الأدوية... هل نتابع أخذها بلا سبب

نشر في 30-05-2015 | 00:01
آخر تحديث 30-05-2015 | 00:01
متى كانت آخر مرة ابتلعت فيها حبة دواء؟ لا شك في أنك فعلت ذلك منذ فترة قصيرة، حتى لو كنت تتمتع بصحة جيدة. يزداد عدد الأشخاص الذين يأخذون الأدوية كجزء من روتينهم اليومي: هم لا يفعلون ذلك لمعالجة مرض معين بل للوقاية من الأمراض. كشف استطلاع حديث أن 43% من الرجال و50% من النساء في إنكلترا تلقوا وصفة بأخذ دواء معين خلال الأسبوع السابق للاستطلاع، وكان نصف المشاركين يأخذون ثلاثة أدوية.

مع ارتفاع متوسط العمر المتوقع، يعتبر عدد كبير من الناس أن الوقاية هي السبيل المنطقي لعيش سنوات إضافية من دون الإصابة بالأمراض. لكن يجب توخي الحذر والتنبه إلى درجة شيوع الأدوية في مجتمعنا اليوم. تقول الدكتورة غيرادا: {قد تعطي الأدوية الوقائية منفعة هائلة للأشخاص الأكثر عرضة للأمراض، لكننا نبالغ في أخذ الأدوية}. هي تؤكد على أنها اعتادت على مقابلة مرضى يأخذون 15 دواءً مختلفاً.

بحسب رأي كليم مكفيرسون من جامعة أوكسفورد، يمكن أن يبالغ الأطباء وصانعو القرار في التركيز على منافع الدواء لدرجة أن يغفلوا عن آثاره العكسية على المرضى.

يشعر بعض الناس بالراحة عند اتخاذ خطوة استباقية في ما يتعلق بالوقاية من الأمراض. لكنها قد تكون في بعض الحالات مجرّد وهم. قد تلهينا هذه المقاربة أيضاً عن الأسباب الاجتماعية الواسعة للأمراض مثل الكحول والبدانة والوحدة، علماً أن أياً من هذه العوامل لا يمكن معالجته بحبة دواء.

يحمل تعدد الأدوية التي تُؤخَذ في الوقت نفسه مجازفة كبرى أيضاً. توضح غيرادا: {نعلم ما سيحدث إذا أخذ أحد المرضى نوعاً من الستاتين. لكننا لا نعلم ما يحصل إذا كان يأخذ الستاتين مع حبة فيتامين D وحبة أسبرين ونوع من مثبطات مضخة البروتون لوقف الأثر الجانبي المرتبط بنزيف المعدة}. وجدت دراسة بريطانية أن 6.5% من حالات دخول المستشفى تنجم عن الآثار الجانبية التي تسببها الأدوية.

يتعلق جزء محوري من الجدل القائم بطريقة التعاطي مع الأدلة المرتبطة بالدواء الوقائي. يصف الأطباء عدداً كبيراً من الأدوية مثلاً لتجنب حالات لم تُبتكَر تلك الأدوية لمعالجتها أصلاً. يقول مكفيرسون: {نبتكر دواءً لتخفيف مشاكل الناس ونختبره لتحديد مفعوله لكن ينتهي بنا الأمر باستعماله لأسباب وقائية لا علاجية، وتتراجع في هذه الحالة منافعه مقابل زيادة أضراره المحتملة}.

يأخذ كثيرون حبة دواء على الأقل في اليوم. لكن قد تؤدي هذه الأدوية كلها إلى الشعور بالمرض بحسب رأي كلوي لامبرت.

• أدوية الستاتين

منتجات الستاتين من الأدوية الأكثر شيوعاً في العالم ويقال إنها تخفّض خطر النوبات القلبية والجلطات الدماغية عبر تخفيض الكولسترول في الدم. اليوم، يستعملها شخص من أصل أربعة راشدين أميركيين فوق عمر الخامسة والأربعين. لكن بعد اعتبارها أدوية خارقة في السابق، عادت لتظهر في عناوين الأخبار خلال السنوات الأخيرة بسبب مخاوف متعلقة بالسلامة ومفعول استعمالها لدى الأصحاء.

