مخرج Tomorrowland متفائل بالمستقبل

نشر في 10-06-2015 | 00:02
آخر تحديث 10-06-2015 | 00:02
في مطلع فيلم براد بيرد Tomorrowland (عمل فني جديد عن المستقبل والفيلم الوحيد في كون معروف يشمل حوض استحمام يتحول إلى سفينة صاروخية)، يذهب طفل إلى معرض العالم في نيويورك عام 1964.
ينجح في إعداد آلة طيران في مرأبه. ورغم هفواتها، يبدو متحمساً لعرضها في مباراة.
ولكن عندما يخبره الرجل المقطب الوجه الذي يدير المباراة ألا جدوى من تجربتها إن كانت لا تعمل، يجيب الصبي: {ألا يمكننا الاستمتاع فحسب؟}.
صحيح أن هذه العبارة تحدد الأطر العامة لفلسفة الشخصية، إلا أنها تعكس مهمة المخرج، ايضاً. بنى بيرد، مخرج أفلام {أنيماشن} مثل Ratatouille وThe Incredibles، مسيرته المهنية على هذا المبدأ. صحيح أنه أخرج أول أفلامه (The Iron Giant) بعد تخطيه سن الأربعين، إلا أن بيرد (57 سنة) يحلق اليوم في عالم إعداد الأفلام، مقدماً آلية معقدة للتفكير في المستقبل ونشرها بسعادة.
يُعتبر المخرجون اليوم في عالم الأفلام التي تحقق مبيعات كبيرة اختصاصيي إنقاذ. فيأخذون ملكية محددة منذ زمن ويربطون بها ما يكفي من القطع الجديدة ليبقوا غير الهواة (وأنفسهم) مهتمين بها.

لكن بيرد يتبع مساراً مختلفاً. فقد قدم أحد أفلام الأبطال الخارقين في هذه الحقبة مع أبطال خارقين جدد بالكامل، وحدّ من عامل الظرف السطحي المصطنع في أفلام {الأنيمايشن} بجعل بطله جرذ مطاعم متعدد الأبعاد، وبعد ما دخل عالم إعادة بناء السفن قبل نحو أربع سنوات مع Mission: Impossible — Ghost Protocol، أول أفلامه في مجال أفلام الحركة، أخرج بيرد اليوم الجزء الثاني من بطولة جورج كلوني. وقد وضع فكرة هذا الفيلم ونصه دامون لنديلوف من  Lost، وهو يشمل كماً كبيراً من المسائل الواقعية والعقائدية.

 

مشاهد مذهلة

 

مع بداية موسم الصيف السينمائي الحافل بكثير من الأسماء، يأتي Tomorrowland بقصته المميزة إلى دور العرض حاملاً توقعات كبيرة. صحيح أنه يستند، إلى حد ما، إلى أحد معالم ديزني (الاستوديو الذي أنتجه)، ولا يخجل بتقنيات الألعاب النارية التي يقدمها (نعم، يتحول معلم عالمي إلى سفينة صاروخية)، لكن Tomorrowland لا يصب كل اهتمامه على بناء قصة حول رحلة ما، بل يميل إلى تناول الأسئلة الأهم مثل: ماذا حدث للمستقبل؟ أو بعبارات أدق، ماذا حلّ بما وعدنا به المستقبل المنقضي؟

وربما اللافت حقاً للنظر أن هذا الفيلم أعد من قبل (أو عن) كيان ضخم يختبر أيضاً شيئاً مستقلاً، عدائياً، وغريباً حتى.

يوضح بيرد: {أردنا أن نقدم حبكة متينة، إلا أنها تشمل مسائل أخرى قد لا تخطر في البال}.

