{هجرة أو تهجير}... ظروف هجرة يهود العراق وملابساتها

نشر في 24-05-2015 | 00:01
آخر تحديث 24-05-2015 | 00:01
No Image Caption
صدر حديثاً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية كتاب «هجرة أو تهجير: ظروف وملابسات هجرة يهود العراق» بقلم عباس شبلاق. يشرح الكتاب أن يهود الشرق لم يكونوا في الأساس جزءاً من المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين. فقد كانت الطوائف اليهودية الأصلية في الشرق متجذرة في المجتمعات العربية والإسلامية التي تعيش فيها، ورأت في يهوديتها ديانة لا قومية منفصلة عن مجتمعاتها.
دراسة حالة يهود العراق، وهجرتهم الجماعية الى إسرائيل في الفترة 1950 – 1951، ربما تمثل النموذج الأفضل لتحليل وفهم العلاقة بين الحركة الصهيونية ويهود الشرق، والعرب منهم خصوصاً، وذلك لتجذرهم ونقاوة أصولهم وما بلغوه من علم وازدهار ديني وتجاري ومن تفاعل مع بيئتهم المحلية. ويحاول كتاب «هجرة أو تهجير: ظروف وملابسات هجرة يهود العراق»، إستناداً الى الوثائق الريطانية والعراقية والإسرائيلية، سبر غور الأوضاع التي أحاطت بتهجير هذه الطائفة الى إسرائيل بعد قيام الدولة العبرية وما لابسها من أدوار أدتها أساساً الحركة الصهيونية وساندتها قوى أجنبية ومحلية متنفذة ساهمت في تعزيز الدولة العبرية، وفي ولادة «مسألة يهودية» في الشرق.

يوضح الكتاب أن حدود العراق الحديث الذي عُرف قديماً باسم ميسويوتاميا (Mesopotamia)، أو بلاد ما بين النهرين، والذي يُعتبر موطناً لبعض حضارات العالم القديمة، رُسّمت كجزء من التقسيم الإقليمي الذي قامت به الدول الاستعمارية المنتصرة بعد الحرب العالمية الأولى. كذلك تعرّض العراق لفتوحات وغزوات أجنبية عدة، واستضاف مجموعات كثيرة من المهاجرين، ونتج من ذلك احتواؤه على مجموعات دينية وعرقية متنوعة عدة أكثر مما تحويه بلاد عربية أُخرى.

شكّل اليهود في العراق طائفة دينية متجذرة ومتجانسة نسبياً، واستطاعوا عبر القرون المحافظة على هويتهم وثقافتهم المجتمعية وتقاليدهم، إذ لم يجبروا غالباً على تغيير دينهم إلا في حالات نادرة. ولم يستقر مهاجرون يهود في العراق عندما انتشرت موجة الهجرة السفاردية من يهود الأندلس في حوض البحر الأبيض المتوسط، وخصوصاً في أقاليم الإمبراطورية العثمانية خلال القرن الخامس عشر. كذلك لم يشهد هذا البلد وصول أعداد كبيرة من اليهود الأوروبيين خلال العهد الاستعماري. وقد شكلت هذه الحقيقة تبايناً ملحوظاً مع ما حدث في مصر وبلاد أُخرى في شمال أفريقيا العربية، حيث اختلط المهاجرون الأوروبيون باليهود الشرقيين، أي السفارديم، الأمر الذي أثر بدرجات متفاوتة في طابع وخصوصية الجماعات اليهودية الأصلية في هذه البلاد. 

ربما كان يهود اليمن، على غرار اليهود العراقيين، الطائفة الوحيدة المتأصلة الجذور والمنتظمة في أصلها بين الطوائف اليهودية في البلاد العربية، لكن السبب اختلاف الأوضاع بين البلدين، ظل يهود اليمن يفتقرون إلى الانتفتاح على العالم، وإلى الثراء والتقدم الثقافي والعلمي والتفاعل في مجتماعتهم، أي إلى المزايا التي تمتع يهود العراق بها. أمّا الطوائف اليهودية الأصلية في مصر ودول المغرب العربي ومجتمعات إسلامية أُخرى فقد اختلطت بموجات الهجرة السفاردية، ولاحقاً الأوروبية.

يذكر الكتاب أن الدارسين يختلفون في تحديد أصول يهود العراق، فيرجح بعضهم أنها تعود إلى الجزيرة العربية، ويرى آخرون أنهم جاؤوا إلى بلاد ما بين النهرين في فترة العهد البابلي عندما سباهم نبوخذ نصّر إلى بابل. ويميل أصحاب الرأي الأخير إلى تقدير أن اليهود الأكراد، أو بعضهم، هم من سلالة من نزحوا عن أرض كنعان في العهد البابلي. وفي إثر سيطرة الفرس في بلاد ما بين النهرين. وفي تقديرنا أن يهود العراق الحديث هم في الواقع مزيج من قبائل عربية- يهودية أو تهوّدت- اختلطت بمن نزحوا عن أرض كنعان عبر عصور طويلة. وشهد يهود بلاد ما بين النهرين، كغيرهم من سكان المنطقة، عهوداً متعددة من الغزوات والحكم، إلاّ أنّهم في كثير من الأحيان تقربوا إلى مركز السلطة، وشهدوا فترات من الأمان والازدهار، وغدت مراكزهم الدينية والعلمية مراجع تنوير ليهود العالم.

