هل ما زالت السعودية تدعم السيسي؟

نشر في 19-04-2015 | 00:01
آخر تحديث 19-04-2015 | 00:01
لم تعد قطر تجد الضغوط ذاتها التي كانت تمارسها عليها السعودية في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز من أجل تخفيف غلواء معاندة مسار 30 يونيو في مصر أو دعم تنظيم «الإخوان».
 ياسر عبد العزيز يوم الأربعاء الماضي، اضطر محافظ البنك المركزي المصري هشام رامز أن يؤكد أن البنك "لم يستقبل أي ودائع من السعودية أو الإمارات أو الكويت أو سلطنة عمان"، وهي الودائع التي كانت الدول الأربع قد أعلنتها، خلال مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري، الذي انعقد في مدينة شرم الشيخ، في مارس الماضي.

كانت العلاقات المصرية بدول الخليج العربية، خصوصاً السعودية، في أوج ازدهارها طوال المدة من 30 يونيو 2013 حتى مطلع العام الحالي.

منذ واقعة التسريبات التي نسبت إلى مكتب الرئيس السيسي حين كان وزيراً للدفاع، لم تعد العلاقات كما كانت عليه في السابق، رغم نفي الحكومة المصرية صحة تلك التسريبات واعتبارها "مفبركة بغرض الوقيعة بين مصر وشقيقاتها الخليجيات".

في تلك التسريبات المفترضة، والتي تم نفي صحتها من الجانب المصري، يقول أحد أهم مساعدي الرئيس السيسي كلاماً يُفهم منه أنه ينطوي على حقد على ثراء دول الخليج وقادتها من جانب، ويحض على ما يمكن وصفه بـ"معاملة تجارية" مع تلك الدول (هات وخذ)، من جانب آخر.

لم يعد هذا المساعد يظهر في الصور الرسمية للرئيس ومصاحبيه على أي حال، كما أن الرئيس سعى إلى إزالة أي سوء فهم يتعلق بتلك التسريبات في كلمة قال إنها "موجهة للشعب المصري"، غداة تنصيب الملك سلمان مباشرة.

حينما أتى الملك سلمان إلى السلطة، كتب أحد الكتاب المقربين من دوائر الحكم السعودية مقالاً قال فيه إن "لكل زمان دولة ورجالاً وسياسة خارجية"، وهو المقال الذي حرص كاتبه على أن ينتقد أداء بلاده في مجال السياسة الخارجية إبان عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، في عدد من الملفات الإقليمية.

وعن مصر تحديداً، كتب يقول: "أوضاعها لا تبشر بخير، وأدت حماية نظامها من النقد والمحاسبة إلى أن يتغول على الحريات، وبات سقوط قتلى مصريين كل يوم في شوارع القاهرة وبقية المدن من أجل حماية النظام خبراً عادياً، ما عمّق الانقسام والاستقطاب، وجعل المصالحة الوطنية المنشودة أصعب وأبعد، وليس هذا بالتأكيد ما تريده السعودية والولايات المتحدة لمستقبل هذا البلد المهم".

بعدها بأيام قليلة كتب كاتب آخر من المقربين أيضاً من دوائر السلطة يقول بضرورة عدم تورط السعودية في رعاية أحد الطرفين العالقين في الصراع في مصر، وأن تعمل على تقديم حلول نحو "المصالحة وإنهاء حالة الاستقطاب".

لم تكد تمر أيام قليلة حتى تحدث باحث آخر عن "ضرورة أن تكون السياسة السعودية أكثر مرونة، بحيث يمكن أن تتحاور السعودية مع أطراف مختلفة حتى لو كانت معادية مثل الجماعات المقاتلة في سورية أو (الإخوان) في مصر".

لا يمكن بالطبع الاعتماد على كتابات كتاب أو تحليلات باحثين لاستقراء التوجه السياسي السعودي حيال مصر، ومهما كانت السياسة السعودية محافظة أو كتومة فإن التحليل السياسي يلزمه براهين ومعطيات أكثر صلابة ليتم الانطلاق منها والاستناد إليها.

لذلك، كان من المهم جداً في هذا السياق تحليل ما قاله الرئيس التركي أردوغان لعدد من الصحافيين الأتراك الذين رافقوه في رحلة عودته من رحلته الأخيرة إلى الرياض، وهي الرحلة التي تزامنت مع زيارة قام بها الرئيس السيسي في الوقت نفسه أيضاً.

لقد قال أردوغان: "إن الأمور تسير بتوافق واضح مع السعودية في كل الملفات باستثناء الملف المصري".

وقد حاول الرئيس التركي أن يُذكّر مجدداً بأفكاره حيال الوضع في مصر، فاعتبر أن "مرسي رئيس منتخب، وأنصاره في السجون، وأن انقلاباً عسكرياً يحكم مصر، ويُصدر أحكاماً بالإعدام ضد أعضاء الجماعة، وأن هذا الوضع قد يأخذ الأمور إلى انفجار"، قبل أن يصل إلى الجزء الأكثر إثارة، فيقول "إن انقلاب الوضع في مصر مرتبط بخطوة سعودية، لأن الرياض هي صاحبة التأثير الأكبر على الوضع في هذا البلد".

لم يتوقف أردوغان عن إهانة النظام المصري، والتشكيك في شرعيته، واستضافة معارضين وقنوات فضائية تحرض على العنف والقتل في مصر، في وقت يتحدث فيه عن احتمال "قيام محور سعودي- تركي- مصري" بعد أن يتم حل مشكلة "إخوان" مصر.

قطر أيضاً مازالت على المنوال ذاته في الخصومة مع مسار 30 يونيو في مصر، ومع ذلك، فإنها زميلة لمصر في تحالف "عاصفة الحزم"، الذي تقوده السعودية.

لم تعد قطر تجد الضغوط ذاتها التي كانت تمارسها عليها السعودية في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز من أجل تخفيف غلواء معاندة مسار 30 يونيو في مصر أو دعم تنظيم "الإخوان"، بل على العكس من ذلك هناك من بات يتحدث من الطبقة السياسية المحيطة بدوائر الحكم السعودية عن إمكانية التعاطي مع "الإخوان"، وتغيير السلوك السياسي المصري إزاءهم.

منذ وصل الملك سلمان إلى العرش لم يعط إشارة واحدة إلى موقف بلاده من "الإخوان"، ولم يتحدث عن الالتزامات القطرية حيال الملف المصري، كما أنه، أو أي طرف سعودي رسمي آخر، لم يعلق على كلام أردوغان عن "تدخل الرياض لتغيير الأوضاع في مصر".

على السيسي الآن أن يتخذ قراراً مصيرياً يتعلق بإصدار الأوامر، في غيبة البرلمان، لنشر قوات برية مصرية في اليمن، في حال قررت السعودية طلب ذلك.

إنه هو نفسه السيسي، الذي كان قد سبق أن أكد أن دور مصر في حماية الأمن القومي الخليجي التزام أساسي، وأن أمن الخليج خط أحمر، وأن الأمر لا يتطلب سوى "مسافة السكة" من أجل الوفاء بهذا الاستحقاق.

السيسي الآن في ورطة، ويجب على السعوديين أن يساعدوه بإعادة التأكيد على التزاماتهم، والوفاء بوعودهم، وإعلان مساندتهم له في معركته ضد "الإرهاب" لا حضه على التصالح معه، ومن دون تلك المساعدة، سيصعب على السيسي جداً اتخاذ القرار الملائم.

* كاتب مصري

back to top