كانت التوجيهات العامة تدعو إلى ضرورة استعمال الستاتين بعد الإصابة بنوبة قلبية أو جلطة دماغية. لكن يزداد عدد الذين يأخذونها من دون أن يكونوا قد أصيبوا يوماً بمشاكل في القلب. في بريطانيا، كان كل شخص معرّض للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 20% خلال العقد اللاحق يُعتبر مؤهلاً لأخذ جرعة يومية من الستاتين... حتى السنة الماضية! غداة تحليل شمل 27 تجربة، خفّض {المعهد الوطني للصحة وتفوق الرعاية} عتبة الخطر إلى 10%، مع أخذ عوامل أخرى بالاعتبار مثل كتلة مؤشر الجسم ومستويات ضغط الدم والكولسترول.

يعني ذلك إضافة 5 ملايين شخص إلى سبعة ملايين آخرين ممّن يأخذون أصلاً منتجات الستاتين في إنكلترا وويلز وحدهما. في الولايات المتحدة، تراجعت عتبة الخطر بنسبة إضافية: بعد صدور توجيهات جديدة في عام 2013، يوصى بهذه الأدوية الآن للأشخاص المعرّضين لنوبة قلبية بنسبة 7.5%.

تشير تقديرات {المعهد الوطني للصحة وتفوق الرعاية} إلى أن الاستراتيجية التي يطبّقها يمكن أن تحمي من 28 ألف نوبة قلبية و16 ألف جلطة دماغية كل سنة. كذلك تبقى أدوية الستاتين أقل كلفة من العلاج الذي يجب أخذه بعد وقوع حوادث مماثلة. لكن قوبلت زيادة استعمال الأدوية بمقاومة شديدة من الأطباء والمرضى لأنهم اشتبهوا بمفهوم معالجة الأشخاص الأصحاء.

مقابل الوقاية من نوبة قلبية، سيرتفع عدد الذين يأخذون الدواء من دون فائدة. يقول كليم ماكفيرسون من جامعة أوكسفورد: {بالنسبة إلى الأشخاص الأقل عرضة للخطر (10%)، تخفّض أدوية الستاتين نسبة الخطر إلى 8%. لكن لا يُعتبر هذا الفارق (3%) المرتبط باحتمال التعرض لأزمات قلبية كبيراً جداً. إذا احتجت إلى أخذ دواء كل يوم، يجب أن تتساءل إذا كان هذا الرهان يستحق العناء}.

في حالات كثيرة، قد يعطي ذلك الرهان آثاراً جانبية. شككت دراسة ومقالة لاحقة نُشرت في {المجلة الطبية البريطانية} بالبيانات التي ترتكز عليها توصيات {المعهد الوطني للصحة وتفوق الرعاية}، فحذرتا من أن بعض التجارب الواردة في التحليل مولتها شركات تصنيع منتجات الستاتين وأن البيانات حول الآثار الجانبية كانت ناقصة.

غالباً ما يشتكي المرضى الذين يأخذون أدوية الستاتين من ألم عضلي، مع أن هذا الأثر لم يتم رصده في التجارب الكبرى التي شملت مجموعة مرجعية تأخذ الدواء الوهمي. ذكرت المقالة التي نُشرت في {المجلة الطبية البريطانية} أن فرداً من كل خمسة أشخاص يأخذون الستاتين يختبر أثراً جانبياً معيناً، مع أنها عادت وسحبت الادعاء بعدما شكك روري كولينز، باحث رائد في مجال الستاتين من جامعة أوكسفورد، بدقة الإحصاءات المستعملة.

لكن لا تزال التقارير المشبوهة تتوالى. يوضح ديفيد برايس من جامعة غلاسكو: {يقول أطباء إنهم يقابلون دوماً مرضى يشتكون من الأمر نفسه، وهم يشعرون بأن المشكلة تتعلق بالستاتين. لا يبدو الوضع كذلك في التجارب، لكننا نحتاج إلى إيجاد جواب أفضل}.

لكن ثمة رابط مع السكري على ما يبدو. درس برايس الرابط القائم بين الستاتين والنوع الثاني من السكري. يقول إن جرعة متوسطة من الستاتين ترفع الخطر بنسبة 10%، ويتابع الخطر تصاعده بحسب حجم الجرعة: {إنها تغيرات ضئيلة: يكون هؤلاء الأشخاص معرّضين أصلاً للإصابة بالسكري على الأرجح وتدفعهم أدوية الستاتين فوق عتبة الخطر}.

على ضوء هذه المخاوف كلها، يقوم كولينز بمراجعة كبرى للبيانات المرتبطة بالآثار الجانبية ويأمل أن يطمئن الناس. إنها خطوة مهمة بحسب قوله لأن المخاوف بشأن الستاتين بدأت تثني الناس عن أخذها خوفاً على صحتهم.

