الأبعاد الإقليمية لبرنامج التدريب والتجهيز في سورية

نشر في 27-04-2015
آخر تحديث 27-04-2015 | 00:01
يوفّر برنامج التدريب والتجهيز في سورية فرصةً محتملة للولايات المتحدة لتنظيم قوّة أكثر كفاءةً لاستعادة السيطرة على مناطق غير محكومة خسرتها الحكومة الطائفية في سورية التي تهيمن عليها إيران بشكل متزايد، في حين تواجه في الوقت نفسه تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام».
 فوراين أفيرز أطلقت واشنطن هذا الشهر برنامج التدريب والتجهيز الخاص بالمعارضة السورية المعتدلة، وحقيقة أن جميع عمليات التدريب ستجري في الأردن وتركيا والمملكة العربية السعودية وقطر، يعني أنه ستكون للبرنامج آثار إقليمية كبيرة، كما أنّه يشكّل في الحد الأدنى أوّل محاولة منسّقة من هذه الدول السنية لإنشاء قوّة فاعلة على مستوى الجهة الحكومية الفرعية لمواجهة النفوذ الإيراني في سورية المتمثّل بـ"فيلق الحرس الثوري الإسلامي" و"حزب الله"، بدلاً من الجهات الفاعلة من غير الدول والأقل تنظيماً على غرار الجهاديين السلفيين، ويوفّر البرنامج أيضاً فرصةً محتملة للولايات المتحدة لتنظيم قوّة أكثر كفاءةً لاستعادة السيطرة على مناطق غير محكومة خسرتها الحكومة الطائفية في سورية التي تهيمن عليها إيران بشكل متزايد، بينما تواجه في الوقت نفسه تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش).

الخلفية

تم  تصميم هذا البرنامج من وزارة الدفاع الأميركية ويمتدّ على مدى ثلاث سنوات، بقيمة تبلغ 500 مليون دولار ويندرج تحت "الفصل العاشر" لبرنامج التدريب العسكري للمعارضة السورية المعتدلة التي تقاوم نظام بشار الأسد، ويشمل 15 ألف عنصر ومخطط لتدريب قوّة تعمل على إعادة الاستيلاء على المناطق الواقعة تحت سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" وجهاديين آخرين في سورية. ولكن، تسبّبت أهداف البرنامج النهائية بقيام توترات هائلة في وقت مبكر. وعلى وجه الخصوص، يسعى معظم أعضاء المعارضة إلى إسقاط نظام الأسد، في حين تشكّل هزيمة "داعش" هدفهم الثانوي في الحرب السورية الأوسع. وبناءً على ذلك، أدى انتشار نفوذ الجهاديين في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة السورية إلى دفع أعضاء المعارضة المعتدلة على نحو متزايد إلى خارج الحدود السورية. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أنّ بعض عناصر المعارضة المعتدلة قد انضموا إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" أو تركوا ميدان المعركة كلية. وكلما طال تفعيل البرنامج، ازدادت على الأرجح صعوبة جذبه لمجنّدين للمشاركة فيه.

ولا يُخفى هذا الواقع عن الحلفاء الإقليميين الذين يقترحون تدريب أعداد أكبر من المعتدلين من خلال البرنامج، وفي حين أنّ مساهمة الولايات المتحدة ثابتة في اعتمادات مشروع قانون الكونغرس لعام 2015، تذكر "الفقرة 9016" أنّه "يجوز لوزير الدفاع أن يقبل المساهمات ويحتفظ بها، بما فيها المساعدات العينية من حكومات أجنبية لتنفيذ الأنشطة". ويشكّل الدعم الجويّ مساحة تَقارب بين الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، وفي هذا الصدد، قال الأسد في حديثه مع مجلة "فورين آفيرز" في يناير إنّ "أيّ قوات لا تعمل مع الجيش السوري غير قانونية وتجب محاربتها"، مشيراً إلى إمكانية مهاجمته للقوات التي تخضع لتدريبات الولايات المتحدة وحلفائها. وبما أنّ واشنطن وحلفاءها في المنطقة يرغبون في تجنب سيناريو شبيه بغزو "خليج الخنازير"*، يبدو أن توفير الغطاء الجوي لتجنّب هذا الاحتمال يشكّل مصلحة مشتركة طبيعية.

مخاوف إقليمية

سيوفّر برنامج التدريب والتجهيز لدول مثل تركيا والمملكة العربية السعودية وكيلاً محتملاً على أرض الواقع ضدّ نظام دمشق، الذي طالما عارضته الدولتان، وفي الحالة التركية على وجه التحديد، كانت اللغة التي استخدمتها الولايات المتحدة لتحديد المهمة مبهمة عن قصد، ولم تستبعد بالضرورة نظام الأسد كهدف في المستقبل؛ ولذا يبدو أنّ صناع السياسة التركية راضين في الوقت الحالي، إذ يعتبرون أنّه يمكن ذات يوم محاربة النظام بمجنّدي البرنامج المناهضين للأسد صراحةً. إن ذلك يحمل في طياته احتمال تحوّل أهداف المهمة، مما سيكون موضع ترحيب من العديد من اللاعبين الإقليميين ولكن ليس من إدارة أوباما، حيث تصبح الولايات المتحدة طرفاً في الحرب السورية الأوسع نطاقاً عندما يتمّ إضعاف تنظيم "الدولة الإسلامية" داخل كل من سورية والعراق.

