محمد الفيتوري... عاشق إفريقيا الأول رحل

نشر في 29-04-2015 | 00:02
آخر تحديث 29-04-2015 | 00:02
No Image Caption
{أصبح الصبح فلا السجن ولا السجان باق}

لم يكد العالم العربي يفيق من الجزع على رحيل الأبنودي حتى صُدم برحيل الشاعر الكبير محمد الفيتوري الذي غيبه الموت يوم الجمعة الفائت في مستشفى الشيخ زايد بالعاصمة المغربية الرباط، عن عمر يناهز 85 عاماً بعد معاناة طويلة مع المرض.
محمد الفيتوري الشاعر الوحيد الذي لقب بـ «الشاعر العربي الإفريقي». هو شاعر القارة السمراء الأول وهو صاحب البيت العربي الشهير الذي حفظته كل العواصم العربية «أصبح الصبح فلا السجن ولا السجان باق}.

طاردت  الشاعر الراحل إشاعات الموت خلال السنوات الأخيرة حتى وصل الأمر إلى أن كتب فاروق شوشة قبل عامين «أنعي لكم الفيتوري». وفي العام الماضي تناقل بعض وسائل الإعلام خبر وفاته، ما دفع أسرته للخروج لنفي هذه الإشاعة.

اتخذ الفيتوري إفريقيا نصاً شعرياً له، صاغ فيه محنة الإنسان الإفريقي وصراعه ضد الرّق والاستعمار ونضاله التحرري، وأصدر في ذلك دواوين عدة من بينها «أغاني إفريقيا» الصادر في عام 1955، و{عاشق من إفريقيا» - 1964، و{اذكريني يا إفريقيا»- 1965، وديوان «أحزان إفريقيا»- 1966.

ولد لأب سوداني من أصول ليبية وعاش في إسكندرية بمصر حيث التحق بكلية دار العلوم بالقاهرة. طرده جعفر نميري من السودان 1974 وأسقط عنه الجنسية، وفي ليبيا مُنح جواز سفر ليبياً ثم سحبته منه السلطات الليبية الجديدة، فأقام في المغرب. عام 2014، عادت الحكومة السودانية ومنحته جواز سفر ديبلوماسياً. قال عنه الكاتب والناقد الأدبي أحمد إبراهيم: «الشريف كل شعوب هذه البلدان تحبه وكل أنظمتها المستبدة تكرهه، كم دولة أسقطت جنسيتها عنه وتركته في ظن منها أنها ستكون نهايته، لكن لكونه «ابن إفريقيا» لم يجزع أبداً... وكان يواصل الشعر والحياة». وذكر الناقد صلاح فضل في تصريحات صحفية إن الفيتوري جعل من إفريقيته رمزاً للتحرر والمجد الأدبي وجمع إلى جانب هذا الوعي العميق بالطابع الثقافي الممتزج بدمائه العربية في السودان ومصر أساساً لموجة شعرية عارمة احتلت موقعها في إطار حركة التحرير التي كان يقودها الزعيم جمال عبد الناصر. واستطاع الفيتوري أن يلمع في المجتمع المصري والأوساط الأدبية وأن يتقدم الصفوف ويثبت جدارته بقلب شاعر إفريقيا الأول».

للشاعر الكبير كثير من الأعمال الأدبية من بينها أربع مسرحيات، اثنتان مكتوبتان نثراً هما: «يوسف بن تاشفين»، و«الشاعر واللعبة»، ومسرحيتان شعريتان هما: «أحزان إفريقيا» و«ثورة عمر المختار»، إضافة إلى 12 ديوان شعر نشرت في ثلاث مجموعات شعرية: الأولى والثانية في لبنان، والثالثة في القاهرة وهي: «أغاني إفريقيا، عاشق من إفريقيا، اذكريني يا إفريقيا، سقوط دبشليم، البطل والثورة، المشنقة، ابتسمي حتى تمر الخيل، أقوال شاهد إثبات، معزوفة لدرويش متجول، يأتي العاشقون إليك، قوس الليل قوس النهار، أغصان الليل عليك»... وقد حصل الفيتوري على عدد من الأوسمة والجوائز، أبرزها: وسام الفاتح من ليبيا، ووسام التقدير الأدبي من العراق، والوسام الذهبي للعلوم والآداب من السودان، وجائزة كفافيس للشعر العربي.

أصبح الصبح

 

هي إحدى قصائد ثورة أكتوبر في السودان... انطلقت في اليوم الثالث للعصيان المدني للثورة وشدا بها الفنان محمد وردي، قال عنها الفيتوري: «كان الفنان محمد وردي أشجعنا وكأنه قد تمرس على سجون وعسف العسكر جاءني مساء إلى منزلي وأصر على أن يأخذ مني تكملة هذه القصيدة وذكر لي أنه قد فرغ من تلحين المقطع الأول فلم أعطه المتبقي من أبياتها إلا بعد أن أقسم لي أنه لن يشدو بها إلا بعد مغادرتي السودان. كنا جميعا خائفين ونرتعش من بطش العسكر ونظامه البوليسي في زمان لم يكن يعمه سوى الظلام الدامس فلا وسائل اتصال أو إنترنت وفضائيات وكاميرات محمولة تفضح الأنظمة الديكتاتورية وممارساتها في مواجهة شعبها الأعزل».

أضاف محمد الفيتوري: «وحين كنت في صالة المغادرة أستعد لركوب طائرة الخطوط الإثيوبية المتجهة إلى القاهرة إذ بصوت محمد وردي من خلال الراديو الخاص بمقهى الصالة يصدح بهذا النشيد الوطني ويهلل الجميع ويهتفون للسودان وانتصار الثورة».

وختم الشاعر العربي الكبير: «لا أدري كيف استطاع المطرب محمد وردي شق صفوف العسكر التي كانت في تلك الأيام تحاصر مبنى الإذاعة. ولكن الذي يشهد له التاريخ أنني حين كنت أعتلي سلم الطائرة كان وردي لا يزال يصدح ببزوغ فجر جديد على الأمة السودانية».

أصبح الصبح

أصبح الصبح فلا السجن ولا السجان باق

وإذا الفجر جناحان يرفان عليك

وإذا الحزن الذي كحل تلك المآقي

والذي شد وثاقا لوثاق

والذي بعثرنا في كل وادي

فرحة نابعة من كل قلب يابلادي

أصبح الصبح

وها نحن مع النور التقينا

التقى جيل البطولات

بجيل التضحيات

التقى كل شهيد

قهر الظلم ومات

بشهيد لم يزل يبذر في الأرض

أبدا ما هنت يا سوداننا يوما علينا‎

بالذي أصبح شمسا في يدينا‎

وغناء عاطراً تعدو به الريح‏‎

فتختال الهوينى

من كل قلب يا بلادي‎

فرحة نابعة من كل قلب يابلادي

back to top