يُفترَض أن تصدر النتائج في وقت لاحق من هذه السنة. في غضون ذلك، إذا أصبتَ يوماً بنوبة قلبية أو جلطة دماغية، فيجب أن تأخذ نوعاً من الستاتين إذا أمكن بحسب توصيات برايس: {وإذا لم تصب بأي حادث مماثل لكن تبين أنك معرّض بنسبة معتدلة أو كبيرة لنوبة قلبية، تتفوق منافع الستاتين على مخاطره في هذه الحالة}.

لكن يجب ألا يعلّق أحد آماله على حبة دواء في أي ظرف من الظروف. بل يجب أن يترافق أخذ الستاتين مع إحداث تغيرات في أسلوب الحياة مثل ممارسة الرياضة والإقلاع عن التدخين: {لا يفكر الأطباء بما يمكن أن يحصل إذا اضطر المريض لأخذ دواء معين كل يوم لبقية حياته}.

• التستوستيرون

إذا أردنا تصديق الإعلانات الرائجة، فإن مكملات التستوستيرون هي العلاج المثالي لجميع الرجال الذين يواجهون آثاراً مؤسفة في منتصف العمر. يقال إن هذا الهرمون يقوي العضلات والطاقة والرغبة الجنسية. لكن تقلّ الأدلة التي تثبت هذا المفعول، حتى إن بعض الدراسات وجد رابطاً بين التستوستيرون وأمراض القلب.

تقليدياً، كان الأطباء يصفون التستوستيرون لرجال يسجلون مستويات منخفضة على نحو غير طبيعي بسبب مشكلة خلقية أو ضرر في الخصيتين نتيجة العلاج الكيماوي. أما اليوم، فيتلقى الرجال في منتصف العمر «علاج التستوستيرون البديل» للتعويض عن التراجع الطبيعي الذي يحصل مع التقدم في السن.

في شهر مارس، حذرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية من وجوب وصف التستوستيرون حصراً للرجال الذين يسجلون مستويات منخفضة من الهرمون بسبب مشاكل صحية معينة وليس بسبب مظاهر الشيخوخة العامة، وقد أكد فحص مخبري على هذا الاستنتاج. أصدرت الوكالة الأوروبية للأدوية بياناً مماثلاً.

طلبت الهيئات الصحية أيضاً من شركات التصنيع والأطباء الذين يصفون منتجات التستوستيرون تحذير المستخدمين من احتمال التعرض لنوبات قلبية وجلطات دماغية بعدما أظهر بعض الدراسات وجود رابط بين الأمرين. حتى إن إحدى التجارب انتهت باكراً بسبب {فائض الحوادث على مستوى القلب والأوعية الدموية} بين المشاركين. المثير للقلق أن تحليلاً في عام 2013 رصد تفاوتاً في خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وقد تأثرت النتيجة تحديداً حين أقدم قطاع صناعة الأدوية على تمويل الدراسة.

ربما تتعلق الآلية المستعملة لتقييم أثر التستوستيرون على القلب بارتفاع عدد خلايا الدم الحمراء التي تزيد سماكة الدم وقد تؤدي إلى تخثر خطير.

تتعلق مخاوف أخرى بسرطان البروستات الذي يتغذى من التستوستيرون: يُستعمل بعض الأدوية التي تعيق التستوستيرون أحياناً لوقف انتشار السرطان. نُشر تحليل مبني على دراسات عدة في عام 2014 ولم يجد أي رابط مع {علاج التستوستيرون البديل} على المدى القصير، لكنه دعا إلى إيجاد بيانات إضافية تحلل الأثر على المدى الطويل.

يتعلق جزء من المشكلة، في الولايات المتحدة على الأقل، بواقع أن الرجال لا يخضعون لفحوص مناسبة قبل بدء العلاج. إنه رأي عالم الأوبئة ساندر غرينلاند من جامعة كاليفورنيا - لوس أنجليس، فقد اكتشف حديثاً أن بعض العيادات لا يقوم بفحوص الدم اللازمة بل تُشخّص حالة الرجال بناءً على استمارة بشأن الأعراض. اتكلت عيادات أخرى على اختبار واحد وهو لم يكن موثوقاً لأن المستويات تختلف جذرياً على مر اليوم.

