جهود أميركا لمعالجة التهرب من الضرائب

نشر في 30-05-2015
آخر تحديث 30-05-2015 | 00:01
No Image Caption
 إيكونوميست  فتح «الكونغرس» الأميركي في عام 2010 ثغرة في سرية المصارف السويسرية التي كانت منيعة في الماضي، وذلك عبر إقرار قانون الإذعان لضريبة الحسابات الخارجية، حيث يرغم ذلك القانون الشركات المالية حول العالم على كشف أسماء عملائها الأميركيين أو مواجهة عقوبات.

تصدرت الولايات المتحدة حملة عالمية على المتهربين من دفع الضرائب، ومن يساعدهم على القيام بتلك العملية، ولكن الحقائق لا تتطابق مع التصريحات البلاغية.

كانت مكافحة التهرب الضريبي جزءاً أساسياً في أجندة الرئيس باراك اوباما، حتى قبل وصوله الى الحكم، بحسب أحد المتحدثين باسم الحكومة الأميركية، وحققت حملة اوباما إزاء ذلك الهدف نجاحاً لافتاً، بحسب وزارة العدل التي قادت تلك الحملة، وفي حقيقة الأمر فإن وزارة العدل الأميركية تعتبر أن تلك الحملة لمكافحة التهرب الضريبي كانت "تاريخية".

ويوجد قدر من الحقيقة في ذلك كله، وعلى سبيل المثال فتح الكونغرس الأميركي في سنة 2010 ثغرة في سرية المصارف السويسرية التي كانت منيعة في الماضي وذلك من خلال إقرار قانون الإذعان لضريبة الحسابات الخارجية، ويرغم ذلك القانون الشركات المالية حول العالم على الكشف عن أسماء عملائها الأميركيين أو مواجهة عقوبات.

وتجدر الإشارة إلى أن البنوك السويسرية دفعت المليارات من الدولارات على شكل غرامات من أجل مساعدة الرعايا الأميركيين على التهرب من دفع الضرائب، وقد اضطر بنك ويغلين، وهو الأقدم في البلاد، الى إغلاق أبوابه في سنة 2013 بعد إقراره بالذنب في مؤامرة تهدف الى التهرب من دفع الضريبة، كما أن دستة من البنوك السويسرية الكبيرة لا تزال قيد التحقيق، وانضم 100 بنك أصغر الى برنامج يمكّن تلك البنوك من تفادي الإدانة من خلال دفع غرامات والتوقف عن مثل تلك الممارسات.

ولكن الحكومة الأميركية لم تقترب من حدود الفعالية المرتبطة بتصريحاتها ومزاعمها، وكانت بطيئة في ملاحقة المتهربين من الضرائب الذين كشفتهم المعلومات التي تم تسريبها، كما أنها أخفقت في متابعة الخيوط الواعدة المتعلقة بالرؤوس الكبيرة وأحجمت عن مقاضاة البنوك الكبيرة خشية أن يفضي ذلك الى زعزعة الأسواق.

لنبدأ بالتحدث عن المعلومات المتعلقة بالمتهربين من دفع الضرائب، والتي تم تسريبها من قبل هيرفي فالشياني وهو مهندس سابق كان يعمل لدى مكتب جنيف في بنك اتش اس بي سي وهو بنك دولي مرموق، ثم اصبحت هذه القضية تعرف باسم قائمة لاغارد، حيث تم تسريبها أولاً الى كريستين لاغارد وزيرة المالية السابقة في فرنسا. وقد رفعت الولايات المتحدة دعاوى ضد حفنة قليلة من عملاء ذلك البنك، ولكن كان من الواضح أن أي اتهام لم يكن مستنداً الى تلك الملفات المسربة، كما لم يتم تقديم دعوى ضد بنك اتش اس بي سي نفسه، وهو أمر يثير التساؤل حول ما كانت تفعله الحكومة بالمعلومات التي كانت متوافرة لديها منذ سنة 2010.

