الغذاء في عصر الوقود الحيوي

نشر في 29-06-2015 | 00:01
آخر تحديث 29-06-2015 | 00:01
من المتوقع أن يتضاعف إنتاج الوقود الحيوي العالمي بحلول عام 2023 مقارنة بمستواه في 2007، وإذا تحقق هذا فإن الوقود الحيوي سيستهلك 12% من الحبوب الخشنة، و%28 من قصب السكر، و14% من زيوت الخضراوات على مستوى العالم.
 بروجيكت سنديكيت على مدى عِدة سنوات ماضية، أصبح الوقود الحيوي موضوع خلاف، فيرى البعض أن استخدام مادة عضوية لإنتاج مصدر للطاقة المتجددة يكاد يشبه العصا السحرية في مكافحة تغير المناخ، ومن ناحية أخرى يراه تهديداً وجودياً، لأن النباتات المستخدمة لصنعه تنافس على الأراضي الزراعية والمياه التي كانت لتستخدم لزراعة المحاصيل الغذائية.

ولكن هذا التقسيم زائف، فليس ممكناً أن نختار بين الغذاء والوقود، بل نستطيع أن نستفيد منهما معاً، ففي ظل الظروف المناسبة، من الممكن أن يشكل الوقود الحيوي وسيلة فعّالة لزيادة الأمن الغذائي من خلال تزويد المزارعين الفقراء بمصدر مستدام للطاقة وبأسعار في متناولهم.

ففي بعض البلدان الإفريقية غير الساحلية، تعادل أسعار البنزين ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي، الأمر الذي يجعل أسعار الوقود واحدة من العقبات الرئيسية التي تعوق النمو الزراعي، وتوسيع نطاق استخدام هذا الوقود في تلك المناطق يمكن أن يعمل على تعزيز الإنتاجية وخلق فرص عمل جديدة، وخاصة في المناطق الريفية. بل قد يكون التأثير أعظم إذا تم استخدام الأسر المزارعة وصغار المنتجين لتلبية الطلب الإضافي الذي يخلقه الوقود الحيوي على المواد الأولية.

لقد أصبح الوقود الحيوي حقيقة، ومن المتوقع أن يزيد استخدامه بشكل مطرد، ففي عام 2013، كان يمثل 3 في المئة من إجمالي وقود النقل المستخدم في العالم، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة التعاون الاقتصادية والتنمية، ورغم توقع أن تظل هذه النسبة ثابتة، فبوسعنا أن نتوقع نمو إنتاج الوقود الحيوي من حيث القيمة المطلقة مع توسع السوق العالمي بوقود النقل أيضاً.

الواقع أن إنتاج الوقود الحيوي العالمي يتوقع أن يتضاعف بحلول عام 2023 مقارنة بمستواه في 2007، وإذا تحقق هذا فإن الوقود الحيوي سيستهلك 12 في المئة من الحبوب الخشنة، و28 في المئة من قصب السكر، و14 في المئة من زيوت الخضراوات على مستوى العالم. ومع نمو إنتاج أشكال الوقود هذه، فسنحتاج إلى سياسات وبرامج وقدرات تضمن استخدامها على نحو مستدام، ومن دون تشويه أسواق المواد الغذائية أو تعريض الأمن الغذائي للخطر، والذي سيكون دوماً الأولوية الأولى.

ربما يفاجأ رواد الوقود الحيوي إزاء ضآلة إسهامهم في مجموع المعروض من الوقود العالمي اليوم، وكان أول محرك من اختراع رودلف ديزل، والذي صممه في أواخر القرن التاسع عشر يعمل بحرق الوقود المستخرج من زيت الفول السوداني، وكان هنري فورد ذات يوم يستكشف ولاية فلوريدا على أمل شراء مساحات من الأراضي لزراعة قصب السكر، انطلاقاً من اقتناعه بأن الولايات المتحدة لن تتسامح مع التلوث الناجم عن حرق الوقود الأحفوري أو التبعية الكامنة في استيراد النفط لإنتاج البنزين.

وفي العقود الأخيرة فقط، استعاد الوقود الحيوي جاذبيته، في ظل جهود تأمين الطاقة بأسعار معقولة، وتوليد الدخل، وتخفيف التبعية التي حذر منها فورد، ومؤخراً كانت المخاوف بشأن التلوث وتغير المناخ ومحدودية المتاح من الوقود الأحفوري سبباً في دفع الطلب على الوقود الحيوي إلى الارتفاع، وهو الطلب الذي يحتاج إلى إدارته بشكل جيد.

وتشكل المرونة عنصراً بالغ الأهمية في الجهود الرامية إلى الاستفادة من الاعتماد المتزايد على مستوى العالم على الوقود الحيوي لتعزيز الإنتاجية الزراعية، وتسريع عجلة التنمية الريفية، وتعزيز الأمن الغذائي، وعلى سبيل المثال، يتعين على صناع السياسات أن يعملوا على نزع فتيل الضغوط التنافسية بين الغذاء والوقود من خلال تصميم خطط لمواجهة تقلبات أسعار المواد الغذائية الأساسية.

وبوسع السلطات أن تشترط زيادة نسبة الوقود الحيوي المخلوط بالوقود التقليدي عندما تنخفض أسعار المواد الغذائية وخفض هذه النسبة عندما ترتفع أسعار المواد الغذائية، وهذا من شأنه أن يخدم كشكل من أشكال تثبيت الاستقرار تلقائياً، وبهذا يتمكن المزارعون الفقراء من الاستمرار في الاستفادة من الطلب القوي على منتجاتهم حتى عندما تنخفض أسعار المواد الغذائية، وسيتمتع المستهلكون بالحماية ضد الزيادات السريعة أو المفرطة في الأسعار.

وينبغي للأهداف الوطنية أيضاً أن تكون أكثر مرونة، فإذا تم تطبيق تفويضات استخدام الوقود الحيوي على مدى عِدة سنوات، بدلاً من عام واحد، فسوف يكون بوسع صناع السياسات التأثير على الطلب من أجل تخفيف الضغط على أسعار المواد الغذائية.

وأخيرا، على المستوى الفردي، سوف تساعد زيادة المرونة أيضا، وذلك من خلال تشجيع اقتناء السيارات والمركبات المرنة التي تعمل بأكثر من نوع واحد من الوقود، والتي تستخدم بالفعل في البرازيل، فإذا تم تجهيز السيارات بمحركات تعمل بالوقود الأحفوري التقليدي أو مزيج يحتوي على نسب عالية من الوقود الحيوي، يصبح بوسع المستهلكين التكيف مع تغيرات الأسعار عن طريق التحول بين هذا الوقود وذاك.

الحق أن إيجاد التوازن الصحيح لن يكون سهلاً، ولكن من خلال تسخير معارفنا الجمعية، وإشراك صغار المزارعين في البلدان النامية في هذا الجهد، والحفاظ على تركيزنا للحد من الفقر وحماية الضعفاء، سيكون بوسعنا توفير المزيد من الوقود والطعام والرخاء للجميع.

خوسيه غراتزيانو دا سيلفا

* المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة ـ

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top