أحلام لا تتحقق

نشر في 20-04-2015
آخر تحديث 20-04-2015 | 00:01
 فوزية شويش السالم حمل القانون الجديد لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الكويتية، الخاص بتنظيم عملية استقدام العمالة المنزلية، تحديد الأسعار التي يجب أن تُدفع لكل من المكتب الذي يستقدم العامل وأجره، تبعا للبلد الآتي منه وخبراته في العمل، على ألا يقل عن حد أدنى حُدد مبلغه تبعا لدولته.

هذا القانون حمى المواطن من تلاعب أصحاب مكاتب استقدام العمالة من رفع أسعارهم كيفما يريدون، عن طريق تحديد الوزارة سقفا معينا لكل دولة، كما أنه حمى العامل من ظلم المكتب أو صاحب العمل بأن حدد الأجر الأدنى تبعا لبلده ونوع عمله، ويرتفع هذا الراتب بارتفاع الخبرات.

ونتمنى من وزارة الشؤون أن تحاصر وتكشف التجار الذين يستقدمون العمالة التي تتاجر بها دولهم عن طريق دفع مبالغ تُقدر على حسب نوع العمل، فمثلا يُدفع لصاحب الشركة الكويتية المستقدمة ممرضات أو ممرضين 700 دينار على كل رأس، ويدفع للعامل المنزلي 500 دينار أيضا على كل رأس فيهم، وبالتالي يستقدمهم صاحب الشركة وفوقهم آلاف الدنانير التي قبضها عمولة استخراج عقد عمل لهم دون أن يدفع فلسا واحدا مقابلهم، ومن ثم يقوم بتوزيعهم بحسب الجهات التي تتطلبهم، وعلى العمالة دفع رواتب شهور طويلة أكثر مما تم دفعه للوكيل الكويتي لمافيات دولهم التي تقوم بتسهيل إجراءات سفرهم، وكل ذلك من أجل أحلام بتحقيق حياة أفضل لهم في ما بعد قد تتحقق وقد لا تأتي بما حُلم به.

لذا امتلأت الشوارع بعمال نظافة فائضين عن الحد، فالشارع أو العمل الذي بإمكان عامل واحد أن يقوم به أصبح موزعا على عشرة، وتحول عمال النظافة إلى شحاذة صامتة تكتفي بإرسال نظرات استعطاف للمواطنين دون القيام بعملهم الذي هم معنيون به، وبات عمال وعاملات النظافة في كل مستشفى أكثر من حاجة العمل لهم، حتى إنهم باتوا يقضون الوقت جالسين على الكراسي يثرثرون بصوت عال يقطعون به الفراغ والكسل.

أكيد أن هناك خللا ما في هذا الموضوع غير المفهوم لتكدس العمالة في ردهات المستشفيات في أمكنة لا تحتاج في تنظيفها إلى كل هذه الأعداد، فهل هناك مكاسب سرية فيها؟!

أنا لست ضد استقدامها ولكن في حدود الحاجة الفعلية لها، لكن أن تتحول إلى تكدسات عمالية فائضة عن الحاجة التي تتكلف الدولة عبئها، فلمصلحة من تُدمر التركيبة السكانية التي هي أصلا فيها خلل سكاني؟!

أما العمالة المنزلية فهي التي تقوم بعملها بجد، وتشتغل في البيوت لإراحة أصحابها المنشغلين في أعمالهم الخارجية، وهم يأتون بأحلام كبيرة لتحسين أوضاعهم المعيشية التي تكون عادة تحت خط الفقر، وبمجرد ما ينتهي الواحد منهم من تسديد المبلغ الذي دفعه لخروجه من بلاده، حتى يدخل في متطلبات بيته وأحلام أهله ببناء بيت قوي لا يتساقط بالأمطار، فيه حمام داخل المنزل وليس عموميا، ومن ثم يبدأ في دفع مصاريف دراسة أولاده أو زواج اخوته أو شراء أدوات زراعية أو علاج أمه أو أبيه أو جدته، وهكذا يمضي به العمر في تحقيق طلبات لا تنتهي دون أن يتمكن من جمع مبلغ يعينه على تأسيس عمل يفيده عند تقاعده.

أصعب ما في هذه الحياة أنهم لا يجنون من أحلامهم إلا قشورها، وراحتنا تأتي على خراب بيوتهم وحياتهم في الأغلب، فالواحد منهم بمجرد أن يترك قريته يتحول إلى ماكينة صرف آلي مهمتها إرسال الفلوس، ومع الزمن تفقد قيمتها العاطفية، ويصبح غريبا في وسط أهله، هذا عدا عن فقد سلطته على أولاده وأسرته.

يقول لي الطباخ إن ولده لا يسمع كلامه، وإن زوجته لا تملك سلطة على أولادها، وهو يشتغل هنا، لا يدري كيف يدير حياة أسرته وهم هناك؟

سائق الجيران سافر لحضور جنازة والدته، واكتشف خيانة زوجته مع صرف مدخراته على صديقها، حزنه دفعه للبقاء مع أولاده الأربعة، مفضلا انقطاع رزقه على ضياع أسرته.

الفلبينية التي قررت السفر إلى بلادها بعد وصولها إلى سن التقاعد، عادت إلى العمل مرة أخرى، حين شعرت بأنه ليس لها مكان في أسرتها التي أنفقت عمرها كله لتحقيق أحلامهم، وأنه لم يبق لها مكان إلا هنا.

الأمر موجع للقلب حين تكون راحتنا على حساب توازن حياتهم.

back to top