يتطرق المؤلف إلى دراسة جواد علي عن {تاريخ العرب قبل الإسلام}، حيث يشير الأخير نقلاً عن كتاب {الأغاني} للأصفهاني وابن هشام واليعقوبي، إلى عروبة يهود الجزيرة العربية. ويذكر استناداً إلى المدونات التاريخية السالفة أن اليهودية كانت منتشرة في العصر الجاهلي بصورة عامة بين عدد من القبائل العربية في كل من الحجاز واليمن ونجد والحيرة والبحرين. 

 

{اليهود العرب}

 

مؤلف الكتاب عبّاس شبلاق باحث في جامعة أكسفورد، دائرة دراسات التنمية الدولية. معني بدراسات الشتات والهجرة القسرية للآجئين وعديمي الجنسية داخل بلادهم وخارجها، وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط. يقول في مقدمته إنه خلال عمله في مركز الأبحات التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في بيروت في مطلع السبعينيات، وجد نفسه ضمن حلقة ضيقة تضم باحثين وناشطين سياسيين مهتمين بدراسة العلاقة بين الحركة الصهيونية ويهود الشرق. ويشكل هؤلاء نصف السكان في إسرائيل، وجاء معظمهم من دول عربية. وكانت غالبية جيل النكبة من الفلسطينيين ممن عايشوهم في فلسطين تسميهم «الهيود العرب». ويتابع: «كنا نسمع ونقرأ عن التمييز ضدهم في إسرائيل. وأخذ مركز الأبحاث الفلسطيني ينشر بعض المقالات عن أحوالهم ونضالاتهم المطالبة بالمساواة وعدم التمييز، ويتابع ما كان يصدر عنهم من أحوالهم ونضالاتهم المطالبة بالمساواة وعدم التمييز، وما كان يصدر عنهم من بيانات ونشاطات احتجاج تقوم بها منظمات، مثل الفهود السود، إضافة إلى ما كانت تنشره منظمات وأحزاب يسارية، أبرزها الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكح) الذي كان قد انضم إليه عدد من اليهود العراقيين الشيوعيين».

آنذاك، أبدى بعض القيادات في منظمة التحرير اهتماماً بالموضوع، وصدر قرار عن جامعة الدول العربية في سنة 1974، بطلب من المنظمة، يدعو من يرغب من اليهود العرب إلى العودة إلى بلده العربي الأصلي، واسترجاع أملاكه المحتجزة أو المتحفظ عليها بعد هجرته إلى إسرائيل. نظرياً، بحسب المؤلف، كان القرار خطوة في الاتجاه الصحيح، إلاّ أنه جاء متأخّراً بعد عقدين أو ثلاثة عقود على هجرة غالبيتهم الساحقة التي لم تكن أساساً جزءاً من المشروع الصهيوني الذي ظهر في أوضاع أوروبية خاصة. كذلك لم يرَ يهود الشرق أنفسهم في المجتمعات الإسلامية المتنوعة الأعراق والديانات والقوميات، إلاّ أقليات دينية تعايشت قروناً طويلة مع تلك المجتمعات وكانت جزءاً منها.

«بعد انتقالي للعيش في لندن»، يقول المؤلف، «جمعتني أوضاع الدراسة والعمل بعدد من اليهود العرب. وفي معظم تلك اللقاءات كنت أطرح على كل منهم أسئلة تتعلق بظروف هجرتهم وأوضاعهم وتطلعاتهم. وأتاحت لي المصادر المتوافرة في المكتبات الجامعية في لندن، وفي مركز الوثائق البريطاني، إضافة إلى موجودات مركز الوثائق الوطني في بغداد، فرصة نادرة لإنجاز هذه الدراسة رغم انشغالي بالعمل الصحافي في تلك الأثناء».

طبعتان

 

صدر الكتاب بالإنكليزية عن دار الساقي في لندن، في طبعته الأولى سنة 1985، وفي طبعة ثانية منقحة قليلاً سنة 2005. وأبدت الأوساط الأكاديمية والإعلامية في الغرب اهتماماً به، وذلك لندرة ما كُتب عن الموضوع. كذلك قرر بعض الجامعات الأميركية المعنية بالدراسات الشرق الأوسطية اعتباره أحد المراجع المتعلقة بهذه الدراسات، وخصوصاً ما له صلة بوضع الأقليات، والصراع العربي – الإسرائيلي، وتاريخ الحركة الصهيونية.

ولعل السبب الأول في ذلك يعود إلى عدم ظهور كتب تتناول أوضاع يهود العراق بعد هجرتهم، وخصوصاً رواية خروجهم نفسها وما رفقها من ملابسات. أما السبب الثاني فلأنه أول كتاب يستند إلى الوثائق العراقية والبريطانية التي أفرج عنها والمتعلقة بهجرة هذه الطائفة على النحو الذي تمت فيه، إذ كانت هجرة من دون رغبتها، ومن وراء ظهرها، وأسهم في تنفيذها أكثر من طرف محلي ودولي، وبتخطيط مُسبق من الحركة الصهيونية.

 وحرص المؤلف في الطبعة العربية، كما قال، على مراجعة الأدبيات كافة التي ظهرت في السنوات الأخيرة والمتعلقة بموضوع الدراسة، وعلى مراجعة بعض الوثائق العربية التي لم يتح له الاطلاع عليها في الطبعتين الإنكليزيتين السابقتين.

 

back to top