كنوز هتلر المفقودة... ظهرت!

نشر في 06-06-2015 | 00:01
آخر تحديث 06-06-2015 | 00:01
يملك موس المال ولوحة مزيفة لبيكاسو لكنه لا يحمل أي اسم أول. هو في الستينيات من عمره ويعيش بالقرب من دالاس، تكساس. وفق شركة محاماة أميركية كبرى، يملك موس 250 مليون دولار، لكن لا أحد يعلم كيف جمع ثروته. يجمع هذا الأميركي تُحَفاً لها تاريخ غير مألوف، ويبدي استعداده لدفع أي ثمن مقابل الحصول عليها.

في شهر يناير، وقع في حب حصانَين برونزيين من صنع أحد الفنانين المفضلين لدى أدولف هتلر، النحات جوزيف ثوراك. كانا قد اختفيا منذ فترة طويلة، لكن علم موس أن أحد تجّار التحف الفنية كان يبيعهما مقابل 8 ملايين دولار. لا مشكلة بالنسبة إلى موس. ما كانت لتبرز أي مشكلة بالنسبة إليه لو أنه موجود فعلاً، فهو من اختراع التحري الهولندي المتخصص بشؤون التحف الفنية، آرثر براند، الذي ابتكر هذه الشخصية كطريقة للتعامل مع السلع التي كان تاجر التحف يعرضها للبيع، بما في ذلك حصانا ثوراك وسلع أخرى كان النازيون يعطونها قيمة كبرى.

بمساعدة موس، نفذت السلطات أخيراً عملية متقنة. في ما يلي تفاصيل العملية كما عرضتها «شبيغل».

في منزل جامع التحف بالقرب من كييل في شمال ألمانيا، وجد ضباط الشرطة منحوتة برونزية ضخمة لمحارب عارٍ يحمل سيفاً بيده الممدودة. يظن الخبراء أنها قد تكون منحوتة {الجيش الألماني}، وهي واحدة من منحوتتين صنعهما آرنو بريكر (نحات رفيع المستوى بالنسبة إلى النازيين) لتوضع في فناء دار مستشارية الرايخ الجديد في عهد هتلر في عام 1939.

في باد دوركهايم في جنوب غرب ألمانيا، وجد الضباط ثلاثة نقوش ضخمة من الغرانيت خارج مستودع، وكان بريكر قد صنعها لقوس النصر في جرمانيا التي خطط هتلر لجعلها عاصمة العالم. وصلت القطع إلى القوات السوفياتية بعد الحرب العالمية الثانية. كانت تلك النقوش جزءاً من مجموعة تعود إلى رجل الأعمال راينر وولف الذي اكتشف المحققون في ملكيته الشاسعة ستة تماثيل برونزية كبيرة أيضاً.

قيمة فنية

ستصل القطع الفنية إلى الحكومة الألمانية التي تملك المنحوتات على الأرجح، ما يجعل شراء تلك القطع أو بيعها عملاً غير شرعي.

إدلترود إيميل ساور صاحبة معرض فني سابقاً في برلين. تدعي أن زوجها الثري ترك لها ممتلكاتها منذ فترة طويلة. ثم خلال التسعينات، تم الاحتيال عليها وسُلبت منها بقية ثروتها على يد أمير هندي مزيف في لندن، اضطرت اليوم إلى العيش في شقة صغيرة في برلين وهي لم تعد تملك إلا أكوام كتب. في سبتمبر 2013، اتصل تاجر سيارات سابق من برلين بإيميل ساور. كان قد واجه تهماً بسبب عجزه عن سداد الديون وبتهم الإفلاس وتبييض الأموال، لكنه يقدم خدماته الآن باعتباره مستشاراً فنياً ويعرض على عملائه {فرصاً استثمارية بدءاً من 50 ألف يورو، ويوفر سلعاً متنوعة}.

