء كالأمس، ولم أزل على تلك الحالة مدة إلى أن أصبحت لا أملك درهماً ولا ديناراً، فقلت في نفسي: هذا من فعل الشيطان!

تمشيت إلى أن وصلت بين القصرين، وما زلت أمشي حتى وصلت إلى باب زويلة، فوجدت الخلق في ازدحام والباب منسد من كثرة الخلق وشاهدت جندياً فزاحمته بغير اختياري فجاءت يدي على جيبه فوجدت فيه صرة من داخل الجيب الذي يدي عليه فعمدت إلى تلك الصرة فأخذتها من جيبه، فأحس الجندي بأن جيبه خف فحط يده في جيبه فلم يجد شيئاً، والتفت نحوي ورفع يده بالدبوس وضربني على رأسي فسقطت على الأرض، فأحاط الناس بنا وأمسكوا لجام فرس الجندي وقالوا: من أجل الزحمة تضرب هذا الشاب هذه الضربة، فصرخ فيهم الجندي وقال: هذا لص سارق. عند ذلك أفقت ورأيت الناس يقولون: هذا شاب مليح لم يأخذ شيئاً. بعضهم صدق وبعضهم كذب، وكثر القيل والقال وجذبني الناس وأرادوا خلاصي ثم اتفق أن جاء الوالي هو وبعض الحكام في هذا الوقت ودخلوا من الباب، فوجدوا الخلق مجتمعين علي وعلى الجندي، فسأل الوالي: ما الخبر؟ فقال الجندي: والله يا أمير إن هذا لص، وكان في جيبي كيس أزرق فيه عشرون ديناراً فأخذه وأنا في الزحام، فقال الوالي للجندي: هل كان معك أحد؟ فقال الجندي: لا فصرخ الوالي على المقدم وقال: أمسكه وفتشه، فأمسكني وخلع عني جميع ملابسي، ولما وجد الكيس في ثيابي أخذه الوالي وفتحه وعده فرأى فيه عشرين ديناراً كما قال الجندي، فغضب الوالي وصاح بي: قل الحق، هل أنت سرقت هذا الكيس؟ فأطرقت وقلت في نفسي: إن قلت ما سرقته فقد أخرجه من ثيابي، وإن قلت سرقته وقعت في العناء.

 ثم رفعت رأسي وقلت، نعم أخذته. لما سمع مني الوالي هذا الكلام تعجب ودعا الشهود فحضروا وشهدوا أني لص، وهذا كله في باب زويلة، فأمر الوالي السياف بقطع يدي، واجتمع الناس حولي وسقوني قدح شراب وأما الجندي فإنه أعطاني الكيس وقال: أنت شاب مليح ولا ينبغي أن تكون لصاً. أخذته منه ولففت يدي في خرقة، وقد تغيرت حالتي وأصفر لوني مما جرى لي.

تمشيت إلى القاعة وأنا على غير استواء، ورميت نفسي على الفراش فنظرتني الصبية متغيرة اللون فقالت لي: ما وجعك؟ ومالي أرى حالتك تغيرت؟ فقلت لها: رأسي يوجعني وما أنا أطيب، فاغتمت لأجلي وقالت: لا تحرق قلبي يا سيدي. اقعد وارفع رأسك وحدثني بما حصل لك اليوم فقد بان لي في وجهك كلام. قلت: دعيني من الكلام، فبكت وقالت: كأنك قد فرغ غرضك منا، فإني أراك على خلاف العادة وصارت تحدثني وأنا لا أجيبها ولما أقبل الليل قدمت لي الطعام فامتنعت إذ خشيت أن تراني آكل بيدي الشمال. فقلت: لا أشتهي أن آكل في هذه الساعة، فقالت: حدثني بما جرى لك في هذا اليوم، إني أراك مهموماً مكسور الخاطر، فقلت: في هذه الساعة أحدثك على مهلي، فقدمت لي الشراب وقالت: دونك فإنه يزيل همك ولا بد من أن تشرب وتحدثني بخبرك. قلت لها: إن كان ولا بد فاسقيني بيدك. فملأت القدح وشربته، وملأته وناولتني إياه فتناولته منها بيدي الشمال وفرت الدمعة من جفني!

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

البقية في الحلقة التالية

back to top