تسمية الولايات المتحدة بـ «البوتقة»... هل تعتبر إهانة؟

نشر في 27-06-2015
آخر تحديث 27-06-2015 | 00:01
القدرة على استيعاب المهاجرين تمثل واحدة من القوى الأساسية للولايات المتحدة كدولة أمة، ثم إن ذلك الاستيعاب رغم عدم اكتماله، هو الذي حال دون تعرض البلاد لمعاناة من جراء التوترات والنزاعات العنصرية والعرقية والدينية التي ابتليت بها أوروبا واليابان.
 بلومبرغ • تعتبر صفة "العدوان الصغير" كلمة عصرية تعني انعدام الحساسية وتبلد الشعور، كما تعني قول أشياء تجعل البعض من دون قصد يشعر بالإقصاء أو أنه هدف لتحيز خبيث، فمن الجيد أن تكون حساساً وأن تجعل الناس يشعرون بالمشاركة والانتماء، وفي مجتمع مثالي يتعين أن يتفهم كل فرد مشاعر الآخرين وأن يتعاطف مع تجاربهم، وبالنسبة إلى البروفيسور الذي يتمتع بسلطة على الشباب ينطوي هذا الاعتبار على أهمية خاصة.

ولكن دليل تدريب الملكة العقلية في جامعة كاليفورنيا الجديد يمضي بعيداً جداً في محاولة تدريب الأساتذة على الشعور بالحساسية، ومعظم البيانات تشجع البروفيسور على تفادي الظهور في صورة البعيد عن الحساسية، ولكن اثنين من تلك البيانات كانا في واقع الحال من النوع الحقيقي، ولم يتسما بالصحة فقط، بل اشتملا على أشياء تنطوي على قدر من الأهمية والقيمة يتعين على الشباب الأميركيين معرفتها، وعندما نبدأ بتحريم قول أشياء صحيحة ومهمة في قاعة الدرس نكون قد ابتعدنا عن عالم الحساسية.

وعلى سبيل المثال، فإن الدليل المذكور يشجع البروفيسور ألا يقول "أميركا بلد بوتقة" لأن ذلك، بحسب الدليل، سيفضي إلى ضغط اجتماعي غير مقبول على الأقليات من أجل الانصهار في ثقافة مهيمنة.

استيعاب المهاجرين

 وأنا أعتقد الآن أن هذا الامتصاص هو خيار، وأنت تنصهر بالقدر الذي تريده، ولكن بغض النظر عما أعتقده أنا، أو أي شخص آخر، فإن الحقيقة البسيطة والصرفة هي أن الولايات المتحدة تتمتع بدرجة عالية من الاستيعاب والامتصاص، وتدعم الأرقام بقوة هذا الواقع، والمهاجرون إلى الولايات المتحدة يتبنون اللغة والعادات المحلية بمعدلات سريعة مدهشة.

ويستعرض تقرير صدر في عام 2010 عن مركز التقدم الأميركي الليبرالي للتفكير طائفة كبيرة من المعلومات ويخلص الى النتائج التالية:

نحن نستخدم أكثر معلومات دراسات مكتب الإحصاء الأميركي شمولاً في التحقيق المتعلق بكيفية جودة عملية الانصهار والاستيعاب بالنسبة الى المهاجرين في الوقت الراهن، ونستبدل البلاغة المضللة التي تصدر عن خصوم الهجرة بمعلومات ثابتة، كما أن هذه الدراسة تظهر أن الاستيعاب يتم عبر شتى أنحاء بلدنا- ومع مراجعتنا لتقدم المهاجرين بمرور الوقت- وفي هذه الدراسة من سنة 1990 حتى وقتنا الحاضر– سوف يتبين لنا أنه كلما طالت مدة وجود المهاجرين في هذا البلد ازداد تحقيقهم لتقدم اندماجهم وتحسنه في مجتمعنا.