قد ينجم تراجع مستوى التستوستيرون عن مشاكل صحية مثل البدانة والسكري، ويحلل بعض الباحثين ما إذا كان {علاج التستوستيرون البديل} مفيداً في هذا المجال. لكن في هذه الحالات، من الأنسب معالجة المشكلة الأولية عبر فقدان الوزن مثلاً. يشكك البعض بتصنيف تراجع مستويات التستوستيرون المرتبط بالسن في خانة المشاكل الصحية أصلاً: يسجل الرجال النحيلون والأصحاء في عمر متقدم مستويات التستوستيرون المسجلة لدى الشبان الأصحاء. لذا يرتبط 90% من تراجع مستوى التستوستيرون مع التقدم في السن بتراكم الأمراض المزمنة بكل بساطة}.

يعتبر غرينلاند أن أخذ الدواء يبقى خياراً شخصياً لكن {لو كنتُ معرّضاً لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، ما كنت لألجأ إلى هذا الحل. بل كنت لأخضع للاختبار، لأكثر من مرة، قبل اتخاذ القرار}.

• الأسبرين

يصعب تطبيق أحدث نصيحة بشأن الأسبرين. هو معروف بخصائصه القوية لتسييل الدم ويصفه الأطباء عموماً للأشخاص الذين أصيبوا سابقاً بنوبة قلبية أو جلطة دماغية لحمايتهم من مواجهة حوادث مماثلة مجدداً.

هذا ما جعل البعض يظن أن الأسبرين قد يعطي أثراً واقياً للأشخاص الذين لم يصابوا يوماً بمشاكل قلبية. في الولايات المتحدة، يأخذ نحو 40 مليون شخص راشد الأسبرين كل يوم في الوقت الراهن.

لكن خلال السنة الماضية، حذرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية من هذه الممارسة وأكدت على عدم وجود أدلة كافية تضمن حماية كل من يأخذ الأسبرين من أمراض القلب، حتى عند وجود تاريخ عائلي بالمرض.

يتعلق مصدر قلق آخر بوجود احتمال صغير لكن مؤكد بالإصابة بنزيف في الجهاز الهضمي وجلطة دماغية نزفية نتيجة حصول نزيف في الدماغ.

نُشرت دراسة في شهر يناير وشملت 68 ألف شخص أميركي كانوا قد تلقوا وصفة بأخذ الأسبرين كتدبير وقائي أولي (ما يعني وجود تاريخ بأمراض القلب)، وقد تبين أن شخصاً من أصل عشرة أخذ الدواء بطريقة غير مناسبة لأن خطر إصابته بنوبة قلبية أو جلطة دماغية لم يكن مرتفعاً بما يكفي لزيادة المخاطر.

اليوم، بدأت مسكنات الألم الخفيفة تجذب الانتباه لسبب مختلف: آثارها اللافتة للوقاية من السرطان. في السنة الماضية، راجع جاك كيوزيك من جامعة كوين ماري في لندن الأدلة المتوافرة، فتبين أن أكثر من 130 ألف حالة وفاة بسبب السرطان كان يمكن تجنبها في بريطانيا وحدها لو أن الأشخاص بين عمر الخمسين والرابعة والستين أخذوا جرعة منخفضة من الأسبرين كل يوم. اكتشف كيوزيك أن استعمال الأسبرين يؤدي إلى تراجع الإصابات والوفيات المرتبطة بسرطان الأمعاء والمعدة والمريء بنسبة 30%، لكن سُجلت آثار أضعف على مستوى سرطان البروستات والثدي والرئة. لم تظهر المنافع قبل خمس سنوات، لكنها استمرت بعد وقف الأسبرين.

يقول كيوزيك: {بعد الإقلاع عن التدخين، أهم ما يمكن فعله للوقاية من السرطان أخذ جرعة منخفضة من الأسبرين}. يتوقع أن يراجع {المعهد الوطني للصحة وتفوق الرعاية} (هيئة صحية استشارية في بريطانيا) البيانات المتعلقة بالأسبرين وأن يصدر خلال سنتين توصيات بضرورة استعماله بعد عمر الخمسين.

يبدو أن هذا الأثر يتوقف على خصائص الأسبرين المضادة للالتهاب. الالتهاب جزء من رد فعل الجسم الطبيعي تجاه أي اعتداء خارجي، لكن تخطفه الخلايا السرطانية وتستعمله كي تنقسم وتنتشر.