يتحرك Tomorrowland في اتجاهات عدة أحياناً دفعة واحدة، إلا أن إطاره الرئيس يتركز حول كايسي (بريت روبرتسون)، مراهقة تقف مذهولة أمام الكون. تبدو هذه الشابة خارجة مباشرة من أحد أفلام سبيلبيرغ، حتى إنها تستخدم دراجة هوائية في تنقلها في البلدة الصغيرة. تكتشف هذه الشابة زراً ينقلها إلى بعد بديل.

وحفاظاً على عامل المفاجأة، من الأفضل عدم الإكثار من الكلام عن الحبكة. ولكن يكفي أن نقول إن كايسي سرعان ما تنطلق في رحلة  برفقة فتاة (رافي كاسيدي) وقاتل مرح يؤدي دوره جورج كلوني (فرانك، الولد في أول الفيلم، يكبر ويصبح رجلاً يطلق وسيلة نقل عبر المجرات مستمداً الوحي من بطة مطاطية). وبعد الانتهاء من الجزء الافتتاحي الحافل بمشاهد مذهلة، يتوجه هذا الثلاثي إلى عوالم مألوفة ومدهشة في آن مع أشرار لا يرتدعون شبيهين بما نراه في أفلام Matrix.

لا يختلف المحور الأهم في الفيلم عن المحور الأهم في حياة بيرد الحقيقية: عالم الواقع المرير ولمَ نبدو في عجلة من أمرنا لبلوغه إما من خلال أفلامنا أو استسلامنا الثقافي.

يقول بيرد: {عندما كنا نتحدث داموند وأنا عن هذا المشروع في البداية، رحنا نتساءل لمَ تختفي مفاهيم الناس عن المستقبل التي كانت مشرقة في السابق}.

كان هذا المخرج في مطعم مشهور في وسط المدينة يتناول فطوره متأخراً في صباح أحد أيام العطلة، بعدما قدم بالطائرة من سان فرانسيسكو، حيث يعيش وزوجته، ليجري مناقشات مع نجمة Ratatouille جانين غاروفالو في اليوم السابق. فراح يتحدث عن ذروة الانهزام.

قال متحسراً: {عندما كنا صغاراً، كان الناس يملكون أفكاراً إيجابية جداً عن المستقبل، مع أن العالم كان يشهد تطورات سيئة. فحتى معرض العالم عام 1964 أقيم خلال الحرب الباردة. ولكن ساد شعور أننا نستطيع التغلب على ذلك. لكننا نتصرف اليوم كما لو أننا ركاب على متن حافلة لا يمكننا تحديد وجهتها، متجاهلين واقع أننا نكتب جماعياً المستقبل كل يوم، وأننا نستطيع أن نجعله أفضل مما قد يكون}.

في بيرد يجد عالم الأفلام مخرجاً مستعداً لإعداد فيلم تصل كلفته إلى نحو 200 مليون دولار ومن ثم تضمينه كثيراً من الأفكار ومشاعر التفاؤل العميقة: مهمة قد تبدو متأثرة بعالم والت ديزني لمعجبيه وبجنون جيميني كريكت لنقاده.

 

طموح ومثالية

 

تذكر القصة أن بيرد، حين كان صغيراً، قام بجولة في ديزني مع والديه، وأعلن أنه سيكون ذات يوم معد أفلام في هذه الشركة. وبعد بضع سنوات، أعد فيلم «أنيماشين» يدوي الصنع. ما كان يعرف ما عليه أن يفعل به. إلا أن والديه شجعاه على إرساله إلى معد أفلام والت ديزني الغني عن التعريف ميلت كال. فقرر هذا الأخير تعليمه هذا الفن.

قد تبدو هذه القصة خيالية متفائلة بأصولها الزاهية، على غرار ما نراه في أفلام براد بيرد، غير أن المخرج يؤكد صحتها. لا شك في أن هذه الحادثة تُظهر روح بيرد الطموحة، التي لم يتخلَّ عنها في مسيرته الإخراجية والتي جعلته مثالياً في عالم بناء السلع الخفيفة. وبعدما ذهب إلى معهد كاليفورنيا للفنون مع مبدع شركة بيكسار جون لاستر، اضطر إلى الانتظار سنوات قبل أن يخرج فيلمه الأول، وهكذا أمضى الجزء الأكبر من تسعينيات القرن الماضي كمستشار لبرامج The Simpsons.