من جهة اخرى، لم تدخل المعلومات التي كشفها السيد فالشياني حول التهرب من دفع الضرائب، ضمن القضية التي أجرت الولايات المتحدة مفاوضات حولها بشأن تسوية بقيمة 1.9 مليار دولار مع بنك اتش اس بي سي، والمتعلقة باتهامات بتسهيل عمليات غسل أموال. وقالت لوريتا لينش المدعية العامة في تلك القضية، والتي أصبحت تشغل الآن منصب المدعي العام، إنها لم تكن على علم بأمر الملفات المشار اليها في ذلك الوقت، على الرغم من حيازة الحكومة لها منذ سنتين، ويبدو ذلك في أحسن الأحوال مثل نقص مؤسف في التنسيق.

ثم إن غياب حدوث تقدم ملموس في رفع دعاوى متعلقة بتلك الملفات يبدو جلياً بقدر أكبر عندما طرحت القضايا ضد الاجراء السريع الذي ميز استغلالها من قبل بعض الدول الأوروبية، وفي ابريل الماضي كشف تسريب فالشياني صدور حكم بالسجن لثلاث سنوات في فرنسا على عميل سابق في بنك اتش اس بي سي، وهو وريث شركة العطور نينا ريتشي، كما أن القضاء الفرنسي وضع ذلك البنك قيد تحقيقات جنائية وطالبه بدفع مليار يورو على شكل كفالة.

وعندما قامت الادارة الأميركية بإجراء في هذا الصدد لم تكن حادة وقاسية على الدوام، وقد وضعت معظم الـ 780 مليون دولار التي وافق بنك يو بي اس، وهو أكبر بنك سويسري، على دفعها من اجل انهاء التحقيقات التي تجريها وزارة العدل الأميركية حول مساعدته للمتهربين من دفع الضرائب.

وعلى الرغم من ذلك وقبل بدء عمليات الملاحقة كان بنك يو بي اس يحتفظ بمبالع تقدر بحوالي 20 مليار دولار في حسابات اوفشور لصالح 19000 مواطن أميركي. وحتى في حال عدم التصريح عن نصف ذلك الرقم (ويعتقد الخبراء ان الرقم أعلى) فإن تلك التسوية تعادل ما يصل الى 8 في المئة فقط من أموال المتهربين من الضريبة، ويواجه ذلك البنك غرامات محتملة اشد وقد تصل الى عدة أمثال ذلك الرقم.

من جهة اخرى، أبلغ كريدي سويس، وهو ثاني أكبر بنك في سويسرا، المستثمرين أن الغرامة التي دفعها عندما اعترف بأنه ساعد المتهربين من الضرائب والتي بلغت 2.6 مليار دولار لم تكن "مادية"، وعلى الرغم من اعترافه بالذنب في مؤامرة المساعدة على التهرب الضريبي لم يتم سحب اي من تراخيصه وهي خطوة يجب أن تتم بشكل فني، ومن المقرر أن يحصل هذا البنك على اعفاء من القانون الذي يشترط عدم قيام الشركات المدانة جنائياً بإدارة أو تقديم النصح الى صناديق التقاعد.

وكان لدى بنك كريدي سويس ما يصل الى 22000 عميل أميركي من المتهربين من دفع الضراائب، وفي سنة 2011 حصل الادعاء العام على قرار يجبر البنك بالكشف عن أسمائهم، ولكن ذلك لم يدخل إلى حيز التنفيذ، ويرجع ذلك بشكل جزئي الى قلق المسؤولين من أن مثل ذلك الاجراء سوف يطلق سلسلة من الأحداث يمكن أن تلحق الضرر بصورة كبيرة بسمعة البنك، لأن مثل ذلك العمل قد يدفع الحكومة السويسرية الى أن تأمر البنك بعدم الانصياع وسوف تعتبر المحاكم الأميركية مثل ذلك التصرف ازدراء لها، وتضطر الى فرض غرامات كبيرة يومية، وفي نهاية المطاف قدم البنك 238 اسماً فقط.

