حضر مارسيل... لم يحضر

نشر في 19-04-2015
آخر تحديث 19-04-2015 | 00:01
 ناصر الظفيري في عام 1988 كان كل شيء يبدو مختلفاً في الكويت، توقفت الحرب الدائرة بين جارتيها وكانت الانتفاضة الفلسطينية قد بدأت قبل ذلك بعام واحد. وفي الكويت جالية فلسطينية ضخمة تقترب عددا من سكان الكويت. والكويت –يومها- الحاضن الأكبر للسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، فكانت الدعوة للفنان العربي الأشهر وطنيا مارسيل خليفة الذي لم يكن اسما مشهورا للعامة.

تجربة مارسيل كانت تجربة مغايرة ومغامرة لم يكن لها أن تنجح لولا قدرة الرجل على تطويع القصيدة العربية للحن الثوري. في عام 1988 وفي حفل سينما السالمية الشهير كان الحضور الكويتي قليلا نسبيا، مقارنة بالحضور الفلسطيني على مدار ثلاثة أيام غنى فيها مارسيل جميع أغانيه التي يضعها اليوم المتشددون الاسلاميون تحت وطأة المنع، وأهمها بالتأكيد قصيدة ريتا لمحمود درويش.

نجح مارسيل في البدايات الأولى، منذ سبعينيات القرن الماضي تقريبا في تسجيل الالبوم الأول مختارا قصائد لم يكن سهلا القيام بأدائها وتحتاج الى قدرة موسيقية وطاقة ابداعية تضع مكسبها المادي جانبا، وتحمل هم الانسان العربي وقضيته الأولى – في ذلك الوقت – قبل أن يدخلنا ويدخلها صدام حسين في متاهتها الأخيرة، التي لم تخرج منها حتى اليوم، ولا يبدو أنها ستخرج. كانت قصائد محمود درويش وسميح القاسم وعزالدين المناصرة النبع الأدبي الذي رأى فيه مارسيل خليفة منهاجا غنائيا يصل به الى عقول الشباب العرب من المحيط الى الخليج. وفي الحفل الأول له في بيروت يحضر حفله مئة ألف يرددون " بالأخضر كفناه" لعزالدين المناصرة التى أصبحت النشيد الثوري للشباب العرب أيامها.

ولم يبق مارسيل خليفة رهين هذا الغناء الثوري المنفرد فأدخل الفنانة أميمة الخليل والقصيدة العامية للشعراء اللبنانيين وأخلص لفن العود ليقدمه عالميا.

سأحتفظ بالتقدير للفنان الملتزم مارسيل خليفة، لكني مضطر للقول إن الحفل المزمع اقامته لو كان لفنانة الجماهير نانسي عجرم ومثيلاتها من "رموز" الغناء العربي اليوم لما وقف متشدد اسلامي لمنعها، ولما ثارت ضجة وافتعلت أزمة.وما ينطبق على فنان ملتزم بفنه حريص على لغته وألفاظه ينطبق على كل من يلتزم بذلك، سواء كان أديبا أو روائيا أو شاعرا.

لقد أصبحنا نضيق بالكلمة الملتزمة ولا نجد طريقا سوى الغائها ومنعها واغلاق الحدود أمامها. ونحن نعلم أنه مهما كان عدد حضور مارسيل في القاعدة التى سيؤدي فيها أغانيه لن يصل الى عدد من يستطيعون متابعته على صفحات التواصل الاجتماعي و"يوتيوب".

لا يستحق فنان كمارسيل خليفة أن يمنع في زمن يُقدم لأبنائنا الهابط من الغناء، لا يستحق فنان كمارسيل خليفة أن نمن عليه بزيارة ليوم أو أكثر في زمن تفتح فيه قاعات التشريفات للهابطات والهابطين في كل مناسبة ودون مناسبة.

مارسيل خليفة كان يعلم عام 1988 أن المنظمة تبيع تذاكره لثلاثة أيام في حفل الكويت الأول وترعى الحفل مؤسسات دعائية وشركات تجارية، وكان يغني هو وفرقة الميادين مجاناً.

شكرا لشباب الكويت الذين ثاروا لمنعه، وشكراً له مرة أخرى فناناً وإنساناً.

back to top