السيارة الكهربائية... لماذا لا تتطوّر بطاريتها؟

نشر في 26-04-2015 | 00:02
آخر تحديث 26-04-2015 | 00:02
No Image Caption
السيارات الكهربائية سريعة وهادئة ويكون نطاقها واسعاً بما يكفي بالنسبة إلى معظم الأشخاص الذين يتنقلون يومياً على الطرقات. إذا أردت سيارة بسرعة فائقة، يصعب أن تتغلب أي سيارة أخرى على {تيسلا طراز إس}. ومن المعروف أن المركبات الكهربائية تتجنب التلوث المرتبط بالسيارات التقليدية، بما في ذلك انبعاثات ثاني أكسيد الكربون نتيجة حرق البنزين. لكنها سجلت مبيعات متواضعة في قطاع السيارات لأن البطاريات التي تحركها لا تزال مكلفة وتحتاج إلى إعادة شحنها بشكل متكرر.
يمكن تغيير الوضع كله من خلال تحسين البطارية، بحسب تكنولوجي ريفيو».
رغم تحقيق إنجازات لا تُعَدّ ولا تُحصى خلال العقد الماضي، فشلت هذه التطورات مراراً وتكراراً في ابتكار بطاريات تجارية مع التحسينات الموعودة من حيث الكلفة وتخزين الطاقة. بدأ بعض الشركات المبتدئة التي تحظى بتمويل جيد، لا سيما A123 Systems، بإطلاق وعود جريئة لكنها فشلت في تحقيقها.

يستعرض كتاب «قوة الطاقة» (Powerhouse) الجديد للصحافي ستيف ليفين القصة الكامنة وراء أحد أبرز الإعلانات حول البطاريات في السنوات الأخيرة ويشرح السبب الذي حال دون تحقيق أي نتيجة. حصل ذلك الإعلان في فبراير 2012، خلال مؤتمر في واشنطن، حيث حضرت حشود من الباحثين ورجال الأعمال والمستثمرين لسماع أمثال بيل غيتس وبيل كلينتون وهم يستفيضون في شرح أهمية تكنولوجيا الطاقة الجديدة، ولمناقشة أحدث مصادر التمويل في واشنطن، «وكالة الطاقة لمشاريع البحوث المتقدمة». تأسست هذه الوكالة في عام 2009 وقد كُلفت بتحديد الأبحاث التي يمكن أن تُحدِث تحولاً حقيقياً. كان رئيس الوكالة، أرون ماجومدار، مستعداً للكشف عن أحد أبرز نجاحاتها الأولى: خلية بطارية من تطوير شركة Envia المبتدئة، وهي تستطيع تخزين ضعف الطاقة التي تخزنها البطارية التقليدية. يقول ماجومدار إن كلفة البطارية التي تستطيع نقل السيارة من واشنطن إلى نيويورك من دون إعادة شحنها ستتراوح بين 15 و30 ألف دولار. هكذا ستصبح السيارات الكهربائية أقل كلفة وأكثر عملية.

خلال أشهر، منحت شركة {جنرال موتورز} رخصة لاستعمال التكنولوجيا ووقّعت على اتفاق لدعم تطويرها، فكسبت الحق في استعمال أي بطاريات تنتجها هذه العملية. كتب ليفين أن الصفقة كانت بقيمة مئات ملايين الدولارات بالنسبة إلى شركة Envia. لكن بعد فترة قصيرة، بدأت Envia تتلقى رسائل محبِطة من المهندسين في شركة {جنرال موتورز} لأنهم لم يتمكنوا من تحقيق النتائج التي وعدت بها الشركة. خلال السنة التي تلت الإعلان، انهار الاتفاق. تبين أن البطارية المبهرة التي اقترحتها Envia كانت محكومة بالفشل.

تشير معلومات ليفين عن عمل شركة Envia إلى السبب الذي يصعّب إحراز تقدم كبير في مجال البطاريات وسبب تعثّر الشركات المبتدئة التي تعد بتحقيق إنجازات ستغيّر وجه العالم. خلال العقد الماضي، سُجّلت تحسينات ملحوظة في هذا القطاع، لكنها تحققت بشكل أساسي من جانب شركات قائمة تكتفي بتحقيق تطورات محدودة وتدريجية.