قد يكون الأسبرين مفيداً أيضاً لأنه يخفّض عدد الصفائح في الدم: يمكن أن تحمي تلك الصفائح الخلايا السرطانية في مجرى الدم كي لا يتعرّف عليها جهاز المناعة.

كيف يمكن تقييم المخاطر إذاً؟ يوضح كيوزيك: {تشير تقديراتنا إلى حصول نزيف خطير واحد مقابل كل 300 شخص يأخذون الأسبرين طوال 10 سنوات. لكن يمكن أن يخفّض الأسبرين ثماني حالات وفاة مقابل كل حالة يسبّبها. لذا يبدو مفعوله قوياً}.

لاحظ كيوزيك أن الراشدين يجب أن يأخذوا جرعة منخفضة من الأسبرين يومياً طوال خمس سنوات (أو حتى 10 سنوات على الأرجح)، بين عمر الخمسين والخامسة والستين، كي يحصدوا المنافع المنشودة. لكن بعد عمر السبعين، يرتفع خطر الآثار الجانبية لذا قد يضرّ الأسبرين المريض في هذه المرحلة بدل أن يفيده.

يقول بيتر إيلوود من كلية الطب في جامعة كارديف البريطانية إن البعض بالغ كثيراً في مقاربة خطر النزيف. يشير بحثه إلى أن النزيف يحصل عموماً حين يبدأ المرضى بأخذ الأسبرين من دون تقييم عوامل الخطر لديهم بالشكل المناسب، مثل ارتفاع ضغط الدم أو الإصابة سابقاً بقرحة المعدة، لذا يجب أن يحرص أي شخص يفكر بأخذ الأسبرين بانتظام على استشارة طبيبه أولاً. وبما أن القرحة تنجم عموماً عن بكتيريا الملوية البوابية الشائعة، يمكن الاحتماء من الآثار الجانبية من خلال معالجة هذه المشكلة في المقام الأول.

• حبوب منع الحمل

تتجاوب النساء مع حبوب منع الحمل بطرق مختلفة ولا شك في أنها لا تناسب الجميع. هذه الحبوب هي من وسائل منع الحمل الأكثر فاعلية وقد أحدثت ثورة كبرى في مجال تحديد النسل بالنسبة إلى النساء.

تترافق هذه الحبوب مع سلبيات عدة. في السنة الماضية، استنتجت مراجعة أجرتها الوكالة الأوروبية للأدوية أن بعض حبوب منع الحمل الأكثر رواجاً يرفع خطر الخثار الوريدي العميق أكثر مما كنا نظن. منذ ذلك الحين، استُحدثت طريقة تغليف حبوب منع الحمل من الجيل الثالث لأنها تحتوي كما يقال على أنواع جديدة من البروجسترون، وتم تذكير الأطباء بضرورة تقييم عوامل الخطر الفردية لدى المريضات قبل إعطاء أي وصفة طبية. تشمل عوامل الخطر: الوزن الزائد والتدخين وارتفاع ضغط الدم. لا يزال خطر تخثر الدم صغيراً نسبياً، لذا تتفوق المنافع على المخاطر نظراً إلى فاعلية تجنب حالات الحمل غير المخطط لها.

في مارس، ذكر بعض التقارير أن حبوب منع الحمل قد ترفع خطر الإصابة بمرض كرون (مشكلة التهابية في الأمعاء) لدى المرأة التي تحمل قابلية وراثية للإصابة بهذه الحالة. أثبتت الأدلة أيضاً أن المرأة التي تأخذ هذه الحبوب تصبح أكثر عرضة لسرطان الثدي.

برز بعض المؤشرات على أن حبوب منع الحمل قد تؤثر على السلوكيات أيضاً، مثل تغير الخصائص التي يجدها الناس جذابة عند الشريك. وتكمن المفارقة الكبرى في واقع أن تلك الحبوب قد تخفف الرغبة الجنسية وفق بعض الأدلة.

قد تؤثر حبوب منع الحمل أيضاً على وظائف الدماغ. في أبريل، وجدت دراسة مبنية على مسح الدماغ أن منطقتين مرتبطتين بتنظيم العواطف واتخاذ القرارات والاستجابة للمكافآت كانتا أقل سماكة عند المرأة التي تأخذ حبوب منع الحمل، مع أن البحث لم يقدم أي دليل على حصول تغير سلوكي لهذا السبب.

