لمَ يتجاهل أوباما الشرق الأوسط؟

نشر في 31-05-2015
آخر تحديث 31-05-2015 | 00:01
 معهد لوي للسياسة الدولية لنتوقف قليلاً عند باراك أوباما في تعاطيه مع الشرق الأوسط، فقد نجح قليلون من الرؤساء الأميركيين العصريين في التوصل إلى توازن بين تطبيق المثل الأميركية وتحقيق الأهداف العملية للسياسة الخارجية الأميركية، ومع أن الرئيس أوباما حصل على أوراق سيئة في لعبة الشرق الأوسط، بذل جهداً أكبر من معظم الرؤساء لتضييق الفجوة بين المثل والخطوات العملية، ويسعى أوباما اليوم إلى تحويل مفهوم شرعية الحكومة إلى العامل المحدد الأهم في العلاقات الأميركية مع الحكومات الإقليمية.

يعتقد أوباما أيضاً أن التدخلات العسكرية الأميركية تعالج العوارض لا الأسباب، وأنها لم تمنح دول الشرق الأوسط أي حافز لإصلاح الاستياء السياسي والاجتماعي الذي يؤدي إلى بروز حركات التمرد التي تواجهها المنطقة.

ومن هنا جاءت خطواته للحد من الدعم العسكري الذي يقدمه للحكومة العراقية، وقد هدفت هذه الخطوة إلى إرغام الحكومة العراقية على تحمل مسؤولية القتال العسكرية والمسؤولية السياسية لتأسيس دولة وحدة فاعلة تخرج من دوامة السياسات الطائفية والقبلية والهوية الإثنية، ويُعتبر هذا أيضاً من الأسباب التي دفعته إلى الحد من دعمه للمعارضة السورية إلى أن تؤسس قوة عسكرية لا طموحات دينية لها وتقدم بديلاً سياسياً قابلاً للحياة.

لا شك أن مشكلة مقاربة مماثلة تكمن في اعتمادها على إقرار شركائك أن عليهم كسب الشرعية لا أن تُمنح لهم، صحيح أن نهوض "داعش" وغيره من المجموعات الإسلامية المشابهة يعود إلى عدد من العوامل، غير أن الغياب الواضح لشرعية الحكومة يشكل عنصراً مهماً، وعندما يتأمل أوباما المنطقة يرى أن حلفاءه وسياساتهم يؤججون مشكلة الشرعية، مبدّين المصالح القصيرة الأمد على الحلول الطويلة الأمد.

في سورية مثلاً يبدو أن الاستياء من رفض الولايات المتحدة الظاهري قد وحّد تركيا والمملكة العربية السعودية بغية تمويل وتنسيق عمل المجموعات الإسلامية المعارضة التي يُعتبر توجهها العقائدي بعيداً كل البعد عن قيم الغرب الليبرالية العلمانية، ونلاحظ أن حملة الرياض على ما يبدو في اليمن قد جرّت واشنطن إلى صراع تفضل تفاديه، فمن المرجح أن رغبة الرياض في تشكيل ائتلاف جوي في الخليج من أجل اليمن أدت إلى إضعاف (إن لم نقل الضياع التام) دعم الخليج الجوي للمهام المناهضة لـ"داعش" في سورية.

نصل بعد ذلك إلى العراق، فتجلى استياء واشنطن من بغداد بوضوح خلال مقابلة أوباما الأخيرة، التي أشار فيها إلى أن العراقيين "إذا كانوا هم أنفسهم غير مستعدين أو قادرين على التوصل إلى التسويات السياسية الضرورية للحكم، وإن كانوا غير مستعدين للقتال دفاعاً عن أمن بلدهم، فلا يمكننا أن نقوم بذلك عنهم"، وقد عكس وزير دفاعه آشتون كارتر المشاعر عينها.

لا تُعتبر المساءلة والتفكير الذاتي من الخصائص التي تميز حكومات الشرق الأوسط، فما زالت هذه الحكومات تلجأ تلقائياً إلى لوم قوات خارجية على مشاكل الشرق الأوسط. صحيح أن هذا اللوم يحمل شيئاً من الحقيقة، إلا أن انقسامات المنطقة تعود في المقام الأول إلى تفاعلات داخلية لا خارجية، وقد التزم الرئيس باراك أوباما بنظرته هذه إلى شرعية الحكومة، أما مَن يخافون في المنطقة من أن الولايات المتحدة تفقد اهتمامها بالشرق الأوسط ومشاكله، إلا أنهم لا يفهمون السبب، فيجب أن يقرؤوا خطاب الرئيس أوباما في القاهرة عام 2009، حين أعلن:

"مهما كان المكان الذي تتأصل فيه، تضع حكومة الشعب للشعب معياراً واحداً يتبعه كل مَن في السلطة: عليك أن تحافظ على سلطتك بالتوافق لا الإكراه، وعليك أن تطالب بحقوق الأقليات، والعمل بروح من التسامح والتسوية، ومن الضروري أيضاً أن تبدّي مصالح شعبك وشرعية أعمال العملية السياسية على حزبك ومصالحه، ومن دون هذه المكونات، لا يشكل إجراء انتخابات وحدة ديمقراطية حقيقية.

ربما سئم أوباما، على غرار كثيرين آخرين، من المنطقة وعجزها عن تقدير أهمية الشمولية والشرعية، ولا شك أننا لا نستطيع لومه لأنه يتوقع أكثر من ذلك ممن يطلبون مساعدة واشنطن.

* رودجر شاناهان

back to top