ما قل ودل: الانتخابات البريطانية والانتخابات المصرية القادمة والفساد والمال السياسي

نشر في 31-05-2015
آخر تحديث 31-05-2015 | 00:01
جماهير الشعب لا تتحمس كثيرا للانتخابات، فالمعارك التي تجري بين الأحزاب حول قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر، والعدد المحدد لنواب القائمة ونواب الفردي، هي معارك للحصول على كرسي أو عدد أكبر من الكراسي تحت قبة البرلمان دفاعا عن وجودها، وليس تحقيقا للمطالب الاجتماعية للثورة.
 المستشار شفيق إمام ليس غريباً أن يترقب العالم الديمقراطي من شماله حيث الغرب الذي يمارس الديمقراطية لعقود طويلة، إلى جنوبه حيث تتطلع الشعوب إلى هذه الممارسة منذ عقود، ما ستسفر عنه الانتخابات البريطانية، والتي جرت في السابع من الشهر الجاري، فبريطانيا هي أعرق الدول الديمقراطية قاطبة.

وبالرغم من أن استطلاعات الرأي العام في بريطانيا أكدت أن فرص الفوز بين كل من حزب العمل وحزب المحافظين ستكون متكافئة، فإن نتائج الانتخابات جاءت على خلاف هذه التوقعات جميعا، لتهدي لحزب المحافظين فوزا سهلا على حزب العمال وأغلبية مريحة.

المال السياسي في بريطانيا

ولا ينكر المحللون تأثير المال السياسي في هذه الانتخابات، من خلال تدخل الشركات البريطانية فيها، فضلا عن التبرعات الكبيرة التي تلقاها حزب المحافظين، فقد أعلنت مئة شركة من كبرى الشركات في بريطانيا رفضها لأي تغيير في السياسة الاقتصادية للبلاد، ودعمهم لخطة حزب المحافظين في دعم الاستثمار وتعافي الاقتصاد، وأن تغييرها سوف يهدد فرص العمل، وكان هذا الرفض عبر خطاب مفتوح إلى الناخبين وقعه مديرو هذه الشركات، ونشروه إعلانا مدفوع الأجر في الصحف البريطانية.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يتدخل فيها رجال الأعمال، تدخلا سافرا ومباشرا في الانتخابات البريطانية، فقد سبق لهم التدخل في الانتخابات التي جرت في عام 1997، إذ أعلنوا تخوفهم من سياسة الحد الأدنى للأجور التي تبناها حزب العمال في حملته الانتخابية، وأنها سوف تؤدي إلى كارثة، إلا أن الناخب استطاع بوعيه الحضاري أن يخذل رجال الأعمال، ليفوز حزب العمال في هذه الانتخابات ويطبق هذه السياسة دون أن تحدث كارثه.

إلا أن المشهد السياسي يبدو أنه قد تغير كثيراً في بريطانيا كما تغير في العالم أجمع، فقد أصبح التخويف من فقدان فرص العمل أقل تأثيراً على الناخب، أمام تأثير المال السياسي على وسائل الإعلام في تسويق سياسة زيادة الاستثمارات باعتبارها الحل السحري لأزمة البطالة وتعافي الاقتصاد.

وجدير بالذكر أن حزب المحافظين قد حصل في عام 2014 على تبرعات بأكثر من 28 مليون جنيه إسترليني، وهو مبلغ يزيد بنسبة 36% على ما حصل عليه حزب العمال من تبرعات.

الفساد هو التحدي الأكبر

فهو أحد منابع تمويل الإرهاب، ومحاربته المعركة الأهم من معارك الانتخابات القادمة، التي يخوضها الشعب المصري بكل أطيافه وألوانه وطوائفه، وهي معركة قد يطول أمدها، ولقد أكد المنسق الإقليمي لمنظمة الشفافية الدولية بالشرق الأوسط أن مصر حصلت على المركز 94 من بين 175 دولة بمؤشر مدركات الفساد العالمي بنسبة 37%، لافتا إلى أنه مقارنة بالعام الماضي حصلت مصر على المركز 114 من بين 177 دولة، معلنا أن مصر حصلت على المركز العاشر عربيا بعد الإمارات وقطر والبحرين والسعودية والأردن وعدد من الدول.

وقد صرح المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بأن حجم الفساد المالي والإداري في مصر يصل إلى 300 مليار جنيه سنويا.

فالفساد يخوض مع الإرهاب معركته، حتى لا يواجه معركة أكثر شراسة وكلفة مع نظام الحكم، فهي معركة مؤجلة لكنها آتيه بغير شك.