أراد تاجر السيارات السابق أن يعرف إذا كانت مهتمّة باقتناء منحوتتين عملاقتين على شكل حصانَين للفنان النازي ثوراك. في رسالة إلكترونية لاحقة، كتب لها أنه سيطلب 3.1 ملايين يورو مقابل المنحوتتين، {بما في ذلك كلفة النقل الجوي إلى المطار}. حين سألته ساور عن مالك المنحوتتين، ألمح إلى أن الصفقة تشمل {سيد المعبد الأكبر}، لكنه لا يستطيع تقديم أي تفاصيل.

بعد القيام ببعض الأبحاث في مكتبة برلين للفنون، اكتشفت ساور أن الحصانين يُفترَض أن يكونا المنحوتتين اللتين صُنعتا لدار مستشارية الرايخ الجديد في عهد هتلر قبل أن تختفيا. اتصل تجار آخرون بساور خلال الأشهر اللاحقة. ادعى أحدهم أن المنحوتتين هما {من عقار تملكه واحدة من أغنى العائلات في ألمانيا}، بينما أوقف تاجر آخر المفاوضات لأنه لا يحب الناس {الذين يكثرون من طرح الأسئلة}.

شخصية سيئة السمعة

ما يجهله التجار أن تلك المرأة كانت مُخبِرة للشرطة منذ سنوات. في سبتمبر 2013، اتصلت برينيه ألونج، رئيس قسم التحقيق بقضايا التحف الفنية في مكتب ولاية برلين للتحقيقات الجنائية. ثمة لوحة أصلية لفولفغانغ بلتراتشي في مكتبه. رُسمت اللوحة التي تحمل عنوان {شخصيتان في مشهد} بأسلوب الألماني هاينريش كامبيندونك. في عام 2010، أدى تحقيق أجراه ألونج وفريقه إلى إدانة بلتراتشي بتهمة تزوير اللوحات. كانت هذه القضية الأكثر إبهاراً في مسيرة ألونج. في تلك المرحلة، لم يكن قد أحرز تقدماً ملموساً في قضية العثور على الحصانَين، فتحقق من جميع التجار المحتملين ودقق في المعلومات والتحقيقات الحاصلة، لكن لم يتوصل إلى أدلة. مع ذلك، لفت نظره مقطعان في رسائل إلكترونية من ساور. كتب البائع الأول: {كان البائع السابق يدعى راينر وولف، ويملك المنحوتتين البرونزيتين على الأرجح مع السيد ب.}. أما البائع الثاني، فهو يدّعي أن القطعتين تعودان إلى {واحدة من أغنى العائلات في ألمانيا}. من كان يعني تحديداً؟ لم يكن ألونج يعرف بشأن مكالمة هاتفية تلقاها رجل اسمه ميشال فان راين في 13 يناير 2014.

تعجّ سوق الفن الدولية بشخصيات متنوعة، لكن كان الهولندي فان راين معروفاً بسمعته السيئة. خلال الستينيات، تعاون مع شخصيات أرمنية لتهريب أيقونات فابرجيه من الاتحاد السوفياتي إلى بيروت. وفي السبعينيات، تاجر بجداريات وأيقونات مسروقة من قبرص. خلال الثمانينيات، دفع 700 ألف دولار في إيطاليا مقابل لوحة تظهر فيها فتاة رسمها ليوناردو دافنشي، وبعد سنة باعها إلى متحف ياباني مقابل 14.5 مليون دولار. أرادت السلطات الإيطالية أن تعتقله بتهمة تصدير كنوز ثقافية وطنية بطريقة غير شرعية، لكن سرعان ما تبين أن اللوحة مزورة.

