«كتاب الهوامش»... إدمون جابيس متأثراً بمفكري اليوم!

نشر في 05-05-2015 | 00:01
آخر تحديث 05-05-2015 | 00:01
يحتل {كتاب الهوامش} مكانة فريدة ضمن مؤلفات الكاتب والشاعر الفرنسي إدمون جابيس. صدرت ترجمته أخيراً عن دار {ضفاف} للنشر في لبنان و«منشورات الاختلاف} في الجزائر، ودار {الأمان} في المغرب.
بترجمة الكاتبة المغربية رجاء الطالب، يقع الكتاب في 204 صفحات من الحجم الكبير.
ملغزة هي أعمال إدمون جابيس؟ محيرة، لا يمكن تصنيفها، فريدة؟ خارج الطرق المطروقة والقواعد التقليدية للعرض؟ دائما مترنحة، بين الشعر والشذرات؟ موقعة بأنفاس أخرى غير تلك التي تطبع الملفوظ الديداكتيكي أو البياني؟، جاء في مقدمة {كتاب الهوامش} بنسخته الفرنسية. ربما، لا يمكن لأحد أن يدعي العكس، فأعمال جابيس لا تشبه غيرها.

في كتابه المترجم إلى العربية أخيراً، يحضر جابيس معاصراً أكثر، ذلك طبعاً مقارنة بكتبه الأخرى. حتى إنه يبدو غالباً متأثراً بمفكري اليوم، إذ تتقاطع أصوات حميمية عبر صفحاته، متفوقة على صوته أحياناً. نذكر في هذا الصدد: بول سيلان، جاك ديريدا، ماكس جاكوب، روجي كالوا، إيمانويل ليفيناس، ميشيل ليريس، بيير باولوباسوليني، موريس بلانشو، وغيرهم.

يستحضر جابيس في كتابه استشهادات وأقوال كثيرة تتقاطع مع أفكاره، تبدأ ببول سيلان وجاك ديريدا، وتمر بماكس جاكوب وروجي كالوا وإيمانويل ليفيناس، ولا تنتهي بميشيل ليريس وموريس بلانشو وغيرهم.

يتأمل الكاتب في الخلق، في الكلمة بمعنييها الضيق والواسع، يبحث في  الكتابة ومولودها الكتاب، وما يخفيه خلف الكلمات وبين الأسطر؟

كلمات مبعثرة

توضح مقدمة طبعة الكتاب الفرنسية أن كتابات جابيس مختلفة تماماً عن كل ما يكتب اليوم: في شكلها، في كلماتها، في نبرها. وقد أوضح الكاتب في أحد الأيام هذا الأمر، كما لو أحسَّ أنه يتحتم عليه ذلك ليطمئن، وليرسم بشكل إجمالي أفق مشروعه. هكذا منح صيغة للغز. قال: {حلمت بعمل لا يدخل ضمن أي خانة، لا ينتمي إلى أي جنس، ولكن يضم الأجناس كافة، عمل يصعب تحديده، ولكن يحدد بهذا الغياب للتحديد؛ عمل لا يستجيب لأي اسم، ولكن يراكم كل الأسماء، عمل من دون أي حد، أو ضفة؛ عمل ينتمي إلى الأرض في السماء، وإلى السماء في الأرض}.

أضاف: {سيكون عملاً هو عبارة عن نقطة تجميع للكلمات المبعثرة كافة في الفضاء والتي لن نشك في عزلتها وتشوشها؛ مكان خارج المكان، رغبة غير مشبعة لرغبة خرقاء}.

يرغم جابيس الكتابة على تجاوز حدودها الخاصة، ومن ثم التعبير عمّا يتعذر قوله في الفكر، وذلك في كتاباته كافة من {كتاب الأسئلة} إلى {كتاب القسمة}، مروراً بـ {كتاب المشابهات} و}كتاب الهوامش}. يطالبك أسلوبه بالتأقلم، بالإشباع لتنصت إليه كلياً، وهو ما يصنع فرادة أعماله ويمنحها طابعها الملتبس. هي كتابات صعبة، بل مختلفة.

لم يرض جابيس بما يُسمى {التأصيل} يوماً، لذا تجد أن النقد يخفق في تصنيفه، لا سيما أنه في أعمال عدة يترك الأسئلة مفتوحة. هل هو شاعر؟ مفكر؟ يختاره البعض {شاعرا}ً  إزاء غيوم أبولينير، أو ملتحقاً بستيفان مالارميه، أو تابعاً لرونيه شار... بينما آخرون يجعلون منه ميتافيزيقياً، إذ يعلن الروائي كلود مورياك إن أعمال جابيس {هي الأكثر ميتافيزيقية في زماننا}. أكثر من ذلك، يعتبره آخرون {صوفياً} مؤكدين أن نصوصه تجذب إلى عكس ما يقوله هو تحديداً، كاشفة عن {بوح}، و}رؤية كونية}، طالما دافع عنها جابيس. ويرى فيه آخرون استمرارية التقليد اليهودي، ذاهبين أبعد من ذلك متسائلين ألا يتخفى وراء الشاعر رجل الدين في النهاية}. هو كاتب محير لا ريب.

نبذة

ولد إدمون جابيس في القاهرة في 16 أبريل 1912، وتوفي في باريس 2 يناير 1991. هو كاتب وشاعر فرنسي من عائلة يهودية فرنسية. تركت أعماله تأثيرها على فكر مجموعة كبيرة من الكتاب أمثال موريس بلانشو، جاك ديريدا.

أصدر جابيس في مصر 11 ديواناً شعرياً باللغة الفرنسية أبرزها ديوان «أغانٍ لوجبة الشعير» (1943)، و{بنيت مسكني» (1943)، و{عن بياض الكلمات وسواد الدلالات» (1953). تميَّز نتاجه جابيس آنذاك بتعلقه بالقيم الإنسانية الكونية التي دعت إليها فلسفة عصر التنوير في فرنسا.

وفي فرنسا صدر له ما يقرب من 20 كتاباً، من بينها: «أشيد مسكني» 1959، بتقدم غابرييل بونور، و{كتاب الأسئلة» الذي يتضمن ثمانية أجزاء (1973-1963)، ثم  «كتاب المشابهات» الذي صدر في أجزاء ما بين سنوات (1976- 1980)، و{كتاب الهوامش»، و{كتاب الضيافة» 1991.

back to top