وثمة موضع قلق ثانٍ، وهو التأثير المحتمل لمهمة التدريب والتجهيز على قوات الأمن التركية في حال تحقّق سيناريو شبيه لما حصل في باكستان، ففي ثمانينيات القرن الماضي، تعاونت باكستان مع واشنطن لتدريب متشددين أفغان. وفي خضمّ ذلك الترتيب، أتت إسلام اباد بما يقرب من 80 ألف مقاتل أفغاني لتدريبهم على الأراضي الباكستانية بمساعدة الولايات المتحدة، ومن ثم أعادتهم إلى أفغانستان لمحاربة السوفيات، وفي وقت لاحق قام بعض أولئك المتشددين "بتدريب" مدرّبيهم المحليين، فاخترقوا كوادرهم وحدّدوا مسار تفكير أجهزة الأمن الباكستانية. وقد ورد أخيراً عن رئيس "لجنة الدفاع" في "مجلس الشيوخ" الباكستاني، مشاهد حسين سيد، تحديده لهذا الخطر في مقال للكاتب التركي فهيم تاستكين. ويوضح هذا الخوف من تكرار سيناريو باكستان، من بين عوامل أخرى، سبب اختيار الجيش التركي عدم المشاركة في برنامج التدريب والتجهيز، والقيام عوضاً عن ذلك بتفويض بعثة من قواته الخاصة، التي هي فرع فعال ولكن صغير ومعزول من "القوات المسلحة التركية".

قطر، سيكون من المثير للاهتمام تتبّع مساهمة قطر في برنامج التدريب والتجهيز، نظراً لما تردد عن دعمها للجماعات الإسلامية التي تقاتل حالياً داخل سورية، ويقال إنّ قطر قد أدّت في عدة مناسبات دوراً حيوياً في الإفراج عن رهائن، وعلى الأخص أولئك الذين ينتمون إلى "قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك" ("أندوف") الذين كانوا محتجزين من "جبهة النصرة"، وإن أيّ دعم قطري لبرنامج التدريب والتجهيز يمكن أن يُعتبر كخطوة معادية من أولئك المجاهدين الذين يهدف هذا البرنامج إلى اقتلاعهم. ومَثلها مثل تركيا، يُنظر إلى قطر باعتبارها مؤيداً عامّاً لجماعة "الإخوان المسلمين" والذين يدورون في فلكها في سورية، وبالتالي ستتابع التركيز على إسقاط الأسد بينما تشارك في الجهود الرامية إلى إضعاف "داعش" في سورية. ويبقى من غير الواضح أيضاً ما هو تأثير الانفراج القطري السعودي على برنامج التدريب والتجهيز، عقب صعود العاهل السعودي الملك سلمان إلى العرش.

الأردن، تجد المملكة الأردنية نفسها في موقف لا مهرب منه في برنامج التدريب والتجهيز الذي أطلقته واشنطن، فمن جهة، هناك تقارير نقلاً عن مسؤولين أردنيين مفادها وجود قلق فعليّ من انتشار النفوذ الإيراني داخل سورية، وخصوصا في الجنوب، ويحرص الأردن على دحر تقدم الجهاديين والحفاظ على تنظيم "داعش" بعيداً عن جنوب سورية؛ لذلك يبدو أنّ عمّان متحمّسةً لبدء عمليات البرنامج، ويقال إنّ موقع التدريب الأردني قد يكون أوّل من سيعمل على تخريج الجنود بأعداد كبيرة. ومن جهة أخرى، تعيش البلاد في ظلّ استمرار وجود نظام الأسد، وتخشى عمّان من دخول موجة هائلة من اللاجئين إلى المملكة التي قد تصاحب أي هجوم على النظام، فضلاً عن انتشار الجماعات الجهادية مثل "جبهة النصرة" من جنوب سورية إلى أراضيها، وفي الواقع، قد يكون الأردن- إلى جانب تركيا- الدولة التي ستعاني هجمات انتقامية من قبل كل من الأسد وأنصار تنظيم "الدولة الإسلامية" أكثر من أيّ دولة إقليمية أخرى.

صورة أوسع

في الوقت الذي يضيّق فيه المجاهدون ونظام الأسد الخناق على المعتدلين أنفسهم، فإن قيام برنامج تدريب وتجهيز موسّع بقيادة الولايات المتّحدة قد يكون أفضل خيار لهزيمة الفريقين، بأيّ ترتيب كان، ويبدو أن توسيع القوّة المقصودة في الأصل والبالغ عددها 15 ألف عنصر هو الخيار المناسب نظراً للتهديد (الذي يواجهها)، ويمكن أن يشجّع الدعم الحيوي الإقليمي للبرنامج، في حين يُرجح أن يؤدي أيضاً إلى تعزيز التجنيد في صفوف قوّة مقترحة لمحاربة "داعش" أولاً والأسد في وقت لاحق.

* أندرو جيه. تابلر & سونر چاغاپتاي

back to top