سُجن في ماربيلا، إسبانيا، بعدما عرضت المافيا اليوغوسلافية جائزة مقابل القبض عليه في أمستردام، فأطلق القتلة النار عليه لكنهم أصابوا ساقه فقط وبدأ الإنتربول يبحث عنه. لكن خلال التسعينيات، غيّر ولاءه وبدأ يعمل مع مكتب التحقيقات الفدرالي وشرطة اسكتلندا. يعيش اليوم في شمال إيطاليا. في منتصف يناير 2014، تلقى اتصالاً من أحد معارفه القدامى في أنتويرب، وهو تاجر التحف ستيفن دي فرايز (غيّر المحررون اسمه). أراد الأخير أن يعرف ما إذا كان فان راين مهتماً بالسلع العائدة إلى عهد الرايخ الثالث لأنه يملك تحفة جميلة، فأبدى راين اهتمامه. في رسالة إلكترونية موجّهة إلى راين، كتب فرايز: {مرحباً ميشال، قمت باتصال مباشر. رفض عميلي العرض بسبب الحاجة إلى حمل أمتعة كثيرة. لكن أظن أن ما حصل يصبّ في مصلحتك. يجب أن ندفع مليون ونصف يورو. يجب أن نتحرك بسرعة. اتصل بي}.

ألحق دي فرايز كتيّباً من 14 صفحة بالرسالة الإلكترونية، تشمل الثالثة منها صورة ملونة كبيرة التُقطت في مستودع معاصر. كان الحصانان المفقودان لثوراك يقفان على منصّتين، أمام ستار عازل. وقف بالقرب منهما رجلان: رجل مسنّ يرتدي بذلة وشاب يرتدي سروال جينز. في رسالة إلكترونية تم إرسالها سابقاً، كتب فان راين: {مهم جداً. يجب أن تعرف هوية المالك، ويجب أن تكون متأكداً}.

بعد ساعتين، أجاب الرجل البلجيكي: {أنا وحدي أتحكم بهذه الصفقة منذ فترة. أراد عميل في الولايات المتحدة تقديمهما إلى المتحف في بالتيمور، لكن رفض المجلس العرض. الجهة المالكة عائلة معروفة (فليك) في ألمانيا، وقد كانت متورطة في أحداث الحرب. أُدين فريدريك فليك في محاكمات نورمبرغ، لكنه تحول إلى أحد أغنى الناس في ألمانيا مجدداً. فقررت العائلة بيع كل ما يرتبط بتلك الفترة، بما في ذلك الحصانان}.

{الظروف السياسية}

اعتبر دي فرايز أن ممثلاً للعائلة سيكون مناسباً كوسيط وأنه على تواصل مباشر مع ذلك الشخص. كان الوقت عاملاً جوهرياً بحسب رأيه لأن التجار أرادوا التخلص من الحصانين {نظراً إلى الظروف السياسية السائدة. اتصل بي لمناقشة التفاصيل}. لم يأخذ راين أي مبادرة لبضعة أيام قبل الاتصال. لكن بدل الاتصال بالرجل الموجود في أنتويرب، اتصل برقم في أمستردام: رقم التحري أرثر براند، وهو خبير آخر في هذا المجال. في عام 2014، كشف براند أن جوليانا، ملكة هولندا السابقة، اشترت قطعاً كان قد سرقها النازيون. كانت الفضيحة مدوّية. قال راين: {لدي عرض لك. أعلم أنك تحقق بقضايا مماثلة. لم أعد أقوم بهذه الأمور}.

هكذا بدأ رجلان يحققان بالقضية نفسها: ألونج في برلين وبراند في أمستردام. صحيح أن أياً منهما لم يعرف بعمل الآخر، لكن كان هدفهما مشتركاً: إيجاد حصانَي ثوراك وقطع مفقودة من مجموعة الكنوز الخاصة بالنازيين.

يوم السبت، 27 نوفمبر 1943، كتب جوزيف غوبلز في يومياته: {أبراج جميلة على نحو مخيف وحمراء بلون الدم تخترق سماء برلين. بالكاد أستطيع متابعة تأمل الصورة}. بعد ثالث هجوم واسع يطلقه مفجرون بريطانيون خلال أسبوع، اشتعلت المنطقة التي تشمل مقر الحكومة بمحاذاة فيلهلم ستراس وكنيسة القيصر فيلهلم التذكارية وحديقة الحيوانات طوال أيام. ربما كان الناس يموتون في العاصمة، لكن سُرّ هتلر حين علم أنّ تماثيله البرونزية الغالية أصبحت بأمان. أخذها وزير التسليح والإنتاج الحربي ألبرت شبير إلى منطقة ريزن في أودربروخ على طول الحدود البولندية.

