الحب مغامرة كبرى!

نشر في 24-04-2015
آخر تحديث 24-04-2015 | 00:01
 مسفر الدوسري إن أي علاقة إنسانية هي عقد مادي أو معنوي بين طرفين، تترتب عليه التزامات تحدد صورة هذه العلاقة، وتشكل جوهرها، وترسم ملامحها، وتسقط هذه الالتزامات قطعاً بانتهاء ذلك العقد، وعادة ما تكون هناك ضوابط تحدد انتهاءه، وهذه الضوابط إما أخلاقية، أو دينية، أو قانونية، أو ربما ظرفية.

وأظن أنه بسبب عدم قبولنا لهذه الحقيقة البديهية في سياق العلاقات العاطفية، تتولد لدينا غالباً عند الفراق مشاعر يسربلها الشوك، وتحيطها مياه الحقد، وتملأ راحتيها زنابق الكراهية.

علاقة الحب يحكمها عقد مكتوب بماء القلب، ولأنه مكتوب بالماء يُختلف عادة في تحديد تاريخ صلاحيته بين أطرافه، فكل طرف يحدد مدة صلاحية هذا العقد على هواه، ويفترض بداهة أنه يوافق هوى الطرف الآخر، وهذا عادة ما يجعل أحد الأطراف يتهم الآخر بالإخلال بهذا العقد والتزاماته، وتصبح هذه الإشكالية أكثر تعقيداً عندما تترسخ في وجدان أحد الأطراف تلك الرسائل الغرامية الكلاسيكية القديمة التي غذّت خيال مراهقته والمذيّلة في نهايتها بعبارة "حبيبك/حبيبتك إلى الأبد"، فيؤمن بواقعيتها للحد الذي تشكل فيه هذه العبارة الخيالية أبجديات الحب لديه وبديهياته، حينها يصبح تاريخ صلاحية عقد الحب ليس مسألة خلافية فقط، وإنما جرح لا ضماد له!

فعندما يعلن أحد الأطراف بشكل مباشر أو غير مباشر الانسحاب من العلاقة في الوقت الذي قد لا يرغب الطرف الآخر بذلك، ترتفع حينها الستارة السوداء إيذاناً ببدء أكثر فصول الحكاية بشاعة، وستتردد كثيرا في سياق السيناريو والحوار عبارات مثل الخيانة، الخذلان، الخديعة، الاستغلال، عدم الوفاء، وسيكثر وقتها الحديث بحسرة موجعة عن سنوات العمر تلك التي ضاعت هباء، وربما لن يخلو الحديث من التعبير صراحة عن الرغبة في الثأر والانتقام!

علاقة الحب دوناً عن كل العلاقات الإنسانية الأخرى لا يحدد عمرها الاتفاق بين أطرافه وإنما يحدده توافق الهوى، فعندما لا يتوافق هوى الطرفين، قد تكون هناك "قصة حب"، ولكن حتما لن تكون هناك "علاقة حب"، وثمة فرق جوهري بين قصة الحب وعلاقة الحب، فكل علاقة حب هي قصة ولكن العكس ليس صحيحاً، إذ يمكن أن تكتمل قصة حب ما بوجود محب واحد فيها فقط، وهذا يحدث في حكايات الحب من طرف واحد، أما علاقة الحب لا يمكن أن تكتمل إلا بشخصين يحبان بعضهما، لذا فإن توافق الهوى هو الشرط الوحيد لوجود علاقة الحب، المشكلة الكبرى في هذه الحقيقة أن هناك حقيقة أكبر، وهي أنه ليس هناك ما يضمن أبداً ألا يتغير هوى قلب ما مع مرور الوقت، ولا حتى صاحب القلب نفسه، وبما أن توافق الهوى هو شرط علاقة الحب، فإن عدم توافق الهوى ينهي هذه العلاقة ويُسقط كل التزاماتها، وتنتهي كل حقوقنا بمطالبة الطرف الآخر بالوفاء بالتزاماته حالما يخبرنا صادقاً بأنه لم يعد يحبنا.

الأقسى من هذا أننا يجب أن نتقبل ذلك ونرتضيه بدون أدنى ضغينة!

لهذا تحديدا يعتبر الحب "مغامرة كبرى" كما قال نزار قباني.

والمغامرة تتمثل في أن نسعد بوجود الحبيب بكل رحابة قلب، وأن نرتضي فقدانه بكل رحابة حب!

من لم يكن جاهزاً لمثل هذا التحدّي فأولى به ألا يحب.

back to top