الكتب في مصر... من المصادرة إلى الحرق

نشر في 22-04-2015 | 00:02
آخر تحديث 22-04-2015 | 00:02
الأدباء يستنكرون ويطالبون بالرد على التطرّف بالاستنارة

من المصادرة إلى الحرق هي حال الكتب في مصر، ذلك بعد واقعة حرق بعض الكتب في حوش إحدى المدارس المصرية بدعوى أنها تحمل أفكار جماعة «الإخوان المسلمين»، ما عَده المفكرون والأدباء انتكاسة كبرى في المفاهيم والوعي لدى البعض.
أكَّد الأدباء في مصر أن واقعة حرق الكتب في إحدى المدارس تنعكس بأخطارها الوخيمة على المجتمع، مؤكدين أن ما حدث ردة فكرية غير مقبولة تذكرنا بوقائع مأساوية جرت على مدار التاريخ، وطالبوا المسؤولين بمحاسبة المسؤولين عن هذه الحادثة.

في هذا السياق، أوضح الأديب عبدالوهاب الأسواني أنه يرفض هذه الواقعة أياً كان مضمون الكتب التي حُرقت، ويرى أن الفكر يردها ويقاومها، قائلاً: {في تاريخنا الإسلامي شخص يهودي يدعى ابن ميمون ألف كتاباً قال فيه إن الإسلام لم يأت بجديد لكنه مجرد تطوير بسيط للديانة اليهودية، وفي هذه الفترة كانت الدولة الإسلامية تحكم جزءاً كبيرا جداً من العالم وكان من الممكن قتله بمنتهى السهولة. لكن كان الرد عليه فعلياً من خلال كتاب}.

أضاف الأسواني: {ما حدث من ابن ميمون لم يمنع القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي من أن يجعله طبيبه الخاص في ما بعد ما دام تم الرد عليه فكرياً}، موضحاً أن الحرق لا يدل على شيء إلا عن العجز والضعف وعدم القدرة على الرد الموضوعي والفكري، خصوصاً أننا مررنا بمراحل كثيرة كهذه ولدينا فعلاً كتب وأدباء يستطيعون الرد على هذه الأفكار الشاذة.

عضو اتحاد الكتاب في مصر الكاتب محمد السيد عيد يرفض شكلاً وموضوعاً ما حدث قائلاً: {لا يجوز أن نعلم أبناءنا أن يحرقوا الكتب فهذا يذكرنا بما تعرَّض له ابن رشد وكيف أن حرق كتبه صار وصمة عار على جبين الفاعلين. وإذا كان ضرورياً أن نتخلَّص من بعض الكتب، فلنقم بذلك بعيداً عن أبنائنا كي يتعلموا احترام الكتاب وتقديسه}.

يوضح عيد أن هذه الأفعال ستساعد على تنشئة جيل اعتاد حرق المطبوعات رغم ضرورة وجود قدسية للكتاب، مشيراً إلى أنه حمل على عاتقه الرد على دعاة التكفير وأصدر كتاباً بعنوان {في مواجهة التكفير} للرد على المتطرفين. وقال إنه يتصوَّر أن هذا هو الرد اللائق، مطالباً بتنقية الكتب المدرسية والجامعية كي لا يحمل الشباب أفكاراً متطرفة.

ويرى الناقد الأدبي مدحت الجيار، عضو اتحاد الكتاب، أن حرق الكتب جاء متسرعاً وكان لا بد للدولة من وضع خطة لمواجهة تلك المطبوعات المليئة بمغالطات كثيرة قد تودي بالطلاب والتلامذة إلى الشرود وربما تودي بهم في النهاية أيضاً إلى جرائم باسم الدين، مقترحاً بأن يقوم المسؤولون بالمدارس والنوادي والجامعات بجرد جميع الكتب لديهم ووضعها في قوائم لعرضها على المختصين في الدين والفلسفة والعلم، كي يقولوا رأيهم فيها.

وأضاف الجيار: {لا بد من تزويد هذه المكتبات بمؤلفات ذات صبغة علمية وفلسفية واضحة تنقذ القارئ من الأفكار المتطرفة أو المغلقة، خصوصاً أننا الآن نخرج إلى عالم جديد ومجتمع متفتح ولا بد من تزويد القارئ بما يدفعه إلى الأمام}، رافضاً ما حدث أياً كان محتوى هذه الكتب ومضمونها، ومؤكداً ضرورة الرجوع إلى الجهات المعنية بذلك.

أسوأ مشهد

من جانبه، قال الناقد الأدبي حسين حمودة إن {مشهد حرق الكتب في الفناء المدرسي أحد أسوأ المشاهد التي يمكن رؤيتها على الإطلاق، وأننا لا نقاوم مضمونها من خلال حرقها وإنما نواجه الأفكار المرفوضة بأفكار أخرى مستنيرة}، مشيراً إلى أن تجربة حرق الكتب ترسخ في ذاكرة ووجدان التلامذة الذين شاهدوها فكرة سيئة عن القراءة عموماً وليس عن المطبوعات التي أحرقت فحسب.

يستكمل حمودة: {يعيد المشهد المروع إلى أذهاننا بشكل أو بآخر صوراً قديمة مأساوية لمحاكم التفتيش في تاريخ غابر، ومن جانب آخر هذه التجربة كلها تستعيد تلك الفترة السيئة وما حولها والتي اختلطت بتجربة المكارثية حينما كان المثقفون يلاحقون ويتم تفتيش ضمائرهم إلى آخر هذه الأفعال غير اللائقة}، مؤكداً أنه يتمنى ألا يتكرر هذا المشهد، وأن يُحاسب كل من شاركوا فيه، لا سيما أن بعضاً منهم كانوا يحملون علم مصر.

يختلف الروائي محمد مهنا مع من سبقوه، إذ يرى أن التعامل مع الفكر المتطرف يجب أن يكون بالشدة والحسم اللازمين ولا مانع أبداً من حرق كتبهم أمام الجميع حتى يعلم القاصي والداني أنهم خطر على الأمة العربية والإسلامية، مشيراً إلى أنه يرفض مقولة المثقفين بأن الحجة تواجه بالحجة.

يشدِّد مهنا على أن أصحاب هذه الكتب ليسوا فصيلاً وطنياً كما يزعم معظم المثقفين بل هم إرهابيون، يجب اجتثاث فكرهم من المنبع، متهماً النخبة المثقفة بأنها من ورطنا في مستنقع الإخوان بزعم أنهم أفضل من أنظمة حكم السادات ومبارك، موجهاً إلى رافضي حرق الكتب سؤالاً: {لو تمكَّن هؤلاء المتشددون الدواعش من كتبكم ألن يحرقوها؟... تكذبون على أنفسكم لو زعمتم غير ذلك}.

back to top