تماثيل وجهتها {جرمانيا}

هناك، على بُعد ساعة في السيارة من شمال شرق برلين، طلب هتلر من آرنو بريكر بناء {ورش عمل النحت الحجري} لنحّاته المفضل، على حساب الحكومة. بُني استوديو ضخم على طول قناة أودر- هافل. كان مليئاً بالتحف النازية الرخيصة. وكان الحصانان من دار المستشارية في عهد الرايخ محفوظَين هناك، وذكرا في قائمة الموجودات التي تم إعدادها لموقع ريزن في عام 1943.

بناءً على أوامر شبير، صمم ثوراك الحصانَين كنموذج لـ}مجموعة التتويج} في مقر تجمّع الحزب النازي في نورمبرغ، حيث كان يجب استعمالهما لتزيين {منبر القائد} في {ميدان المسيرة}، إلى جانب تمثال عملاق لإلهة النصر وحاملي دروع ورجلين يقودان الأحصنة. وصل نموذجان على شكل حيوانات برونزية ضخمة إلى شرفة هتلر، وقد كانا على الأرجح هدية من النحّات. كان ثوراك، مثل منافسه الأساسي بريكر، مصمماً على أن يكون جزءاً من المشروع المرموق الخاص بالدكتاتور.

فنان {لا بديل عنه}

في 11 فبراير 1937، كتب غوبلز في يومياته: {ثوراك أقوى موهبة لدينا في النحت. يجب أن نعطيه عمولات}. طلّق النحات زوجته كي لا يعرّض مسيرته للخطر. في عام 1937، عُيّن أستاذاً في أكاديمية ميونخ للفنون وحصد مرتبة مرموقة على {لائحة الموهوبين}، أي لائحة الفنانين الذين يُعتبَرون أساسيين بالنسبة إلى الثقافة النازية. لكن في أواخر الثلاثينيات، عبّر هتلر عن تفضيله لبريكر على ثوراك.

حين سار الجيش الأحمر نحو ريزن 1945، هُدمت ورش العمل الخاصة ببريكر ومنزله الذي كان هدية من هتلر. في أواخر سبتمبر، كتب مسؤول اسمه داميرو، وهو المسؤول عن استوديوهات بريكر، ملاحظة إلى مكتب قائده في برلين وذكر فيها: {ثمة منحوتتان برونزيتان أيضاً في الموقع: نساء جالسات، بحجم عملاق، للنحات فريتز كليمش، فضلاً عن حصانين برونزيين ضخمين}. لكن توقفت الأدلة عند هذا الحد.

آثار أولية

ظهر أثر أولي في عام 1986، حين تجول فرانك لانزندورفر، الذي سمى نفسه {فلانزندورفر}، في أنحاء ألمانيا الشرقية على دراجته المزودة بكاميرا روسية خفية. في مدينة إبرسوالد، في الجزء الشمالي من برلين، عثر على الملعب الرياضي الخاص بالثكنات السوفياتية بعد قطع بعض الغابات. فوجد هناك أنواع الصور التي كان يبحث عنها. شاهد تمثالين برونزيين لرجلَين خارقين وعاريين (للنحات أرنو بريكر)، وهما يقفان في الثلج أمام جدران اسمنتية مع شعارات ترويجية مكتوبة بالأحرف السيريلية. وقبع تمثالان برونزيان منمّقان لامرأتين عاريتين للنحات فريتز كليمش تحت بعض الأشجار.

عدَّل فلانزندورفر المواد التي حصل عليها وحوّلها إلى فيلم مدته 49 دقيقة، ترافقه موسيقى البانك، حمل عنوان {غربان بمنقار من حديد}. في أغسطس 1988، انتحر بعد وكان يبلغ 25 عاماً.

