المغربي شعيب حليفي: الرواية جنس «إمبريالي»

نشر في 20-04-2015 | 00:02
آخر تحديث 20-04-2015 | 00:02
No Image Caption
يرى الروائي والناقد المغربي شعيب حليفي أن الروائي يستثمر التاريخ، مؤكداً أن الرواية ليست بديلاً للتاريخ والذي يُعد بحد ذاته علماً، كما قال ابن خلدون. وأضاف في حواره مع «الجريدة» أن «المزاوجة بين عملي النقدي وكتابتي الرواية لا تضرني بقدر ما تفيدني في تلبية حاجتي الثقافية والاستمتاع بالتحليق في الخيال». وإلى نص الحوار.
أنت روائي وناقد في آن، هل أفادك الجمع بين المجالين؟

كتابة الرواية هواية تُمتعني وأصوِّر من خلالها ما يجول في خاطري. هي فعل أعبِّر عنه بخطابات أخرى، إذ يتيح الإبداع مساحات من القول الروائي بطرق يجيدها الكاتب ويستثمر عبرها في التاريخ المحلي والعالمي والقضايا والأفكار بطرق تعتمد على صياغة التخيل. أما النقد فهو مهمة وضرورة احترافية لعملي كأستاذ جامعي حيث تُفرض عليَّ الكتابة والاطلاع والعمل في هذا المجال.

يفيدني النقد طبعاً، حيث قدمت كتباً نقدية تُدرس في الجامعة، وعندما أكتب رواية أكون سعيداً لأن فيها من التصورات النقدية كافة التي أعمل على تحويلها في إطار أدبي تحليلي يفيدني. لا تضرني هذه المزاوجة بقدر ما تفيدني وأحاول أن أفرق بين المجالين: بين الإبداع كهواية ألبي بها حاجة ثقافية، في حين أن النقد يتضمن صعوبة ومفاهيم وإجراءات متعبة قد لا تصلح إلا للباحث.

ما الذي يحقق الخلود للشخصية الروائية؟

 أن تكون الرواية جيدة فلا تتضمَّن الافتعال بل تنبع من وجدان الكاتب الشخصي والعالي، لأن الرواية التي لا يكتبها الكاتب انطلاقاً من حسه الخاص والامتداد في العمق الجغرافي والتاريخي لا تتمتّع بديمومة وسيرورة.

هل أصبحت الكتابة باللغة الفرنسية بوابة الشهرة للكتَّاب المغاربة؟

الكتابة باللغة الفرنسية ليست مجالاً للشهرة. وُجِدنا في مجتمع كان بوابة الشرق بالنسبة إلى الإبداع والثقافة والفكر حيث تعلَّمنا من الشرق الكثير، الآن نفرض على الطلبة الباحثين المشتغلين في النقد والبحث أن يملكوا أكثر من لغة لأن المراجع كافة باللغات الآخرى غير العربية. من ثم علينا أن نطلع عليها، وأن نلحظ كيف أفاد النقد المغربي من قرينه العربي حينما انفتح على التصورات النقدية والإبداع العالمي ففتح باباً لتطوير الآليات والنقد العربي.

لكن ربما تقف اللغة الفرنسية عائقاً في توصيل الأدب العربي إلى ذويه من الكتاب المغاربة؟

لا أعتقد ذلك، لأن قسماً كبيراً من الكتاب المغاربة يكتب بالعربية، والقسم الآخر الذي يكتب بالفرنسية من حقه ذلك لتعزيز التعددية المطلوبة.

 لا يجب أن نطلب من الكاتب أن يكتب بلغة واحدة، وجُل النقاد المغاربة يكتبون باللغة العربية وكتبهم متوافرة في العالم العربي.

لكن اللغة الفرنسية مهمة كرافد وكمرجعية. لا يقتصر الأمر على الفرنسية، ففي المغرب اليوم كتاب لهم مرجعية في اللغتين الإنكليزية والإسبانية، وحتى الهولندية.

ما هي رؤيتك للمشهد الثقافي العربي عموماً والمغربي خصوصاً؟

 بدأ الأحساس لدى المثقفين بأهمية تطوير الثقافة. تعلمين بأن السياسة والعالم الأميركي والتصورات الجديدة تحاول أن تبخس الثقافة حقها، بل تعمل على إذابتها في ثقافة سريعة وعابرة لا خصوصية لها.

 صار البحث عن هوية تصون الهوية العامة المغربية والعربية ضرورياً. أصبحت للثقافة العربية مكانة في الثقافة العالمية، ويجب أن نعي ذلك لأن الثقافة مركب النجاة بالنسة إلينا.