وتظهر دراسة مركز التقدم الأميركي أن المهاجرين يعتمدون اللغة المحلية وينتشرون في شتى أنحاء البلاد، ويتقدمون من حيث التعليم والدخل المالي، ويتحولون الى مواطنين ويشترون المنازل، وهذا صحيح بالنسبة الى كل المجموعات الوطنية والعنصرية من المهاجرين، وتظهر دراسات أخرى تستعرض التوازنات التاريخية أن سرعة اندماج المهاجرين كانت حقيقة في الموجات الماضية أيضاً.

بوتقة

وهكذا يمكن القول إن الولايات المتحدة بلد بوتقة، ومهما كان رأيك الشخصي في ما يتعلق بالاستيعاب فهذه حقيقة موضوعية. شيء آخر يريد دليل تدريب الملكة العقلية في جامعة كاليفورنيا من الأساتذة الامتناع عن قوله هو أن "أميركا هي بلد الفرص"، ويمكننا أن نختلف الآن حول أنها دولة فرص لأن من الواضح أن في العالم دولا أخرى تماثل الولايات المتحدة- وربما تتفوق عليها– من حيث الفرص، ومن المعروف الآن أن حركة الدخل النسبية في الولايات المتحدة أقل من تلك الموجودة في العديد من الدول الأوروبية.

ولكن الحقيقة البسيطة هي وجود فرصة مستويات عالية من الفرص الاقتصادية في الولايات المتحدة بالنسبة الى المهاجرين، وهذا ما استعرضه تقرير الاقتصاديين كارثيك أثريا وجيسي روميرو في سنة 2012، وقد توصلا الى أن المهاجرين الى الولايات المتحدة يميلون الى زيادة أرباحهم ومكاسبهم بصورة دراماتيكية مقارنة مع ما كانوا يحققونه في بلادهم، ويميل المهاجر أيضاً الى اللحاق بالمعدل المتوسط مع سكان البلاد على الرغم من أن هذه النزعة تراجعت إلى حد ما في السنوات الأخيرة.

ويشتمل تقرير المركز الأميركي للتقدم السالف الذكر على دليل قوي يؤكد أن الولايات المتحدة هي بلد الفرص بالنسبة الى المهاجرين، وينزع أبناء وأحفاد المهاجرين الى بلوغ مستويات الأميركيين في امتلاك المنازل والتحصيل العلمي، وهو مقياس مهم للفرص قد لا تتضمنه إحصاءات الدخل بصورة تامة.

أميركا بلد الفرص

وهكذا فإن القول إن "أميركا بلد الفرص" ينطوي على حقائق مهمة جداً عن ذلك البلد، وأنا أعتقد أن من الأهمية بمكان السماح لأساتذة الجامعات بطرح أشياء حقيقية وذات صلة في قاعات الدرس، ويتعين أن يكون لذلك أهمية خاصة في هذا السياق لأن من يعمد الى صياغة دليل تدريب الملكة العقلية قد لا تتوافر له المعلومات الكاملة.

ولكن بعيداً عن الاهتمام المجرد بالحقيقة والواقع هناك سبب آخر يتطلب عدم تشجيع هذه التعابير، وكما أرى الصورة فإن القدرة على استيعاب المهاجرين تمثل واحدة من القوى الأساسية- وربما القوة المحددة- للولايات المتحدة كدولة أمة، ثم إن الاستيعاب على الرغم من عدم اكتماله بل اقتصر على درجة كبيرة منه فقط هو الذي حال دون تعرض البلاد الى معاناة من التوترات والنزاعات العنصرية والعرقية والدينية التي ابتليت بها المجتمعات في أوروبا واليابان. وتكوين الهوية الوطنية الأميركية مسألة مهمة للغاية من أجل ضمان مجتمع فعال وحكومة جيدة والتزام قوي إزاء المصلحة العامة، وإذا سمحنا بالرقابة الجيدة لتحريم الاستيعاب والانصهار فإنني أعتقد أننا سوف نعرض للخطر استمرار ازدهارنا كدولة.

ولذلك دعونا نبعد هذه المواد عن قائمة العدوان الصغير لأن الولايات المتحدة هي دولة بوتقة، وهي بلد الفرص بالنسبة إلى المهاجرين، ومن جهتي أنا فإنني آمل أن تستمر في هذه الصورة.

* Noah Smith

back to top