عبدالرحمن الأبنودي: تعلمت من الفراعنة أن الحياة أصعب من الموت «ولازم أدفع فاتورة 50 سنة تدخين»

نشر في 26-04-2015 | 00:01
آخر تحديث 26-04-2015 | 00:01
No Image Caption
«الشعر عقدتي ونقطة ضعفي وقوتي... لو ماكنتش شاعر كان زماني بقيت حرامي»

هذا الحوار هو الأخير لـ«الجريدة» مع الخال عبدالرحمن الأبنودي، الذي فتح لنا قلبه وعقله، وكشف لنا رغم مرضه أدق مشاعره ومخاوفه والعقد التي يعانيها.
وكان الأبنودي كعادته جريئا ومتمردا وجميلا وفنانا وإنسانا من طراز خاص، ولا نملك إلا الدعاء له بقدر ما أسعدنا بأشعاره وأعماله الخالدة، التي ستظل ساكنة في الذاكرة والوجدان.
عصفور الجنوب

في صوته وطن وفي عقله أمل

صلابته في ضميره وعبقريته في بساطته

تمرده في جذوره وقوته في جرأته

الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي، الذي اعترف بأنه ابن أمه (فاطنة قنديل) التي تعلم منها الشعر والغناء والحياة، رغم أنها لا تقرأ ولا تكتب، عكس والده مدرس اللغة العربية والمأذون الشرعي والشاعر.

يقول: إذا كان هناك من يقرأ في بدايات حياته المتنبي أو المنفلوطي أو طه حسين، فأنا قرأت كتابا ضخما مدهشا ورائعا اسمه (فاطنة قنديل)، تلك المرأة التي عاشت كل حياتها في طقوس خاصة، فكانت مثلا حين تمشط شعرها تلم خصلاته المتبقية وتضعها في شق بالحائط، وعندما تذهب للنيل تأخذ هذه الخصلات لترميها فيه لجلب الخير.

وعندما سألته: الحياة عقدتك؟ ضحك وقال: من فضل الله علينا أننا مخلوقون بعقدنا... فالحكومة لم تعقدني ولا صعوبة الحياة عقدتني، لأن لديَّ من العقد ما يكفيني، فالشعر هو عقدة العقد اللي بيداري على كل العقد، والشعر هو نقطة قوتي وضعفي في نفس الوقت، وإذا غابت عني القصيدة فترة طويلة أشعر بالتوهة والضياع.

• لو ماكنتش شاعر؟

- كنت حابقى حرامي... أنا فاكر وأنا صغير كانوا بيطلقوا عليَّ لقب رمان لأني مددت يدي وسرقت رمان من جنينة بجوار بيتنا.

وبعد السرقة من شدة خوفي جريت على البيت، ورميت ما سرقته، ففوجئت بصاحب الجنينة يحضر لنا ما سرقته، وكانت ليلة سودا أمام فاطنة قنديل.

سألته: قصدت إيه لما قلت:

عيش الحياة غلط

عيش المعاني غلط

وأبلعها ماهياش زلط

تنح وعدي وفوت

وامشي ودوس ع القوت

وأداري تحت العبط

رد: كنت عاوز أؤكد في القصيدة دي أننا في زمن المظاهر الكدابة.

والأبنودي هو صاحب تعبير «بركان الغضب»، وغضبه ليس مثل غضب الناس، فهو لا يمسك في خناق من يغضبه، وفي نفس الوقت يرى أنه قادر على عقاب أي أحد يسيء له سواء كان صغيرا أو كبيرا.

وإذا سألته عن أي فوبيا يعاني منها سيجيبك على الفور: مافيش لأن الصعيد يعلمك الجسارة.

وإذا كان للأبنودي قصيدة بعنوان «الأحزان العادية»، ففي حياته حزن غير عادي  بدأ يوم رحيل والدته فاطنة، وهو الرحيل الذي يعتبره علامة فارقة في حياته «أنا عبدالرحمنين... واحد قبل موتها وواحد بعدها».

وعند سيرة الموت سرح الخال، وقال: الفراعنة علمونا أن الحياة بروفة للآخرة، وأن كل الاحتفالات يجب أن تكون للموت بدليل أن عمتي يمنة كانت دائما تقول لي: أول ما يجيك الموت افتح لأن كل اللي ماتوا صاحيين في القلب.

وعن الموت كتب وقال:

وأمي

والليل مليل

طعم الزاد قليل

بترفرف قبل ترحل

جناح بريشات حزانى

وسددت ديونها

وشرت كفن الدفانة

تقف للموت يوماتي

ماجاش ابن الجبانة

عشان كدة عاوز أقولك إن الحياة أصعب من الموت، وأنا عشت ودخنت 50 سنة، ولأن الدنيا فيها عدل لازم أدفع ثمن 50 سنة تدخين، وعايز أقولك إن حتى اللي بطلوا تدخين حيدفعوا ثمن اللي دخنوه قبل ما يبطلوا.

والأبنودي كانت لديه عقدة من شكله بسبب نحافته الشديدة، وهو صغير، ومن عقده التي لا يخجل من الاعتراف بها إسرافه الشديد وخوفه الدائم على ابنتيه آية ونور، اللتين أنجبهما في سن كبيرة، وشعر بالندم أن إحساس الأبوة تأخر معه كثيرا، مؤكدا أن بناته صنعا منه إنسانا جديدا جميلا ومختلفا.