لا شك في أن مقاربة بذل الجهد الأكبر تتجلى بوضوح في عمله: داش المتهور والمزاجي في The Incredibles، وريمي في Ratatouille والتفكير في أن الانتقال من المجارير إلى أهم المطابخ ليس بالأمر المهم. يقول لنديلوف إن هذا المخرج {يجب أن يضع عبارة ‘ألن يكون هذا مميزاً كفاية؟، على لوحة سيارته}.

تعني المثالية درجة أكبر من الطموح في أفلامه، مع أنها تحد من عدد هذه الأفلام. بعيد الانتهاء من The Incredibles، أراد بيرد إخراج {1906}، فيلم ضخم يعتمد مؤثرات عن زلزال سان فرانسيسكو. لكن Ratatouille كان يواجه مشاكل، واتصل به لاستر لمساعدته. وبعد بضع سنوات، وضع بيرد مرة أخرى {1906} جانباً، حين أقنعه جي. جي. أبرامز بالقيام بجزء جديد من Mission: Impossible.

يعود تردد بيرد في الانكباب على العمل في فيلم {1906} إلى عدم رغبته في تصوير فيلم محدود الميزانية: تردد {في رمي ما يكفي من البالونات في الهواء لرفع هذا المشروع عن الأرض}، على حد وصفه. لكن هذا الفيلم ما زال يفتقر إلى منتج. رغم ذلك، يؤكد بيرد أنه ما زال يحاول.

وهكذا تحول Tomorrowland إلى استراحة مبدعة جداً استعداداً لفيلم {1906}. أبصر هذا المشروع النور، عندما اتصل لنديلوف برئيس قسم الإنتاج في ديزني شون بايلي ليسأله عما إذا كان منتزه ديزني Tomorrowland سيشهد أي تطورات مبدعة. وعندما أجابه بايلي بالنفي، بدأ لنديلوف وبيرد بعيد ذلك بطرح الأفكار. بدا الفيلم في بدايته أشبه بمطاردة (نوع من الأحاجي التي تتخذ من منتزه Tomorrowland خلفية لها)، قبل أن يتحول إلى شكله الحالي عن المستقبل وما يخبئه.

راح بيرد يتحدث بمرح وحماسة رجل في منتصف العمر، متكلماً بصراحة وبصوت عالٍ. لكن هذه الواجهة تخفي وراءها عناداً كبيراً، عناداً يتيح له، وفق العاملين معه، إثبات نفسه بوضوح إن ظن أنك لا توافقه الرأي في مهمته.

لكن بيرد يمتاز، أيضاً، بحساسية داكنة. أمضى بيرد ولينش كلاهما الجزء الأكبر في طفولتهما في الشمال الغربي الكثير التقلبات. ولدا في مونتانا على بعد نحو 160 كيلومتراً أحدهما عن الآخر. وإذا اعتبرنا أن لينش يملك قلباً أسود يخترقه سراً خيط مشمس، يكون بيرد العكس. فهو مستعد أن يقبع في الظلمة قبل أن يسمح للنور بالسطوع.

رغم تعاونهما اللصيق، لا يُعتبر بيرد، بالتأكيد، صديق لاستر الذي يرتدي قمصاناً مزركشة وملونة ويظل دوماً في حالة من السعادة. ولا عجب في أن ليستر يفضل من  بين أفلام ديزني Dumbo، في حين يحتاج بيرد Pinocchio: كلاهما فيلم كرتوني كلاسيكي يحمل لمحة من السحر، إلا أن وجهات نظرهما تختلف عند عرض طبيعة الروح البشرية.