ويشير د. عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان إلى أنواع الفساد، فيقول إن بعض أنواعه أملس وناعم كجلد الأفعى، وبعضها ملون كألوان الحرباء، وبعضها لا يظهر منه إلا جزء بسيط، في حين يتغطى باقيه بالماء كجبل الجليد.

ولذلك فإنه لا يغيب عن البال أن منظومة الفساد قادرة بالمال السياسي، على أن تأتي ببرلمان باللون الذي تريده، ولكن الأهم عندها أن يكون البرلمان قادرا على حماية مصالحها والدفاع عن مكتسباتها.

العدالة الاجتماعية والانتخابات

ولهذا فإن الأمل في تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال البرلمان القادم يبدو ضعيفا وباهتا، ومن هنا فإن جماهير الشعب لا تتحمس كثيرا للانتخابات، وأن المعارك التي تجري بين الأحزاب حول قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر، والعدد المحدد لنواب القائمة ونواب الفردي، هي معارك للحصول على كرسي أو عدد أكبر من الكراسي تحت قبة البرلمان دفاعا عن وجودها، وليس تحقيقا للمطالب الاجتماعية للثورة.

فمن الخطأ الظن بأن الانتخابات ستحقق لشعوب دول الجنوب أو الدول النامية العدالة الاجتماعية التي تطالب الثورات بها.

وإن ما نجحت فيه بعض دول أميركا اللاتينية: البرازيل وفنزويلا والإكوادور وبوليفيا والأرجنتين، من خلال الانتخابات في تحقيق بعض المطالب الاجتماعية للانتفاضات الشعبية التي جرت فيها، هي بسبب قوة تنظيم الأحزاب التي قادت مسيرة الاحتجاجات الاجتماعية، ووجودها في الشارع، وهو تنظيم ووجود غائب عن أحزابنا المصرية، وإن المال السياسي والقبيلة والعائلة هي الثالوث الذي يحرك اتجاه التصويت في أي انتخابات سوف تجرى في مصر.

الرؤية الاجتماعية الغائبة

ولعل غياب هذه الرؤية لدى نظام الحكم الآن في الخطط العديدة للاستثمار، وفي الجهود المبذولة حتى الآن لإصلاح الإداة الحكومية، وأيا كانت أسباب هذا الغياب، ولو كان حرص النظام على التفرغ لمعركته الكبرى مع الإرهاب، وعدم قدرته على الحرب في جبهتين، جبهة الإرهاب من ناحية، وجبهة منظومة الفساد من ناحية أخرى، غياب الرؤية هو الذي سوف يساعد هذه المنظومة على تشكيل البرلمان القادم بالشكل الذي تريده، بالمال السياسي الذي سوف تضخه في هذه الانتخابات، للإتيان ببرلمان يقف في مواجهة مطالب الإصلاح الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

ولئن كان الرئيس عبدالفتاح السيسي يقف على الحياد من هذه الانتخابات ومن الأحزاب التي سوف تخوضها، وأنه يرفض تأسيس حزب يخوضها، فإن إعلان رؤيته للإصلاح الاجتماعي ولتحقيق العدالة الاجتماعية، ولمحاربة الفساد، ولاسترداد سيادة الدولة على قرارها الوطني، هي المسؤولية الأعظم والمهمة الأنبل، لأن ذلك لن يكون سهلا إن لم نزرع في عقول الناخبين ووجدانهم بأن الرئيس لن يستطيع وحده أن يحقق تلك الرؤية، إلا بتضافر جهود البرلمان القادم معه لتحقيقها، لتدور المعركة الانتخابية القادمة على أساس هذه الرؤية، التي لم يعد منها مفر، وإنه كرئيس منتخب أولته الجماهير المتطلعة إلى هذه العدالة ثقتها، لا يجوز له أن يقف الموقف السلبي الذي وقفته المؤسسة العسكرية من الانتخابات البرلمانية السابقة.

وإن الجماهير في حاجة إلى الوعي بهذه الحقيقة وهذه الرؤية بعد أن باءت آمالها وطموحاتها بالفشل في تحقيق العدالة الاجتماعية، التي قامت ثورة 25 يناير للمطالبة بها، بعد ثلاثة استثناءات على ثلاثة دساتير، وأن أصواتها قد ذهبت سدى في تحقيق ذلك في الانتخابات التي جرت لمجلسي النواب والشورى السابقين.

وللحدث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top