كيف ترى اتهام النقاد بالتقصير والاتجاه إلى الرسائل الجامعية بعيداً عن النقد؟

لا أعتقد أن هذا الكلام يصيب الحقيقة في شيء، لأن المبدعين والنقاد قلة في الوطن العربي، وليس ناقداً كل من يستطيع أن يتحدَّث عن نص ما. الناقد هو من يملك تصوراً وآليات للنقد.

ثمة خلط ما زال حاضراً من طرف بعض النقاد الذين لا يجدون الأدوات ويتهافتون على النقد أو يبحثون عن هذه الصفة والتي ليس من السهل أن يملكها الناقد، وهي صفة لا بد من أن تتوافر لها شروط وأن نتدرج في الوصول إليها. ثمة نقاد أميركيون يعملون في حدود مع طلابهم. واليوم، نهيئ للنقد في الورش والمختبرات مع طلبة الدكتوراه حول مشروع معين.

لكن عموماً، أصبح النقد العربي متقدماً بأدواته ومناهجه. النقد الأكاديمي ليس هو النقد كما نعرفه، ثمة الناقد من خلال الأبحاث والدراسات، مع العلم أن الدراسات النقدية في العالم العربي قليلة جداً خصوصاً في مجال الرواية. وثمة نقاد أكاديميون إحدى مهامهم الأساسية ممارسة النقد الأكاديمي عبر رسائل وأطروحات الجامعة باعتبارها هي التي تخصب النقد. ولا ننسى حضور المؤتمرات. شخصياً، أتلقى سبع دعوات في العام لا أحضر إلا واحدة أو لا أحضر نهائياً. أشارك في المؤتمر الذي يضيف إلى رصيدي النقدي.

هل يجوز للناقد التسامح مع أخطاء تاريخية للروائيين؟

لا أخطاء تاريخية للروائي لأنه يستثمر التاريخ، وليس بالضرورة أن يكون الروائي مؤرخاً.

 لم نقل مطلقاً بأن الرواية بديل عن التاريخ، التاريخ لوحدة علماً كما قال ابن خلدون، والرواية هي تخيل ولعب بهذا التاريخ وتأسيساً لعالم آخر، ليس بالضرورة أن أكتب رواية وأعتمد على التاريخ باعتباري أحاول تصحيحه، بل أكتب عالماً جديداً انطلاقاً من تراث. وتكمن قدرة الرواية في هضم وامتصاص المعارف كافة والعمل عليها لتؤسس من خلالها عالماً جديداً.

ثمة أمور جديدة في عالم الرواية لا توجد في الواقع، وليس بالضرورة أن تكون الرواية نسخة من الواقع أو التاريخ، ليس من مهمتها أن تكون بديلاً عن أحد أو شيء، بل هي عالم مستقل وجنس أدبي وجد ليعبر بهذه الطرق.

 عموماً، أعتقد أن الرواية {جنس إمبريالي} يستطيع أن يأخذ ما لديه بطريقته الخاصة.

ماذا عن العلاقة بين الفعل السياسي والثقافي والدور التحريضي الممكن للأدب؟

للأدب دور تحريضي بالمعنى النبيل وليس بالمعنى السياسي، فالسياسة خطاب مرحلي يموت مع موت المرحلة ولكن الإبداع يبقى. بقيت كتابات الروائي عبد الرحمن منيف، رواية {مدن الملح} على سبيل المثال، عن مرحلة سياسية معينة رغم أن المرحلة نفسها سقطت. كذلك {الأرض} لعبد الرحمن الشرقاوي التي كتبها برؤية وجودية وسياسية في مرحلة الخمسينيات من القرن الماضي، سقطت هذه المرحلة وبقي الإبداع.

الرواية خطاب دائم له ديمومة وسيرورة لأنها مرتبطة بالوجدان والمعارف وتصور حضاري وثقافي للمجتمعات.

ماذا عن الجديد لديك روائياً ونقدياً؟

أكتب رواية جديدة. على مستوى النقد، أصدرت أخيراً مؤلفاً عن كتاب الهلال في القاهرة بعنوان {عتبات الشوق} أخذت فيه من القرن الحادي عشر إلى القرن الواحد والعشرين نصوصاً من الرحالة المغاربة الذين زاروا القاهرة. كذلك سيصدر لي كتاب نقدي استثمرت فيه النقد الثقافي من خلال دراسة بعض النصوص العربية.

back to top