قال بيرد: {أملك جزءاً ساخراً من شخصيتي. إلا أنني أظن، في النهاية، أن جزءنا الأفضل سينتصر. أفكر في كاري غرانت، الذي أطلق عليه في بداية حياته اسم أرتشي ليتش وكان يملك تلك اللهجة الغريبة. لكنه اعاد ابتكار كاري غرانت وعمل لإنجاحه. هكذا باختياره أن يكون كاري غرانت، أصبح كذلك.

وتابع مضيفاً حماسة لا تُعتبر غير مألوفة في حرم جامعات سيليكون فالي قرب منزله: {لا أعلم لمَ لا يفكر الناس في العالم بالطريقة عينها}.

حبكات معقدة متأججة

وإن أصابت فكرة أن الأفلام مثيرة للاهتمام لأنها ترتبط مباشرة بصراع معديها، يكون بيرد في وضع جيد. سلك هذا المخرج درباً غير اعتيادية، محققاً نقلة بالغة الصعوبة من عالم {الأنيمايشن} إلى أفلام الحركة، ساعياً في الوقت عينه إلى إبقاء الحبكات المعقدة متأججة تحت عباءة تفاصيل القصة الكثيرة.

يشير صانع الأفلام كريستوفر ماكاري، الذي انضم إلى فريق Mission: Impossible — Ghost Protocol خلال مرحلة الانتاج للعمل على نص هذا الفيلم، إلى أن {براد يتمتع بحاسة نظر ذكية يضاهيها إحساس طبيعي بالقصة. وهذه بالتأكيد حالة نادرة لدى المخرجين، لأننا غالباً ما نميل إلى ما هو بصري}.

رغم ذلك، يبقى من الصعب الترويج لخليط من المفرقعات الروائية وأخرى حقيقية. ينزل Tomorrowland إلى دور العرض في شهر الذهاب إلى السينما. وسيتشارك في صالات العرض مع Avengers: Age of Ultron، Mad Max: Fury Road، وSan Andreas. لكن هذه الفترة تحفل بالتشكيك والتردد بين مرتادي السينما. ومن المؤكد أن حبكة عميقة تُعتبر صعبة بما فيه الكفاية، فكم بالأحرى إن أضفنا إليها إحساساً بالتساؤل القائم على التأمل؟

لكن ارتكاز Tomorrowland على مفهوم حقيقي لا عملاً مشهوراً، كما تذكرنا وسائل الإعلام في هذا المجال باستمرار، يشكل عقبة أمام تسويقه. لكن التحدي الأكبر لا يكمن في هذا المفهوم عموماً، بل في المفهوم المميز الفريد الذي يشكله الفيلم بحد ذاته، ما يجعله عملاً لا يمكن تفسيره ببساطة.

لكن الأكثر إثارة للجدل ستكون على الأرجح النهاية التي تذكر، من دون أن نفسد عليك المفاجأة، بنظرة بيرد إلى العالم بكل تأكيد.

رغم ذلك، يؤكد بيلي من ديزني أن كل هذا لا يخيف الشركة. ويضيف: {يشكل هذا الفيلم رهاناً كبيراً وجريئاً. لكننا نحتاج إلى أفلام مماثلة}.

قال بيرد إنه شعر بأن أفلاماً مثل Tomorrowland عليها أن تحمل رسالة أشمل. وبعدما عدد توقعات وول ستريت السيئة لأعمال مميزة من إعداد بيكسار مثل Ratatouille، Up، وWall-E، ذكر: {ظلوا يرددون: ‘سيشكل هذا الإخفاق الأول’ لأنه أمر يجهلونه. لكنهم أخطأوا دوماً}.

وفي تعليق عن تفادي القديم الذي لا يلائم البتة Tomorrowland، أضاف: {علينا أن نسكت هذه العقلية وتلك الأصوات الخائفة والجاهلة. علينا أن نتبنى أفكاراً جديدة، وإلا لن يتبقى لنا شيء في النهاية}.

back to top