وتنكر الحكومة تساهلها في هذا الصدد، وتشير الى أنه منذ سنة 2009 رفعت دعاوى جنائية ضد أكثر من 100 من أصحاب الحسابات المصرفية والعشرات من الأشخاص الذين ساعدوا على تسهيل تلك العمليات، وكان من بينهم عشرة من الهاربين على الأقل، كما أن وزارة العدل الأميركية أعلنت أنها حققت نتائج ملائمة في أكثر من 95 في المئة من كافة القضايا المدنية والجنائية المتعلقة بالضرائب.

ولكن تلك الأرقام مضللة لأن الادعاء العام يميل فقط الى رفع قضايا عندما تكون احتمالات كسبها عالية – والبعض من انتصارات الادعاء العام كان موضع شك كما كان الحال في قضية امرأة في التاسعة والسبعين من العمر وقد ورثت الحساب المصرفي عن زوجها في أحد البنوك السويسرية، وكان أن تعرضت الى حكم بالسجن لمدة 6 سنوات على الرغم من أنها اعترفت بامتلاكها 67000 دولار من الضرائب التي لم تدفع.

وكانت القضية الأكبر على الاطلاق – ضد راؤول ويل وهو رئيس العمليات المصرفية العالمية الخاصة في بنك يو بي اس – قد انتهت الى فشل محرج، وتم تسليم ويل الى السلطات الأميركية في سنة 2013 بعد اعتقاله في ايطاليا، وكان شاهد الادعاء العام الرئيسي في محاكمته التي جرت في نوفمبر الماضي هو مارتن ليختي، وهو رئيس سابق للعمليات المصرفية الخاصة في الأميركيتين لدى بنك يو بي اس، والذي شهد أن رئيسه كان يعلم حتى سنة 2002 بأن الآلاف من الحسابات في البنك لم تتقيد بقوانين الضرائب الأميركية.

وقد اتهم محامو الدفاع السيد ليختي – الذي وعدت الحكومة بعدم مقاضاته إذا ساعد في قضايا اخرى – بالكذب من أجل انقاذ نفسه، وتعرض الادعاء العام لانتقادات واسعة وبرأت هيئة المحلفين ليختي بعد ساعة واحدة فقط من المداولات.

وفي غضون ذلك اشتكى المتذمرون من أن المسؤولين الأميركيين جعلوا الحياة صعبة وشديدة القسوة بالنسبة اليهم، وقد ساعد برادلي بيركنفيلد من بنك يو بي اس على تحريك واثارة اجراءات القمع والملاحقة ضد البنوك السويسرية في سنة 2007 عندما طرح روايات عن عمليات تهريب للماس في معاجين الأسنان لصالح عدد من العملاء. وقد تلقى في نهاية المطاف جائزة بمبلغ 104 ملايين دولار من خدمة الدخل الداخلي وذلك في اشارة الى الدور المركزي والمهم الذي قام به في كشف عمليات التهرب من الضرائب، ولكنه كان الموظف الوحيد في بنك سويسري يمضي عقوبة في سجن أميركي بسبب مساعدته للعملاء على التهرب من الضريبة، وكان أن أمضى في السجن فترة تزيد على عامين وهي أطول من أي فترة قضاها أي من عملائه السابقين.

ويستمر محققو الضرائب في الولايات المتحدة في التركيز بشكل رئيسي على سويسرا حتى مع تراجع حصيلة جهودهم في هذا الشأن، وقد تعثر برنامج المئة بنك مع تحقيق ثلاثة بنوك فقط لتسويات مع وزارة العدل الأميركية فيما كان من المتوقع قيام معظم البنوك بمثل تلك الخطوة الآن. والطريقة الوحيدة الجلية لجعل الملاحقات أكثر فاعلية هي توسيعها بحيث تشمل الملاذ الآمن الذي ظل حتى اليوم محصناً، وعلى سبيل المثال فإن شركات المحاماة في بنما تشارك في كيانات تستخدم من قبل المتهربين من دفع الضرائب، وكانت تلك الدولة بطيئة في توقيع اتفاقات ثنائية تنص على تبادل معلومات حول الضرائب.

back to top