بعيداً عن السياسة: الألسن

نشر في 29-05-2015
آخر تحديث 29-05-2015 | 00:01
 د. محمد لطفـي الألسن: جمع لسان واللسان عضو عضلي في تجوبف الفم طرفه الخلفي ثابت والأمامي متحرك يساعد في بلع الطعام وهو عضو النطق والكلام.

وتستخدم كلمة اللسان كذلك للتعبير عن اللغة، فيقال إن فلانا يتحدث بعدة "ألسن" أي يستطيع الحديث بمجموعة من اللغات، وفي مصر كلية مخصصة لدراسة اللغات تسمى كلية "الألسن".

طلب هارون الرشيد يوما من غلام له أن يذبح له شاة ويأتيه بأطيب ما فيها ففعل وجاءه بلسانها، وفي اليوم التالي طلب منه أن يذبح أخرى ويأتيه بأقبح ما فيها ففعل وجاءه بلسانها.

والمعنى أن اللسان هو أطيب ما في الإنسان إن أحسن استخدامه، وكان كلامه حسنا وصالحا، وهو أقبح ما في الإنسان إن أساء استخدامه وكان حديثه شرا وبذيئا.

روي عن معاذ بن جبل عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عندما سأله معاذ عما يدخله الجنة ويبعده عن النار وعن رأس الإسلام... إلخ، أن رسول الله قال له في نهاية الحديث "أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمَلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ". قُلْتُ بَلَى يَا نَبِىَّ اللَّهِ قَالَ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ "كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا". فَقُلْتُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ، فَقَالَ "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ". وفي حديث آخر قال رسول الله "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ لاَ يَرَى بِهَا بَأْسا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفا فِي النَّارِ". وروي كذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لعائشة أم المؤمنين حين تحدثت عن صفية (أم المؤمنين كذلك) "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته".

فاللسان والكلمة التي ينطقها الإنسان قد ترتفع به إلى أعلى المنازل وتحفظ كرامته ومكانته بين الناس، وقد تهوي به في نار جهنم وتجعله بين الناس مكروها ويحيا ذليلا محتقرا.

هذا هو اللسان وهذه هي الكلمة من الناحية الطبية والأخلاقية والشرعية، أما من الناحية القانونية ويا للعجب فقد يكون اللسان أداة جريمة!! نعم فالسبّ العلني –مثلاً- جريمة يعاقب عليها القانون أداتها اللسان الذي نطق بالسباب والقذف، وكم من تهم تم توجيهها بناء على كلمة في حديث صحافي أو مقابلة تلفزيونية، وفي كل الأحوال يكون اللسان هو أداة الجريمة التي تثبت التهمة وتدين صاحبها.

لذلك فمن الغريب أن نسمع كثيرا تعبير "زلة لسان"، وهو تعبير يراد به التهرب من قول ما أو خطأ وقع فيه الإنسان. وقد يقبل التعبير من صاحب الكلمة ذاتها باعتباره اعترافا منه بالخطأ الذي وقع فيه، ولكن أن يتطوع غير القائل بأن ما حدث "زلة لسان" فذلك لا يقبله أحد. وننهي بالمثل الشعبي المصري "لسانك حصانك إن صنته صانك وإن هنته هانك"، والمعنى أن لسان الإنسان هو قائده ودليله، وهو ما يحدد مكانته في المجتمع، فإن كان لسانك (حديثك) صادقا طيبا كانت مكانتك غالية، ومنزلتك بين الجميع عالية، وإن كان لسانك كاذبا خبيثا كنت مهانا بين الناس لا يقدرك ولا يحترمك أحد، فاختر لنفسك ما تحب.

back to top