لكنّ المثير للارتباك أن حبوب منع الحمل جذبت أخيراً الانتباه بسبب منافعها الصحية. وفق بيانات شملت 46 ألف امرأة خضعن للمراقبة حتى عمر التاسعة والثلاثين، لوحظ تراجع خطر الوفاة عند المرأة التي استعملت حبوب منع الحمل. بحسب رأي المشرف الرئيس على الدراسة، فيل هانافورد من جامعة أبردين، حصل ذلك لأن هذه الحبوب تحمي من بعض أنواع السرطان.

صحيح أن حبوب منع الحمل ترفع خطر سرطان الثدي في فترة أخذ الدواء، لكن يقول هانافورد إن معظم النساء يأخذ الحبوب في عمر العشرينات وبداية الثلاثينات، أي في الفترة التي يكون فيها الخطر منخفضاً، لذا يبقى احتمال الإصابة بالمرض ضئيلاً جداً.

يمكن أن تستفيد المرأة التي تأخذ حبوب منع الحمل أو كانت تأخذها سابقاً من آثار وقائية أخرى تدوم لفترة أطول. يوضح هانافورد: {في هذه الحالة، يتراجع خطر الإصابة بسرطان بطانة الرحم والمبيض والقولون والمستقيم، ويبدو أن هذا الأثر يستمر لسنوات عدة بعد وقف الحبوب، وصولاً إلى العمر الذي تصبح فيه أنواع السرطان تلك أكثر شيوعاً}.

من الواضح أن الإيجابيات تتفوق على السلبيات، لكن يُفترَض أن تقوم المرأة بخياراتها استناداً إلى مفعول منع الحمل وليس المنافع الصحية المحتملة على المدى الطويل.

اتضح الآن عدم تجاوب جميع النساء مع مختلف حبوب منع الحمل المتوافرة بالطريقة نفسها. يقول رود بابر الذي درس سلامة هذه الحبوب في كلية سيدني الطبية: {لا شك أن حبوب منع الحمل لا تناسب جميع النساء}.

تتعلق المهمة الأصعب بتحديد أثر الحبوب على المزاج. تشتكي نساء كثيرات من التقلبات المزاجية أو تراجع المعنويات، لكن لا تزال الأدلة مبهمة في هذا المجال. فقد وجد تحليل حديث أن المرأة التي تستعمل حبوب منع الحمل تكون أقل عرضة للاكتئاب من غيرها.

تقول إيلين ويبي، المديرة الطبية في عيادة ويلو النسائية في فانكوفر، كندا، إن 30% من النساء اللواتي يستعملن وسائل منع الحمل الهرمونية يختبرن آثاراً جانبية عاطفية وجنسية. لكن يصعب مقارنة هذه الفئة من النساء بتلك التي لا تأخذ الحبوب، لأن المرأة التي تختبر المشاكل قد توقف أخذها من دون إبلاغ الطبيب، ما يعني أن مختلف المجموعات تقوم بخياراتها بنفسها.

تؤكد أن شركات تصنيع الأدوية هي التي تموّل معظم الدراسات، لذا تميل إلى البحث عن أعراض الأمراض العقلية مثل الأفكار الانتحارية، وبالتالي لا يتم الإبلاغ عن التقلبات المزاجية.

يسهل أيضاً أن نفترض أن التغيرات المزاجية تقتصر على المشاكل في العلاقات أو في الحياة عموماً. تقول ويبي: {يخبرني بعض النساء أحياناً بأنهن كن يأخذن حبوب منع الحمل منذ مرحلة المراهقة ثم توقفن عنها لسبب معين واكتشفن أنهن تغيرن بالكامل. لا تدرك المرأة قبل هذه المرحلة أنها تواجه آثاراً جانبية على المستوى العاطفي}.

• مضادات التخثر

توزعت 11 مليون وصفة لأدوية الوارفارين في إنكلترا في عام 2013. يسهم هذا الدواء في منع تخثر الدم ويوصى به أيضاً لمعالجة الحالات التي تمهد لحصول جلطات خطيرة، مثل الرجفان الأذيني والخثار الوريدي العميق والانسداد الرئوي والنوبات القلبية. ثمة خطر ضئيل للإصابة بنزيف داخلي ونزيف مفرط بسبب الجروح، وتشمل الآثار الجانبية الغثيان والإسهال.

