الجرأة... تصدوا لمن يريد إحباطكم

نشر في 19-04-2015 | 00:02
آخر تحديث 19-04-2015 | 00:02
No Image Caption
في هذا العصر الصعب، تُعتبر صفة الجرأة الطاقة الفاعلة التي نحتاج إليها. كيف يمكن أن نجرؤ على التصرف حين يجتاحنا شعور بالعجز أو حين نتجاوز حدودنا الخاصة كي نتبع رغباتنا؟
أثبتوا جرأتكم وتميزوا عن الآخرين وافعلوا كل ما يسمح لكم بالتأكيد على نزاهتكم ونواياكم ورؤيتكم وتخيلاتكم للتصدي لأي شخص يحاول إحباطكم! في هذا الزمن الذي يعجّ بالمشاكل التي تعيق مستقبلنا، ألا تبدو هذه الدعوة ملهِمة ومناسبة؟

قد تتعلق الظروف التي نعيشها بحياتنا العاطفية أو بمسارنا المهني أو بتربية الأولاد أو بنمط حياتنا، أو بصراعات نضطر إلى خوضها جماعياً (ضد الفقر، أو في سبيل حماية البيئة وتحسين العيش المشترك، أو مواجهة التغيرات التكنولوجية أو العلمية)... يجب أن يتمكن الفرد، رغم التعقيدات الإيديولوجية السائدة، من رؤية الواقع من زاوية مختلفة ويجب أن يشكك بكل ما كان يبدو غير قابل للنقاش وأن يأخذ مجازفات جديدة.

كان يمكن أن نتحدث عن الشجاعة. لكن يبدو موضوع الجرأة أكثر إثارة للاهتمام وأكثر تناسباً مع طموحنا إلى إثبات ذواتنا بكل قوة. وبعد اكتساب تلك القوة من خلال الجرأة، ما الذي يمنعنا من الطموح لتحسين العالم؟!

كسر الخوف

ما معنى الجرأة وما الذي يميزها عن الشجاعة؟ بالنسبة إلى أرسطو، تقع الشجاعة بين التساهل والتهور. إنها فضيلة سامية ويمكن أن نعبّر من خلالها عن قوتنا الأخلاقية. أما الجرأة، فهي تعني تجاوز الحدود المتعارف عليها وإثبات القوة بما يتجاوز القدرات التي نظن أننا نملكها.

الشجاعة هي رد فعل يعكس القدرة على المقاومة: تظهر خلال المواقف التي نواجهها (حرب، مرض، مشقات متنوعة). تحمل الجرأة شكلاً من الاستفزاز: إنه نوع من الاندفاعات التي تقودنا إلى كسر القواعد الروتينية للقيام بخطوة غير اعتيادية ومفاجئة ومبتكرة. لا تتأثر بالسخافات التي باتت تطبع مجتمعنا المعاصر مثل وقاحة بعض مقدمي البرامج التلفزيونية ودعابات بعض المشاهير وسلوكيات بعض الأشخاص المتهورين. لتكوين قوة حقيقية تسمح بإحداث التغيير المنشود، يجب أن يرتكز السلوك على التزام فعلي وسعي جدي إلى إحراز التقدم للذات أو للآخرين. هذا السبب الذي يتجاوز حدود الذات هو الذي يسمح لنا بأخذ المجازفات لأننا نعتبر أننا سنربح أكثر مما نخسر. في هذا الإطار لا تكون الجرأة لاواعية، بل إنها تتطلب الشجاعة لأنها قد تكون مكلفة.

تحرمنا الجرأة في الحياة اليومية من الهدوء والطمأنينة. فهي تدفعنا إلى التعبير عن حقائق لا يريد الآخرون سماعها. الأمر أشبه بكسر المخاوف لخوض المغامرات والانطلاق في اتجاهات مجهولة. نقوم بذلك لأن هذه الكلفة، حتى لو كانت مرتفعة، تبدو أقل مما هي عليه إذا لم نتحرك.

قليل من الجنون

قد نفتقر أحياناً إلى الجرأة لأن المجتمع لا يسمح لنا بأن نثبت تميزنا عن الآخرين. أصبحنا نماذج شبه موحدة. لذا يُعتبر الشخص الجريء مهمشاً وغير واعٍ ومجنوناً وتُوجَّه إليه أصابع الاتهام لأنه يخرج عن المألوف. وفق هذا المنطق، تُعتبر الجرأة سلوكاً شائباً لأنها تعارض النظام القائم. لطالما سعى النافذون إلى منع الناس من التمرد عليهم عبر فرض وضع جماعي مؤثر لدرجة أن تصبح فكرة التمرد بعيدة كل البعد عن ميول الناس. تحقق ذلك من خلال إضعاف التعليم وقمع الأفكار واستعمال التلفزيون كوسيلة إلهاء. أصبح الجدل صعباً في مختلف المواضيع وثمة انطباع بأن شخصاً واحداً فقط يعرف الحقيقة ويملك حلولاً بسيطة. تقضي الخطوة الجريئة بوقف التفكير مثل حزبنا أو عائلتنا أو مجلتنا المفضلة لتعميق معارفنا عن الحقائق المعقدة.