بحلول عام 1988، وصلت قصة المنحوتات النازية الموجودة في الملعب الرياضي السوفياتي إلى ماغدالينا بوشارت، مؤرخة فنية تعيش في غرب برلين. برفقة بعض الأصدقاء، قامت برحلة إلى إبرسوالد حيث صوروا المنحوتات الست سراً. بعد بضعة أشهر، نشرت الصور في مجلة {ماربورغ} تحت عنوان {لقاء مفاجئ مع معارف قدامى}.

وسط الاضطرابات التي طبعت إعادة توحيد ألمانيا، اختفت المنحوتات البرونزية الست مجدداً. في مارس 1991، سافر مراسل من مجلة {العهد الجديد} الألمانية إلى إبرسوالد واستجوب الضابط فلاديمير مورتيانيف بشأن مخابئها: {طُلب منا أن نتخلص من المنحوتات لأنها تأتي من ألمانيا في عهد هتلر. فتحولت إلى خردة معدنية. ثم جاء الألمان وأخذوها}. بعدما كتبت الصحافية تقريراً عن القطع الموجودة في الملعب الرياضي السوفياتي السابق، تلقى مسؤولون محليون أوامر من {قيادة الحزب الاشتراكي الموحد في برلين، في صيف عام 1988}، بإزالتها. ماذا حصل للحصانين إذاً؟

 فيما كان ألونج يفشل في إحراز التقدم في تحقيقاته في برلين في أواخر 2014، تلقى براند معلومات قيّمة بعدما أخبره راين عن عرض تلقاه من تاجر التحف دي فرايز. فتحلى بالصبر وانتظر طوال أشهر وكأنه أراد تجنب إثارة شبهة فرايز. أخيراً، في ديسمبر 2014، وجّه له رسالة إلكترونية. كتب أنه يتعامل مع عملاء كثيرين يبحثون عن قطع جميلة وسأل إذا كان فرايز يستطيع الاتصال به، لكن لم يجب الرجل الموجود في أنتويرب.

حصانا ثوراك

لكن في عام 2015، اتصل دي فرايز فجأةً. فسأله عما يريده. أخبره براند بأن أفضل عميل لديه يبحث عن تحف لها تاريخ مثير. كان لدى العميل رجل من دالاس اسمه موس: شخصية اخترعها براند لكسب ثقة دي فرايز. قال الأخير إنه قد يتمكن من تقديم عروض تهمّه. بعد يومين، أرسل إلى براند رسالة إلكترونية مع كتيّب يشمل حصانَي ثوراك. كانت قيمتهما ارتفعت بنسبة قياسية، لكن طلب فرايز من موس 8 ملايين يورو. فاتفقا على اللقاء في أمستردام.

قبل يوم على اللقاء، عمد التحري الرئيس في برلين، ألونج، إلى الاتصال ببراند. قال إن زملاءه في بافاريا أخبروه بأن براند أراد أن يتصل بشرطة برلين للإبلاغ عن معلومات بشأن فنون نازية مفقودة. سأله ألونج: {هل تتحدث عن حصانَي ثوراك؟}. بما أنه كان يعني الحصانين تحديداً، اتفق الرجلان على العمل معاً. السبت 21 فبراير 2015 ظهراً: تمركز أحد أعوان براند، ألكس أومهوف، في منطقة المتحف. اتفق براند ودي فرايز على اللقاء في مطعم {جورج دبليو.ب.أ.}، وكانت مهمة أومهوف تقضي بتصوير اللقاء سراً. انتظر براند في الشارع وكان يدخن سيجارة. ثم وصل فرايز في سيارة تحمل لوحة بلجيكية.

خلال المحادثة، راح فرايز يراقب الناس فتشتّت تركيزه ولم يلحظ أن براند كان يسجل اللقاء عبر كاميرا أخفاها في عروة الزر. سرعان ما تطرقت المحادثة إلى موضوع الحصانَين.