 كل من يأخذ الدواء يجب أن يتحقق من الجرعة بشكل متكرر، مرة أو مرتين في الأسبوع. في الفترة الأخيرة، تمت المصادقة على بدائل لا تتطلب مراقبة مستمرة لمعالجة الرجفان الأذيني، لكنها خيارات مكلفة ولا تتمتع بسجل طويل على مستوى السلامة. يمكن وقف نوبات النزيف التي يسببها الوارفارين بفضل الفيتامين K. في ما يخص مضادات التخثر الحديثة، ما من ترياق جيد حتى الآن.

• مضادات الاكتئاب

لمضادات الاكتئاب أهمية كبرى: تشير التقديرات إلى أن 10% من الأميركيين في عمر الثانية عشرة وما فوق يستعملونها. لا يعني ذلك بالضرورة أن الاكتئاب يشهد تصاعداً مستمراً، لكنها تُعطى لمعالجة المشاكل العقلية مثل القلق والاضطرابات الغذائية وإجهاد ما بعد الصدمة، وتستهدف نسبة كبيرة من الوصفات المشاكل الجسدية راهناً.

 أصبحت مضادات الاكتئاب بارزة لمعالجة الأوجاع على المدى الطويل ويمكن أن تسهم في تخفيف الصداع النصفي والتهاب المفاصل وحتى التبول اللاإرادي عند الأولاد. تتراوح الآثار الجانبية بين اضطراب النوم وضعف الانتصاب. كذلك، رُصد رابط بين استعمال مضادات الاكتئاب على المدى الطويل وارتفاع خطر الإصابة بالنوع الثاني من السكري.

المقويات العصبية

حصلت هذه المنتجات على ترخيص في الأصل لمعالجة حالات مثل اضطراب نقص الانتباه وانقطاع التنفس أثناء النوم والخدار، لكن برزت الآن أدلة أولية على أن بعض الأدوية مثل الريتالين والمودافينيل قد تسهم في معالجة الاكتئاب ومرض الباركنسون والتصلب المتعدد. بدأ الأشخاص الأصحاء يستعملونها الآن بسبب آثارها على الذاكرة والتركيز واليقظة. زادت الوصفات الطبية في هذا المجال بعشرة أضعاف في الولايات المتحدة، علماً أن معظمها يستهدف حالات مختلفة عن تلك التي نشأ الدواء لمعالجتها. لم يتضح بالكامل بعد كيف يعمل دواء المودافينيل لكن يقال إنه يستهدف عدداً من الناقلات العصبية. من المعروف أن المودافينيل له آثار جانبية مثل تراجع الشهية والأرق، لكن لم تتضح بعد انعكاساته على المدى الطويل.

علاج بالهرمونات البديلة

تقلّ العلاجات التي سببت هذا المستوى من الارتباك وتوصلت إلى نتائج متضاربة بقدر العلاج بالهرمونات البديلة الذي أصبح رائجاً في الغرب خلال الثمانينات والتسعينات. في تلك الفترة، اعتبر مؤيدو هذا العلاج أن منافعه التي تشمل تخفيف أعراض انقطاع الطمث، مثل نوبات الحر والتعرق الليلي، تمتد لتشمل حماية القلب والعظام وتحسين الرغبة الجنسية.

لكن تغيرت المعطيات كلها حين أثبتت {مبادرة صحة النساء} (إحدى أكبر الدراسات بشأن سلامة العلاج بالهرمونات البديلة) في عام 2002 أن العلاج لا يحمي بل إنه يرفع خطر الإصابة بأمراض القلب وسرطان الثدي. نتيجةً لذلك، تراجع عدد النساء اللواتي يستعمِلْنَه بشكل جذري. تأخذ ستة ملايين امرأة تقريباً العلاج بالهرمونات البديلة في بريطانيا والولايات المتحدة في الوقت الراهن.

في الأشهر الأخيرة، عاد العلاج بالهرمونات البديلة إلى الواجهة مجدداً. نُشرت مراجعة في مارس وأكدت أن هذا العلاج لا يعطي أثراً واقياً على مستوى القلب، بل يرفع خطر الجلطات الدماغية لدى المرأة في مرحلة ما بعد انقطاع الطمث.

كذلك يرفع خطر سرطان المبيض بنسبة ضئيلة، حتى لو أُخذ لبضع سنوات فقط، وهي المقاربة الأكثر شيوعاً في الوقت الراهن. مقابل كل ألف امرأة تأخذ العلاج بالهرمونات البديلة طوال خمس سنوات بدءاً من عمر الخمسين، تُسجَّل حالة إضافية من سرطان المبيض.