• هل شعرت بأي عقدة لفارق السن بينك وبين زوجتك الإعلامية نهال كمال؟

- إطلاقا، لكن اكتشفت أن حياتي مقلوبة، فما كان من المفروض أن أعمله في أول حياتي عملته في الآخر، وما كان ينبغي أن أفعله في الآخر عملته في الأول، ولعلمك نهال نوع نادر من النساء، لأنها متربية في صندوق زجاجي، ولم تتلوث بأمراض الحياة، وأنا بأدلعها وأقول لها نوني، أما إذا سألتني عن سر السعادة الزوجية فسوف ألخصه لك في كلمة واحدة (التواضع)، لأن إحساس فرد أنه أفضل من الآخر يقتل المشاعر بينهما، ودايما نهال تقول لي: أنت أيوب فأرد عليها وأقول: وأنت ناعسة.

ولعلمك أمي عندما جلست معها أول مرة قالت لي: الست دي حتكون أم أولادك رغم إحساسي طول الوقت أنها ابنتي.

أما الصفة التي تجذبه في أي امرأة فهي إنسانيتها، في حين أن الغباوة الصفة التي  تجعله ينفر من أي ست، وهو لا يعاني من ازدواجية الرجل الشرقي، ويكره أن ينظر الرجل للمرأة باحترام، بينما يفحصها في الواقع كامرأة.

وعبدالرحمن الأبنودي يعتبر نفسه أهم «طباخ» بط في العالم العربي، ويملك «نفس» في «الطبيخ» لا يضاهيه فيه أحد، مؤكدا أن الموضوع يتلخص في المواد والتوقيتات التي نضعها في الأكل «امتى تحط ايه وليه؟»، ويقول: كان الشاعر الكبير الراحل محمود درويش ييجي لي البيت عشان ملوخية نهال وبط عبدالرحمن أفندي.

وعبدالرحمن يهوى الصيد ولديه صبر غير عادي في انتظار السمك، وهو لا يحب قيادة السيارات في الزحام، ويترك المهمة للسائق، ولا يعرف أن ينام إلا على كف يده، وهو ما تعلمه منذ أن كان في أبنود ينام تحت الشجرة بدون مخدات، وهو فريسة من حين لآخر لأوهام عديدة تطرق باب ذاكرته نتيجة الإحباطات التي زارته بسبب عدم تحقيقه أشياء كان يريدها.

ويرى الأبنودي أن العمر بالنسبة له ليس أزمة ولا خبرة بقدر ما هو رحلة ستنتهي عاجلا أو أجلا.

• هل ذهبت إلى طبيب نفسي؟

- الصعيدي لما نفسه توجعه معندوش غير الحصيرة يتمدد عليها.

إذا اختلفت معه في الرأي يقولك: صل على النبي.

وإذا كان مستغرقا في التفكير يخبط رأسه أو يضع أصبع يده تحت أنفه.

• قلبك بيحضن جراحه زي ما قلت في إحدى أغانيك؟

- القلب ده غلبان وحتة لحمة وإحنا اللي بنحب ونكره.

• امتى تزوره التجاعيد؟

- لما يستقر مع الأسف لأن في استقراره هلاكه.

• بتكتب شعر أحلى بالليل ولا النهار؟

- عمري ما فكرت باكتب وأنا شبعان ولا جعان... باكتب وأنا مفلس ولا معايا فلوس... باكتب وأنا في بيتنا ولا ع القهوة... باكتب وأنا في مصر ولا بره... الشعر لما ييجي مالوش دعوة بكل الحاجات دي.

• امتى الطقس يبقى معتدل جواك؟

- كلنا متلخبطين والدنيا محدش مالكها في ايده... ساعات تزورك حالات رضا أو سماح لدرجة أن خصومك تسامحهم، واللي ما بتعرفهمش بتحبهم، وأنا بأحس ان قمر حناني بينور في اللحظات اللي بأحب فيها الدنيا رغم أنها ماتتحبش.

وأنا من النوع اللي بيجيدوا الفرح، وأدركت هذا المعنى عندما رأيت بناتي لأول مرة، وفهمت أن الدنيا لسه بتدي مش بتنتهي.

• ما هي الفكرة التي تزلزل مشاعرك؟

- الفكرة التي لا أعرفها ويعطيها لي الشعر عندما يرضى عني.

الفرق بين القصيدة والأغنية

أكد الأبنودي أن «الأغنية غير القصيدة، القصيدة أقف فيها أنا والشعر وحدنا من دون تدخلات ولا تفاصيل أخرى، أما الأغنية فيشاركني فيها الملحن والمطرب والموزع وكم من كلمات تغيرت استجابة لدواعي اللحن والصوت».

 ويذكر: «الأغنية فن جميل خفيف طيار رشيق، يتنقل في حرية الطيور ويتعقبك أني حللت وأينما رحلت. هكذا تفاجأ بأنك تحفظ أغاني كاملة لا تعرف متى جلست إليها! الأغنية فن يحتفي بالوطن ولا تستطيع أداة أخرى أن تسبقه في هذه المهمة النبيلة ولنا تجربة طويلة في هذا المضمار.

يستدرك الأبنودي الأغنية الآن. أصبحت فنا مختلفاً تماماً إذا اعتبرناها فناً! إنها سلعة استهلاكية، شأنها شأن ألوف السلع المخادعة التي تعج بها الأسواق الانفتاحية في المدن العربية. صارت وسيلة للبيع والشراء، وسيلة للكسب سقطت في أيدي التجار، حملت منهم سفاحاً وتشوهت خلقاً واسماً وطبعاً. ضاعت هائمة في المدن الكبيرة بعيداً عن أهلها الأصليين في القرى والمدن الصغيرة النائية».

يتابع الأبنودي: «أي أغنية تدعوك إلى التفكير لثانية واحدة تعوق تدفق «الإيقاع» الذي أصبح صاحب الحظوة والسطوة وقذف النص بعيداً، ليصبح في المرتبة الثالثة أو الرابعة في طابور أولويات عناصر الأغنية.

back to top