دي فرايز: {عائلة المالك لها خلفية فاشية. (يضحك). لا يزال الجد يحتفظ بتذكارات من أيام النازية. إنها عائلة نافذة ولديها صناعات... لا يزال الرجل المسن يشيد بالحقبة النازية. لكن سئم أفراد العائلة من الوضع الآن وأخبروه بضرورة التخلص من المواد النازية. يجب أن تكون عملية البيع سرية طبعاً}.

ثم تلقى رسالة نصية فقرأها بصوت مرتفع أمام براند: {الحصانان لا يزالان في الإسطبل}.

{قد يبرز عميل آخر، وهو جنرال متقاعد من الجيش الأميركي. سأقابله في جنيف خلال الأسبوع المقبل. هل أنت متـأكد من أن عميلك سيوافق على طريقة الدفع التي يجب أن تحصل عبر سويسرا؟}.

{نعم}.

{ممتاز. يمكن تنفيذ العملية إذاً عبر شركتي السويسرية. أظن أن لدى مالك الحصانَين سلع أخرى، لكن لا أعرف نوعيتها. هم يتوخون أقصى درجات الحذر. إذا كُشفت هذه المسألة في الصحافة الألمانية، ستعود القصة المحيطة بهذه العائلة إلى الواجهة. سأتحقق من السلع التي يمكن أن يعرضها المالك. أعلم أنه اقتنى يوماً سيارة مرسيدس كان يملكها هتلر}.

{هل باعها؟}.

{لا أعلم. ربما لا تزال لديه. كما أنه يملك بعض أغراض الزعيم غورينغ}.

عودة ظهور المنحوتات

طلب ألونج من فِرَقه أن تفتّش شقق ومنازل سبعة مشتبه بهم في أنحاء ألمانيا. فحققوا الهدف المنشود في منزل راينر وولف في باد دوركهايم حيث وجدوا، إلى جانب النقوش الضخمة الثلاثة، المنحوتات الست التي اختفت من إبرسوالد خلال فترة إعادة توحيد البلد. يبدو أن منحوتات هتلر عادت للظهور.

في اليوم التالي، كان فليك مستعداً للتحدث مع صحيفة {شبيغل}. قال إنه لا يرتبط بأي علاقة مع عائلة الصناعيين، وادعى أنه لم يتورط في بيع الحصانَين المنحوتَين ولم يسمع يوماً عن أي وسطاء متعددين في هذه القضية، باستثناء وولف الذي يعرفه منذ 30 أو 40 سنة. كذلك اعترف بأنه أقرض أكثر من 300 ألف مارك ألماني للرجل من باد دوركهايم في عام 1996، وقد رهن وولف حصانَي ثوراك مقابل القرض. خرج الحصانان من ملكيته مجدداً بعد سنتين، حين سدّد وولف قيمة القرض. لم يتمكن أحد من التواصل مع وولف كي يعلّق على الموضوع. اكتفى محاموه بإصدار بيان يؤكد على اقتناء المنحوتات بطريقة قانونية كونها مُلْك للعائلة منذ أكثر من 20 سنة.

أكد فليك من جهته أن التمثال العملاق للرجل العاري الذي يحمل السيف في حديقته قد يكون تمثال {فيرماخت} للنحات بريكر. وزعم أن التمثال ظهر في مستودع للخردة في مرحلة معينة وقد اشتراه {في ألمانيا الشرقية} تاجر تحف فنية من ألمانيا الغربية. ادعى أيضاً أن المنحوتة لم تكن تحمل توقيع بريكر، وقد كانت متضررة جداً عند شرائها لذا أعيد ترميمها لاحقاً. لكن يبدو أن بعض أجزائها يعود إلى المنحوتة الأصلية.

اتصل دي فرايز بصحيفة «شبيغل» عشية تنفيذ المداهمة. هل كان يعرف رجلاً شهرته وولف؟ أجاب دي فرايز: «لا أعرفه. لكن لدي صديق اسمه الأول وولف». بحسب قوله، ظن أن العملية كلها مشبوهة منذ البداية فسأل: «ذلك الرجل موس، هو غير موجود أصلاً، أليس كذلك؟».