يقول فيل هانافورد من جامعة أبردين البريطانية: {العلاج بالهرمونات البديلة مهم وفاعل جداً ضد أعراض انقطاع الطمث بالنسبة إلى نساء كثيرات. لكن توصي التوجيهات الراهنة باستعمال أصغر جرعة ممكنة منه لأقل فترة من الوقت}. يجب أن تتراوح هذه المدة بين سنتين وأربع سنوات فقط.

يقول رود بابر، طبيب توليد في كلية سيدني الطبية ورئيس جمعية انقطاع الطمث الدولية، إن المرأة التي أصيبت بسرطان الثدي يجب ألا تأخذ العلاج بالهرمونات البديلة، ويجب أن تُعالَج المصابة بمرض في القلب {بعناية شديدة}. التوقيت عامل مهم أيضاً: كلما بدأت المرأة باستعمال العلاج في مرحلة أبكر، سيصبح أكثر أماناً ونفعاً.

يوضح بابر: {يجب ألا تبدأ المرأة بأخذ العلاج بالهرمونات البديلة فوق عمر الستين من دون استشارة طبيبها. لكن يختلف الوضع بشدة عن المرأة التي تبدأ العلاج في مرحلة مبكرة وتكتشف أنها تحتاج إلى متابعته بعد عمر الستين. لا بأس بذلك في هذه الحالة}.

الميتفورمين

تنفق هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية اليوم المال على أدوية السكري أكثر من أي دواء آخر. في إنكلترا، تصدر 44.6 مليون وصفة كل سنة، بكلفة 800 مليون جنيه استرليني تقريباً. الميتفورمين هو الدواء الأكثر شيوعاً لمعالجة النوع الثاني من السكري وهو يحسن تفاعل الجسم مع الأنسولين تزامناً مع منع الكبد من تصنيع الغلوكوز لتحسين طريقة السيطرة على مستويات سكر الدم. يصفه الأطباء أيضاً للمرأة المصابة بمتلازمة المبيض المتعدد الكيسات لأن هذه الحالة تعزز مشكلة مقاومة الأنسولين، وقد يفيد الدواء أيضاً في معالجة اكتساب الوزن ومشاكل الخصوبة.

لهذا الدواء منافع محتملة أخرى. وجدت دراسة في السنة الماضية أن الأشخاص الذين يأخذون دواء الميتفورمين يعيشون لفترة أطول من أولئك الذين لا يأخذونه ولا يكونون مصابين بالسكري. يخضع للدراسة أيضاً لتقييم أثره على السرطان.

دعت جمعية السكري الأميركية جميع الذين يمرّون بمرحلة ما قبل السكري (أي حين تكون مستويات سكر الدم مرتفعة لكن ليس بالمستوى الكافي لتشخيص مرض السكري) إلى التفكير بتجربة علاج الميتفورمين لإبطاء أو تجنب تطور المرض.

لكن تبقى هذه الاستراتيجية مثيرة للجدل. فقد نُشر تحليل في {المجلة الطبية البريطانية} في السنة الماضية مفاده أن تصنيف {مرحلة ما قبل السكري} غير مفيد وما من أدلة على الاستفادة من بدء الميتفورمين في مرحلة مبكرة.

لكن لا يخلو الدواء من الآثار الجانبية: يختبر شخص من أصل عشرة مشاكل هضمية مثل الغثيان والتقيؤ والإسهال أو وجع البطن. لذا يجب أن يخضع المستخدمون لفحوص دورية. إذا كانت الجرعة مرتفعة جداً، يمكن أن يواجه الناس أعراض فرط نشاط الغدة الدرقية، مثل الألم في الصدر والتعرق والصداع والتقيؤ. يرتبط علاج الليفوثيروكسين على المدى الطويل بالرجفان الأذيني (عدم انتظام ضربات القلب وتسارع إيقاعها) وترقق العظام. يتفاعل هذا الدواء مع الأغذية والأدوية الأخرى، مثل مضادات التخثر، لذا يجب أخذه في الوقت نفسه من كل يوم على الريق.

يسود جدل حول الكمية القصوى التي يجب أخذها من الليفوثيروكسين: يظن بعض الأطباء أنه خيار مناسب إذا كانت مستويات هرمون الغدة الدرقية لدى المرضى طبيعية مقابل ارتفاع مستويات الهرمون المنبِّه للغدة الدرقية، فقد يمهد هذا المؤشر للإصابة بقصور حاد في الغدة الدرقية.

back to top