تدوين الأحاديث!

نشر في 04-07-2015
آخر تحديث 04-07-2015 | 00:01
 د.نجم عبدالكريم يقول ابن سيرين: سمعت أحاديث من عشرة، وكان المبنى واحداً واللفظ مختلفاً!

وليس من الثابت أن الأحاديث لم تدون إلا في نصف القرن الثاني، مثلما دأب بعضهم على القول بذلك، كما ذكر فؤاد سزكين، وهو يرد على بروكلمان في التراث العربي - صفحة 3-4 - أو أن المسلمين ظلوا يتناقلون الحديث مدة طويلة تفوق القرن والنصف حفظاً ورواية - أي مشافهة - رغم أن بعض الأحاديث المأثورة كانت تنهى عن كتابة أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أن بعض الصحابة كعبدالله بن عمرو بن العاص، وعبدالله بن عباس، وأنس بن مالك، وغيرهم كانوا يدونون الحديث، ثم حذا حذوهم بعض التابعين.

وقد ذكر ابن قتيبة، في كتاب المعارف صفحة 162، أن أولى محاولات التدوين - بالمعنى الاصطلاحي للكلمة وليس للحفظ من التلف - كانت لمحمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري.

ولما صارت الأحاديث من أسس التشريع - بعد القرآن - ازدادت العناية بها، وصاروا يشدون الرحال لجمعها، ثم أُلفت المسانيد كمسند الطيالسي، ومسند أحمد - الذي جمع فيه 30 ألف حديث - وقد سبقهم الى ذلك:

- في المدينة: أنس بن مالك مرتباً الموطأ على حسب مواضيع الأحاديث.

- في مكة: عبدالملك ابن جريج.

- في الشام: الأوزاعي.

- في الكوفة: سفيان الثوري.

- في البصرة: حماد بن سلمة بن دينار.

ثم صُنفت في القرن الثالث الهجري المصنفات المعروفة بالكتب الستة: صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن النسائي، سنن أبي داوود، سنن الترمذي، سنن ابن ماجة.

وقد صنف الشيعة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيدهم: للكليني، وابن بابويه القمي، والطوسي، وغيرهم.

***

لاشك في أن تراكم السنين، وكثرة النقل والتداول قد أدخلت الأحاديث الصحيحة بأحاديث أخرى لعب فيها الخيال! مما حدا بالمسلمين إلى أن يستنبطوا الجرح والتعديل كوسيلة لمقاومة الأحاديث المكذوبة، والتي كانت كتب الطبقات إحدى أهم وسائل تكذيبها، لأن الكتب الستة صنفت لجمع ما يعتقد بصحته.

والوقوف على تاريخ مؤثرات المدارس وضبط المقاييس المعتمدة أثناء عملية الجرح والتعديل ما حال إلى أن هناك بعض المنافذ التي تسرب منها المكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم! والذي يصل البعض منه إلى حد الأسطورة، لأن الأساطير كانت معروفة وقتئذ بين أهل الكتاب من اليهود والنصارى، والكثير منهم قد أسلم وصار مرجعاً وحجة!

كما أن أساطير الشعوب التي اعتنقت الإسلام مع امتداد رقعة الدين إلى بلاد الشام والعراق، والتي كانت ثرية بالأحاجي والأساطير لكونها كانت مهداً للديانات، حيث توارثت أساطير عريقة انتقل الكثير منها للعرب عبر السومريين والأكاديين والكنعانيين، وهي التي كانت في العهد القديم، حيث تأصل البعض منها عند عرب ما قبل الإسلام.

باختصار، إن وضع الأحاديث واختلافها، وإثبات الصحيح منها والكاذب والزائف، قد اعتنى به الكثير من المتخصصين في هذا المجال.

لكن ما يعنينا هنا تسليط الضوء على ما كان سائداً من أساطير قبل الإسلام، ثم تلبست لبس الإسلام متخذة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وسيلتها إلى ذلك.

فهذا ما يعنينا إيضاحه مستقبلاً.

back to top