ظلمة الإرهاب ونور الفكر

نشر في 01-07-2015
آخر تحديث 01-07-2015 | 00:01
 طالب الرفاعي أياً كانت النتائج التي ستتوصل إليها الجهات المعنية بالتحقيق في الحادث الإرهابي الذي وقع في مسجد الإمام الصادق أثناء تأدية المصلين لصلاة يوم الجمعة 26 يونيو الفائت، فإن النتيجة الأولى الأكثر وضوحاً للعالم أجمع هي اللحمة الوطنية اللافتة التي ظهر عليها المجتمع الكويتي. بدءاً بوجود سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد في موقع الحدث، في زمن قياسي، بعد نصف ساعة من التفجير الإجرامي، مما كان قد يعرّض حياة سموه للخطر، لكنه أصرَّ على الوقوف بنفسه على ملامح الجريمة النكراء وإدانتها.

بعد هذه المبادرة الشاخصة بمعانيها الإنسانية الكبيرة، جاءت هبة الشعب الكويتي بجميع أطيافه، وإذا كانت رسالة الإرهابي الذي فجّر نفسه وسط المصلين قد استهدفت طائفة الشيعة، فإن رسالته ومن خلفه قد فشلت فشلاً مدوياً في مسّ الوحدة الوطنية الكويتية، بل إنها كشفت عن وجهٍ مشرق من وجوه هذه الوحدة بتكاتف أبناء الكويت، وصرختهم بصوت واحد: "اخوان سنة وشيعة وهذا الوطن ما نبيعه".

يمكن النظر إلى التفجير الإرهابي من أكثر من زاوية، ويمكن قراءته بأكثر من دلالة، لكن الأهم هو القول بأن الكويت، مثل أي مكان في العالم، بعد أن أصبح قرية كونية صغيرة، قد يحدث فيها أي عمل تخريبي أو إرهابي، لأن الإرهاب أعمى، ولأن الإرهابيين موجودون ومندسون في كل مجتمع. خاصة أن الكويت توجد في منطقة جغرافية ملتهبة، بل إن الاقتتال العقائدي والعنف الوحشي الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً في أقطار وطننا العربي، غدا هو الاقتتال الأكثر دمويةً وتأثيراً في صناعة الخبر العالمي، وصار مثاراً للتساؤل والدراسة على طول وعرض العالم.

يكاد يكون في الوقت ذاته الذي فجّر إرهابي نفسه في مسجد الإمام الصادق في قلب مدينة الكويت، اعتدى آخر على فندق في تونس، وأقدم ثالث على حادثة مروعة في فرنسا، وقبل ذلك بأقل من أسبوع أقدم شاب أميركي أبيض على فتح النار على مصلين في كنيسة للسود في "تشارلستون" في ولاية "كارولاينا" الجنوبية، خلافاً لفظائع دولة "داعش"، التي تتفنن في قتل البشر بأساليب تقشعر لها الأبدان. وهذا مجتمع يقول صراحة بأن الإرهاب، والإرهاب وحده، هو السمة الأكثر تمثيلاً للحظة الراهنة التي تمر بها البشرية.

صحيح أن التكنولوجيا تقدم يومياً أجهزة ذكية لخدمة البشر في كل مكان، وصحيح أيضاً أن شعوب العالم صارت يخاطب بعضها بعضاً على مدار اللحظة، لكن الصحيح أيضاً هو أن توحش النفس البشرية صار يكشف كل يوم عن مشهد مروع، وأن عنف النفس البشرية صار يقدم كل يوم نماذج مخيفة ما كان يمكن تصورها.

إن الكويت بقعة صغيرة في عالم متحول، ولذا ما يجري في محيطها الخليجي والعربي والعالمي يؤثر فيها.

وإذا كان يُنظر ثقافياً إلى الكويت، أنها أحد مشاعل النور والتنوير التي ساهمت في إثراء الثقافة العربية في أكثر من مساهمة وأكثر من محفل، فيكفي ذكر مجلة "العربي"، ويكفي أن تسند جامعة الدول العربية، مهمة وضع "الخطة الشاملة للثقافة العربية" إلى دولة الكويت، عندما كان للجامعة العربية وجودها الأهم والأقوى، وعندما كانت مراكز التنوير العربية لا تخرج عن القاهرة وبيروت وبغداد.

إن رصيداً كويتياً فكرياً تنويراً ثقافياً إنسانياً متسامحاً صار لزاماً أن يحضر الآن على مائدة الحدث الكويتي الفكري والسياسي والاجتماعي، فوحده قادر على الوقوف في وجه الجهل والغلو والإرهاب. الفكر النيّر، الفكر الحر، الفكر المنفتح، الفكر الإنساني، الفكر المتسامح الذي درج عليه أهل الكويت هو طوق النجاة للمجتمع الكويتي.

إن نشوء أكثر من جيل تحت سقف فكر أصولي منغلق جرَّ على الكويت وغيرها ما جر من إرهاب أعمى، ولا يمكن مواجهة ظلمة الإرهاب إلا بنور الفكر والحريات.

back to top