جاء دور اليونان لمقاومة فكرة الاستفتاء حول «اليورو»

نشر في 23-05-2015
آخر تحديث 23-05-2015 | 00:01
عارض أوروبيون بقوة فكرة الاستفتاء اليوناني خشية أن يؤدي إلى تقديم نموذج لدول أخرى مجاورة تكافح لاستعادة ثقة الأسواق، مثل أيرلندا وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا، والخوف من أن تدفع نتيجة سيئة لذلك الاستفتاء إلى الخروج من منطقة اليورو، بينما لا تزال أوروبا تفتقر إلى المؤسسات اللازمة لاحتواء الضرر الجماعي.
 بلومبرغ • في سنة 2011 اضطر رئيس وزراء اليونان جورج باباندريو تحت ضغط معارضة واسعة من جانب شركاء بلاده الأوروبيين الى سحب اقتراح يدعو الى إجراء استفتاء حول "تفويض واضح" من المقترعين يهدف الى تنفيذ سياسات مؤيدة من قبل الاتحاد الأوروبي.

وخلال الأيام الماضية حدث سيناريو معاكس تماماً؛ فقد اقترحت ألمانيا أن تقوم حكومة اليونان باجراء استفتاء عام حول ما إذا كان يتعين عليها قبول مطالب الدائنين بشأن القيام باصلاحات اقتصادية أو الخروج من منطقة اليورو في نهاية المطاف، وعلى أي حال كانت اليونان في هذه المرة هي التي اعترضت.

ويكشف هذا الدور المعاكس ثلاثة جوانب لاحقة على الأقل حول التغيرات الحقيقية والمتصورة في التفاعل بين اليونان وشركائها الأوروبيين:

فأولاً، وبعد أن حققت اليونان تقدماً إزاء احتواء وعزل أزمتها، تبدو أوروبا أقل قلقاً الى حد كبير حول تأثيرات سلبية محتملة تتعلق بنهاية مأساوية لهذه الدراما المستمرة منذ عدة سنوات.

وثانياً، أصبحت أوروبا أقل معارضة لفكرة خروج اليونان من منطقة العملة الواحدة، وخاصة إذا كان ذلك نتيجة قرار من جانب أثينا، وليس قراراً مفروضاً من جانب شركائها الأوروبيين.

وثالثاً، سوف يدفع الاستفتاء المقترح حكومة اليونان بقيادة سيريزا نحو وضع خسارة محققة.

فهم التطورات

ومن أجل فهم هذه التطورات الثلاثة يجدر بنا استعادة السبب الذي دفع أوروبا الى رفض الاستفتاء الذي اقترحته الحكومة اليونانية في سنة 2011.

فقد اعتبر جورج باباندريو، الذي كان يواجه جيوباً من المعارضة الداخلية، أن الاستفتاء المشار اليه يمثل طريقة من أجل حشد دعم واسع من جانب المقترعين بغية تنفيذ اصلاحات اقتصادية صعبة وقاسية، ومن جهتهم عارض شركاء جورج باباندريو في القارة الأوروبية بشكل قوي هذه الفكرة لسببين هما: الخشية من أن يؤدي الاستفتاء في اليونان الى تقديم مثل خاطئ بالنسبة الى دول اخرى مجاورة تكافح من أجل استعادة ثقة الأسواق، بما في ذلك ايرلندا وايطاليا والبرتغال واسبانيا، والخوف من ان تدفع نتيجة سيئة لذلك الاستفتاء الى الخروج من منطقة اليورو، بينما لا تزال اوروبا تفتقر الى الأدوات والمؤسسات اللازمة من أجل احتواء الضرر الجماعي.

وبعد حوالي أربع سنوات، غدت أوروبا أقل قلقاً في ما يتعلق بالعواقب العكسية لخروج اليونان من التركيبة الأوروبية.

واتسمت الأسواق بقدر أكبر من الهدوء كما أن الدول المحيطة اتخذت خطوات من أجل ترتيب منزلها وتمت تقوية المؤسسات الاقليمية وأصبح المسؤولون أكثر ثقة بسبب امتلاكهم للعديد من الأدوات الاضافية بغية احتواء الضرر الناجم عن دولة واحدة عضو، وعلى الرغم من عدم وجود مسؤول أوروبي يرغب في دخول التاريخ بوصفه الشخص المسؤول عن أول عملية خروج من منطقة اليورو، فإن المزيد يبدو انه سوف يحدث بالنسبة الى النظرة التي ترى أن مثل تلك الحصيلة يمكن أن تكون في مصلحة الاتحاد الأوروبي في الأجل الطويل.

تغير الموقف الأوروبي

وقد تأثر التغير في الموقف الأوروبي أيضاً بالأحداث التي شهدتها اليونان، وتعزز نجاح سيريزا في الانتخابات بالوعود المتكررة حول تغيير مسار السياسة الاقتصادية، بما في ذلك كونه أقل تذمراً ازاء مطالب التقشف التي تم فرضها من جانب شركاء اليونان الأوروبيين ومن صندوق النقد الدولي. وفي الوقت ذاته تم تقويض قدرة حكومة أثينا على تأمين اتفاقية مع دائنيها بصورة متكررة من خلال خلافات عامة والعجز في الثقة، وفي مثل هذه الظروف يمثل الاستفتاء مساراً هابطاً بقدر أكبر كثيراً بالنسبة الى الحكومة اليونانية وبشكل يفوق ما كان الحال عليه في سنة 2011.

وتجدر الإشارة الى أن استفتاء يظهر دعماً واسعاً لإجراءات فرضها الاتحاد الأوروبي سوف يقوض الوحدة والمصداقية الانتخابية لحزب سيريزا وقد يفرض إجراء انتخابات عامة تنطوي على احتمالات غير مؤكدة الى حد كبير بالنسبة الى ذلك الحزب، كما أنه سوف يسمح لأوروبا باتخاذ موقف تفاوضي أشد قسوة حول ما وصفه رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس من جديد قبل اسبوع "بخطوطه الحمراء"، وخاصة في ما يتعلق بخفض التقاعد والأجور في البلاد.

حصيلة الاستفتاء

وحتى رفض الاجراءات التي فرضها الاتحاد الأوروبي في استفتاء شعبي لن يشكل حصيلة جيدة بالنسبة الى حزب سيريزا، ويرجع ذلك الى أن ذلك التصويت سوف يسرع بخروج رأس المال من اليونان والمجازفة بحدوث تدافع على البنوك على نطاق واسع ويجعل من الصعوبة بمكان بالنسبة الى البنك المركزي الأوروبي الاستمرار في توفير "مساعدة سيولة طارئة" ما سوف يقرب من انفجار اقتصادي ومالي في ذلك البلد، وسوف تكون مسألة وقت فقط (وليس الكثير من الوقت) قبل أن تخرج أثينا من منطقة اليورو في حال من الفوضى والاضطراب وبشكل مكلف.

ويتمحور أمل حكومة اليونان حول الحفاظ على السيطرة وهي تضمن الوقت من أجل ارغام الدائنين على الموافقة على تخفيف وتسهيل اجراءات التقشف، واعادة ترتيب بعض الاصلاحات الهيكلية وتحقيق قدر أكبر من إعفاء الديون وضخ كمية أكبر من الأموال بصورة فورية تتجاوز ما يقدمه البنك المركزي الأوروبي، ولهذا السبب سوف تقاوم أثينا إجراء استفتاء شعبي، ولهذا السبب أيضاً سوف يستمر شركاؤها الأوروبيون في الإصرار على مثل ذلك الاقتراع.

* محمد العريان | Mohamed El–Erian

back to top