قد نفتقر إلى الجرأة أيضاً لأن الصراع يخيفنا. نخلط بينه وبين العنف مع أنه يتعلق فعلياً بالتعامل مع الخلاف بطريقة بنّاءة، من دون محاولة إخضاع الطرف الآخر لأفكارنا الخاصة. لكننا نفتقر إلى هذه الثقافة الفكرية.

اكتشاف معنى وجودنا

من خلال خياراتنا، نواجه ردود فعل المحيطين بنا لأن جرأتنا تشكك بهم وتثير قلقهم. نخشى أحكامهم ورفضهم لنا لأننا قد نكشف عن رغبتهم الدفينة في إحداث تغيير لا يستطيعون تحقيقه. يكون الصراع، بلا عنف، خطوة حتمية إذا أردنا عيش الحياة التي نريدها. إنها الطريقة الوحيدة للحفاظ على صدقنا والروابط التي تهمّنا. وإلا سنجازف بخوض تجربة تجبرنا على الرضوخ لما يتوقعه الآخرون منا أو على التمرد كرد فعل ضد رغبات الغير: سيخسر الجميع في هذه المعركة. حين نعجز عن تحقيق أهدافنا في الحياة، سرعان ما نصطدم بالإحباط، فردياً وجماعياً. هكذا تتبخر الطاقة الثورية التي ترافق الجرأة ليحل مكانها الغضب والرغبة في التدمير، وهو ما نشهده في تظاهرات عدة.

ماذا أريد من حياتي؟ في أي عالم أريد أن أعيش؟ لا يمكن أن تترسخ الجرأة إلا من خلال قدرتنا على إعطاء معنى لتصرفاتنا ووجودنا. يسمح هذا المعنى بتحقيق إرادتنا واستعمال إبداعنا وقوة تحمّلنا. إذا كانت إحدى هذه العوامل ناقصة، سنفقد جميع الحوافز الأخرى. لا نستطيع جميعاً تحديد المعنى الذي يحكم حياتنا. قد يبدو الأمر مجرّد تفصيل بسيط من حياتنا اليومية. لكننا نعلم على الأقل إلى أي حد وفَّر لنا بعض تصرفاتنا السعادة والطاقة لأنها كانت تتماشى مع ما نريده في أعماقنا. لإيجاد الطريق نحو الجرأة، يجب أن نكتشف سبب وجودنا. في ظل غياب هذا المعنى الجوهري، سنسعى إلى سد الفراغ الوجودي عبر البحث عن السلطة والمال والمتعة العابرة. أول خطوة جريئة يمكن الإقدام عليها هي الاعتراف بكل ثقة: {هذا أنا! هذا ما أشعر به! هذا ما أريده!}.

تحقيق الطموح الشخصي

يعني العيش بجرأة التشكيك بالظروف السائدة والتمتع بِحسّ نقدي وأحكام موضوعية واستقلالية فعلية والتفكير بالبيئة ومكانتنا فيها واتخاذ قرار بعدم الاستسلام. يعني أيضاً مواجهة التحديات بدل الاقتناع بأن شيئاً لن ينفع. ما الذي يمنعنا من رفع سقف الطموحات؟ الجرأة هي الطاقة التي يتمتع بها كل من يتخلى عن ظروفه الاعتيادية. يجب ألا نصغي إلى كل من يحاول إحباطنا. نولَد جميعاً ونحن نحمل متطلبات داخلية. سيكون التصدي لها مرادفاً للموت. قد نرغب في إنقاذ كوكب الأرض، وإرساء السلام في العالم، وإحداث ثورة في الشركة التي نعمل فيها، وعيش حب أقوى من الذي عرفناه، والسفر بعيداً والتخلي عن كل شيء لإعادة بناء حياة جديدة... إنها طموحات مشروعة لأن العيش الحقيقي يحررنا من الخوف ويمنحنا السلام الداخلي رغم المصاعب التي تنتجها مواقفنا الجريئة في الحياة اليومية. ما الذي تريد فعله إذاً في حياتك؟ إلى أي حد سترفع سقف طموحاتك؟ وكيف ستوفر لنفسك الوسائل اللازمة لتحقيق ذلك؟

back to top