في اليوم التالي، كتب في رسالة إلكترونية أنه كان الشخص الذي احتال على براند. قال إنه أراد أن يعرف ما إذا كان {عميل غبي مثله} سيبدي استعداده لدفع 8 ملايين مقابل الحصانَين. حين وافق موس على الصفقة وقَبِل بذلك {السعر الجنوني} مقابل منحوتات بريكر، شعر بأنه جزء من مسرحية رديئة: {أشعر بسخط عارم لأنني انجرّيتُ إلى هذه الفوضى}.

تعرّض ألونج للضغوط بدوره. حققت المداهمة نجاحاً مبهراً لدرجة أنه يواجه الآن مشكلة جديدة يجب حلّها. كيف يمكن أن يحمل أحد منحوتات ضخمة تزن عدة أطنان؟ قال إنه قدم طلباً إلى {الوكالة الاتحادية للإغاثة التقنية} لنقل المنحوتات. الكنز النازي ثقيل جداً لدرجة تستدعي اختبار الجسور لضمان أن تتحمل وزناً مماثلاً.

تعقب أثر فليك

قدم براند تقريراً حول اللقاء إلى ألونج. تمحورت تحقيقاتهما حول رجلين. في إحدى الرسائل الموجهة إلى مُخبِرته ساور، ذُكر راينر وولف، رجل أعمال من باد دوركهايم وأحد المعجبين بفن بريكر، باعتباره الوسيط. أما الرجل الثاني، فكان اسمه فليك. ذكر دي فرايز هذا الاسم في رسالته الإلكترونية إلى فان راين أيضاً. لكن إلى من كان ينتمي فليك؟ هل كان أحد أفراد عائلة الصناعيين المعروفة التي كانت على علاقة مع النازيين؟

أدى تعقب أثر فليك إلى اكتشاف عقار شاسع يقع على خليج كييل في شمال ألمانيا. كانت سمعة المالك ممتازة بين تجار التذكارات النازية. أظهرت الصور الجوية لذلك العقار وجود منحوتتين برونزيتين كبيرتين، وكانت إحداهما للنحات بريكر على الأرجح. لكن هل كان فليك ينتمي إلى {واحدة من أغنى العائلات في ألمانيا؟}. أخبر براند دي فرايز بأن موس بدأ يفقد صبره. فسأله عن موعد مشاهدة الحصانَين. حاول فرايز تأجيل الموضوع عبر عرض سلع نازية أخرى. ثم طلب 300 ألف يورو مقابل قلم، فأبدى براند اهتمامه. لكن كان العرض المتعلق بالحصانَين أكثر صعوبة، لذا عرض فرايز على براند نقش {الحارس} الذي يزن 40 طناً للنحات بريكر. كان قد وصل إلى يد الروس في ريزن بعد الحرب، وبلغ السعر المطلوب 8 ملايين يورو.

تقابل براند مع دي فرايز في أمستردام للمرة الثانية في 8 مايو. فسجل المحادثة عبر كاميرا خفية مجدداً.

- دي فرايز: «هل يريد موس أن يدفع عبر سويسرا؟».

- {نعم، كما طلبتَ}.

- {هل يمكن أن نمر بموناكو بدلاً منها؟ سأنقل عملي إلى موناكو بسبب مشاكل ضريبية}.

- {طبعاً، كل شيء ممكن}.

ثم تناقشا حول وسيط آخر يمثّل المالك.

- دي فرايز: «هو اليد اليمنى للمالك».

- براند: «هل هو محام؟».

- دي فرايز: {ربما. هو أستاذ يحمل دكتوراه}.

- براند: {معظم الألمان يحملون هذا النوع من الألقاب}.

- دي فرايز: {نعم، مثل الدكتور منجيل}. (انفجر بالضحك). حاول براند إقناع دي فرايز برؤية المنحوتات، لكن أصر التاجر على تأجيل الموضوع. دفعت مناوراته المبهمة بألونج إلى التخطيط لتنفيذ مداهمة.

back to top