نوع جديد

كانت الخلية التي طرحتها شركة Envia عبارة عن نوع جديد من البطاريات العاملة على أيون الليثيوم. اختُرعت هذه البطاريات في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات وتم تسويقها خلال التسعينيات وهي تولّد تياراً كهربائياً حين تتنقّل أيونات الليثيوم بين قطبين كهربائيين. هي خفيفة لكن قوية وقد أحدثت تحولاً ملحوظاً في الأجهزة الإلكترونية المحمولة. لكن يبقى استعمالها في السيارات الكهربائية حديث العهد. خلال التسعينيات، استعملت شركة {جنرال موتورز} بطاريات حمض الرصاص الأقل كلفة لإطلاق سيارتها الكهربائية EV-1. كانت كل بطارية تزن 600 كلغ وتقطع بين 55 و95 ميلاً قبل أن تحتاج إلى إعادة الشحن. حين طرحت شركة {تيسلا موتورز} واحدة من أوائل السيارات الكهربائية العاملة على أيون الليثيوم في عام 2008، تمكَّنت من قطع 250 ميلاً من دون إعادة شحنها، أي أكثر بثلاثة أضعاف من المسافة التي تقطعها سيارة EV-1. لكن يفوق سعر هذه المركبة المئة ألف دولار لأن البطاريات فيها تكون مكلفة جداً. لتخفيض التكاليف، تستعمل السيارات الكهربائية التي تعمل على أيون الليثيوم والتي تطرحها اليوم شركات مثل {نيسان} و}جنرال موتورز} حزم بطاريات صغيرة مع نطاق يقلّ عن 100 ميل.

تتعلق إحدى المصاعب في مجال تحسين البطاريات بواقع أن التكنولوجيا المستعملة لا تزال غير مفهومة بما يكفي. يمكن أن يؤدي تغيير جزء واحد من البطارية، من خلال استعمال قطب كهربائي جديد مثلاً، إلى إنتاج مشاكل غير متوقعة ولا يمكن رصد عدد من تلك المشاكل من دون اختبارها طوال سنوات. لتحقيق نوع التقدم الذي يطمح إليه أصحاب الرساميل و«وكالة الطاقة لمشاريع البحوث المتقدمة»، لم تكتفِ شركةEnvia  بإضافة قطب كهربائي واحد بل قطبين تجريبيَّين.

يصف ليفين الأخطاء التي ارتُكبت. في عام 2006، منحت شركةEnvia  ترخيصاً لابتكار مادة واعدة سيطورها باحثون في {مختبر أرغون الوطني}.

لكن سرعان ما اكتُشفت مشكلة كبرى في المرحلة اللاحقة. تعلّقت المشكلة (سمّتها إحدى شركات البطاريات {عامل الشؤم}) بتغير قوة التيار الكهربائي الذي تعمل عليه البطارية مع مرور الوقت، ما جعله غير قابل للاستعمال. أجرى الباحثون في مختبر {أرغون} تحقيقاً عن المشكلة ولم يجدوا أي جواب وافٍ. بحسب ما كتبه ليفين، هم لم يفهموا بما يكفي المعطيات الكيماوية والفيزيائية الأساسية للمواد لاستيعاب الخطأ الحاصل وبالتالي إصلاحه.

واجهت شركة  Enviaتحدياً آخر مع مادتها التجريبية التي تعمل على قطب كهربائي معاكس وقد تألفت هذه المرة من السيليكون. يبدو أن الباحثين حلوا مشكلة كبرى مع الأقطاب الكهربائية المصنوعة من السيليكون، أي ميلها إلى التفكك، لكن استلزم الحل استعمال تقنيات تصنيع غير عملية.

حين أعلنت شركة Envia عن مشروعها في عام 2012، بدا وكأنها اكتشفت كيفية جعل تلك المواد التجريبية فاعلة. فطورت نسخة من قطب السيليكون الذي يمكن تصنيعه بكلفة أقل. وبعد التجارب والأخطاء، توصلت إلى ابتكار خليط من الطبقات التي تثبّت قوة التيار الكهربائي في المواد التي استعملها مختبر {أرغون}. كتب ليفين أن أحد مؤسسي شركة Envia، سوجيت كومار، {فهم أن الحلّ يكمن في مركّب من الطبقات الخارجية، لكنه لم يعلم العنصر الناشط أو ما يجعله يحقق الهدف المنشود}. وبما أن شركة Envia كانت مبتدئة وكان تمويلها محدوداً، هو لم يكن يملك {الأدوات التي تسمح له باكتشاف ذلك}. لكن حين اتضح أن النتائج التي تحدثت عنها Envia بشأن بطاريتها لا يمكن تحقيقها، أصبح فهم المشكلة عاملاً أساسياً. حتى أصغر التغيرات في تركيبة المادة يمكن أن تؤثر بنسبة كبيرة على الأداء. كلّ ما فهمته Envia أن بطاريتها القياسية تأثرت بمادة ملوّثة موجودة في مواد مأخوذة من أحد الموردين.

