تقرير اقتصادي: لماذا لا تشتري الكويت اليونان... نحن متشابهون!

نشر في 02-07-2015 | 00:08
آخر تحديث 02-07-2015 | 00:08
No Image Caption
• سؤال غير منطقي يفتح الباب لرصد أوجه التماثل الاقتصادي بين البلدين
• البيروقراطية وضعف جذب الاستثمارات والفساد وتراجع الثقة وعدم تطبيق القوانين سمة مشتركة بيننا
من أوجه التشابه السلبية بين الكويت واليونان في الإدارة وسوق العمل ومصادر الإيرادات وغيرها، يتبين لنا أن الإدارة التي تدير الكويت لن تجد صعوبة في إدارة اليونان.

«دام اليونان بتفلس... ليش ربعنا ما يشترونها؟».  

السؤال أعلاه تكرر بشكل كبير خلال الاسبوع الماضي في الدواوين ووسائل التواصل الاجتماعي بصيغة اقرب الى الطرافة منها الى الجد.

ورغم الطرافة او التهكم في السؤال، وما يحتويه من رغبة في مفارقة الطقس الحار او احتباس المشهد السياسي، فضلا عن سخونة الوضع الاقليمي، فإن بحث الموضوع يمكن ان يكون مفيدا ولو على قاعدة «من حيث المبدأ»، خصوصا اذا ما عرفنا ان اوجه التشابه بين الكويت واليونان كبيرة، بل لا تقل طرافة عن صيغة سؤال او طلب شرائنا لليونان.

فالميزة التي نتفوق فيها على الدولة الاوروبية المفلسة تتمثل في ثروة اجيال تقدرها مؤسسات متخصصة بـ548 مليار دولار، اي نحو 1.5 مرة بالمقارنة مع اجمالي الديون اليونانية الى جانب نظام مصرفي محلي اكثر حصافة من مصارف اليونان، وهما عاملان يدعمان الشراء والتمويل بكل تأكيد، كونهما يعبران عن الوفرة المالية المدعومة بالنفط.

عدا ذلك فإن اوجه التشابه بين الكويت واليونان تكاد تصل الى مرحلة «التوأمة الاقتصادية» لدرجة ان الادارة التي تدير الكويت لن تجد صعوبة في ادارة اليونان!

ضرائب ومصادر دخل

فهذه الدولة الاوروبية المفلسة عاجزة تاريخيا عن خلق نظام شفاف لجباية الضريبة، وهي لا تختلف عن الكويت التي تواجه مصاعب ادارية وسياسية في وضع نظام ضريبي على الشركات او حتى اعادة هيكلة رسوم الانتفاعات والخدمات لتنويع مصادر الدخل الى جانب ان اليونان التي تراجعت تنافسيتها في احد اهم مصادر دخلها «السياحة» لمصلحة دول محيطة بها بسبب عدم تحديث البنية التحتية تشبه الكويت التي انخفضت تنافسية مصدر دخلها الاساسي «النفط» ايضا لمصلحة دول محيطة، وسط حرب أسعار في السوق العالمي الى جانب تعثر العديد من المشاريع النفطية.

شباب وعمل

الشباب يشكلون جانبا اساسيا من الضغط على الاقتصاد اليوناني، خصوصا من جهة تفشي البطالة في المجتمع وعجز هذه الدولة الاوروبية المفلسة على توفير فرص العمل، وبالتالي يحملونها من جانب آخر تكاليف متنوعة عبر صناديق التأمين، وهذا الضغط لفئة الشباب موجود أيضا في الكويت لكن تتم تغطيته عبر الايرادات النفطية، ومن ثم تكديسهم في مؤسسات الدولة بل ان التشابه بين الكويت واليونان يتماثل ايضا في فئة المتقاعدين اذ يعاني البلدان ازدياد أعدادهما مما يؤثر سلبا على مصروفات صناديق التأمين والتقاعد.

استثمارات أجنبية

العجز عن استقطاب الاستثمارات الأجنبية سمة مشتركة للكويت واليونان بسبب التعقيدات البيروقراطية والفساد وتراجع ثقة المستثمرين والبيروقراطية والمحسوبية وعجز الدولة عن تطبيق القوانين، وهو الامر الذي جعل اليونان من اقل دول اوروبا استقطابا للاستثمارات بما لا يتجاوز في الاجمالي 10 مليارات دولار، وهي حصة ضئيلة اوروبيا وجعل حصة الكويت تتراجع من  1.434 مليار دولار عام 2013 الى 486 مليون دولار عام 2014، اي ان التراجع بلغ 66.2 في المئة.

عدم استهداف النظام التعليمي لمتطلبات سوق العمل من اوجه التشابه الاساسية بين البلدين، ففي اليونان هناك وفرة أساسية في خريجي خدمات السياحة مدعومة بالنظام التعليمي يقابلها انخفاض كبير في الخريجين في المشاريع الصغيرة والاعمال المهنية. وفي الكويت يقدم النظام التعليمي لنا فوائض الخريجين في الكليات النظرية مقابل عجز لافت في عدد خريجي الكليات العلمية او التطبيقية، وهنا يتبين لنا الانحراف بين مخرجات التعليم وسوق العمل في ظل سوء الادارة وضعف تطبيقها لخططها.

العجز ومخاطره

في ملف التعامل مع مخاطر العجز المالي لم يكن للبلدين اي تعامل حصيف مع الملف، فأفرطت في الاقتراض في حين تستعد الكويت للاقتراض من البنوك التجارية او السحب من احتياطي الاجيال لتغطية اي عجز محتمل، وكأن الادوات الاقتصادية الخاصة بجذب الاستثمارات او اعادة تسعير الخدمات او فرض ضرائب تصاعدية على الدخل وارباح الشركات - بالنسبة لنا على الاقل - ليست حلولا يمكن تبنيها بدلا من الاستدانة او السحب من الرصيد الوحيد الذي يؤمن مستقبل الاجيال.

دروس الماضي

تتشارك اليونان والكويت في كونهما لا يتعلمان من دروس الماضي، فاليونان سبق ان تعثرت عن السداد 4 مرات، منها 3 مرات في القرن التاسع عشر وواحدة في القرن العشرين، واليوم تتعثر للمرة الخامسة، وكل اسباب التعثر تتركز في الافراط في الاستدانة والادارة غير المسؤولة للاموال.

اما الكويت فتدخل في دائرة العجز المالي للمرة الثالثة خلال اقل من 30 عاما بسبب عجز اقتصادها عن توفير بديل مالي كلما تدهورت اسعار النفط كما حدث في نهاية الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وما يتكرر حالياً.

قصة شراء الكويت لليونان غير منطقية بالطبع لكنها يمكن ان تكون مدخلا لمناقشة اوجه التشابه بين البلدين خصوصا في الادارة التي غالبا ما تسيئ تقدير الموقف ولا تتمكن من معالجة الازمة كي لا تتحول الى كارثة.

back to top