تقليص السعر

تتناقض قصة شركة Envia بشدة مع أنجح جهد بُذل حتى الآن لتقليص سعر البطاريات وتحسين أدائها. لم ينجم هذا النجاح عن إنجاز معين بل عن شراكة وثيقة بين شركتَي {تيسلا موتورز} و}باناسونيك} الرائدة في مجال خلايا البطاريات. منذ عام 2008، تراجعت كلفة حزم بطاريات {تيسلا} إلى النصف تقريباً، بينما ارتفعت سعة تخزينها بنسبة 60%. لم تحاول {تيسلا} تغيير المعطيات الكيماوية أو تعديل المواد بشكل جذري في بطاريات أيون الليثيوم بل إنها أحدثت تحسينات تدريجية على مستوى الهندسة والتصنيع. كما أنها تعاونت عن قرب مع شركة {باناسونيك} لتعديل المعطيات الكيماوية في مواد البطاريات المستعملة وفق حاجات سياراتها الدقيقة.

تزعم شركة {تيسلا} أنها تستعد لإنتاج سيارة كهربائية بكلفة 35 ألف دولار، بمسافة 200 ميل، بحلول عام 2017، بما يشبه ما تمنّت {جنرال موتورز} تحقيقه عبر بطارية Envia الجديدة. تتوقع الشركة بيع مئات آلاف السيارات الكهربائية المماثلة في السنة، وهي ستشكّل قفزة كبيرة من المبيعات الراهنة التي تقتصر على عشرات آلاف السيارات. لكن كي تواكب المركبات الكهربائية الستين مليون سيارة التي تباع سنوياً حول العالم، لا بد من تحسين البطاريات على الأرجح. في النهاية، ثمة فرق كبير بين مسافة 200 ميل و350 ميلاً التي اعتاد الناس على قطعها بخزان بنزين واحد، ولا يزال مبلغ 35 ألف دولار مرتفعاً جداً مقارنةً بسعر عدد كبير من السيارات الصغيرة العاملة على الغاز (15 ألف دولار).

بطاريات أيون الليثيوم

كيف يمكن سدّ هذه الثغرة؟ لا يزال المجال مفتوحاً لتحسين بطاريات أيون الليثيوم، لكن يصعب أن نتخيل أنّ نجاح شركة {تيسلا} عبر إحداث تغيرات ضئيلة في كيمياء البطارية سيستمر إلى مالانهاية. في مرحلة معينة، قد تبرز الحاجة إلى تغيرات جذرية كتلك التي تصورتها Envia. لكنّ الدرس الذي يمكن استخلاصه من فشل Envia هو ضرورة أن تترافق تلك التغيرات مع خبرة واسعة في مجال التصنيع والهندسة.

بدأت تلك المقاربة تحقق نتائج واعدة بفضل مواد مختبر {أرغون} التي أعطت شركة Envia الترخيص لاستعمالها. عملت بطارية Envia على قوة عالية من التيار الكهربائي لتحقيق مستويات مرتفعة من تخزين الطاقة. تلاحظ شركات تصنيع البطاريات اليوم أن استعمال مستويات أقل من قوة التيار الكهربائي قد يزيد تخزين الطاقة من دون مواجهة المشاكل التي واجهتها Envia. في غضون ذلك، بدأ الباحثون في مجال البطاريات ينشرون أبحاثاً تثبت أن كميات ضئيلة من المواد المضافة قد تغير سلوك المواد، ما يمكّن من تحسين قوة التيار الكهربائي وتخزين الطاقة. العامل الأساسي هو الجمع بين الأبحاث التي توضح التفاصيل المرتبطة بالمعطيات الكيماوية والفيزيائية للبطارية والخبرة التي اكتسبتها شركات البطاريات في تصنيع المنتجات العملية.

يصعب أن تنجح الشركات المبتدئة وحدها في هذا القطاع مهما كانت التكنولوجيا التي تطرحها مثيرة للاهتمام. أخبرني أندي تشو، مدير تنفيذي سابق في شركة A123 Systems التي أفلست في عام 2012، بما يجعل الشركات الكبرى تطغى على قطاع البطاريات: {تخزين الطاقة هو أشبه بلعبة يخوضها اللاعبون الكبار، إذ تتعدد الأمور التي يمكن أن تتخذ مساراً خاطئاً في أي بطارية. آمل أن تحقق الشركات المبتدئة النجاح. لكن نظراً إلى التجارب السابقة في السنوات القليلة الماضية، لا يبدو الوضع إيجابياً}.

back to top