ما قل ودل: قرار «عاصفة الحزم»... شرعيته واستقلاله وحاجتنا إلى مجلس أمن عربي

نشر في 19-04-2015
آخر تحديث 19-04-2015 | 00:01
 المستشار شفيق إمام على هامش قرار مجلس الأمن الدولي

تناقلت الصحافة الخليجية خبر القرار الخليجي الذي تبناه مجلس الأمن الدولي، بموافقة 14 عضواً وامتناع روسيا وحدها عن التصويت، تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يطالب الحوثيين بالانسحاب من الأراضي التي احتلوها، ويفرض حظرا على تزويدهم بالأسلحة، ويكلف الدول الأعضاء بتفتيش السفن المتجهة إلى اليمن، مع منع زعيم الحوثيين المتمردين وكذلك نجل الرئيس السابق علي عبدالله صالح من السفر، ويدعوهم إلى العودة إلى الحوار السياسي.

وقد وصفت الصحافة الخليجية القرار بأنه انتصار دبلوماسي خليجي، وأن القرار الدولي يكون بذلك قد أضفى الشرعية على عاصفة الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية.

ولعل ما استوقفني واستوقف غيري المبالغة في تعليقات الصحف على هذا القرار، وعلى قرار الحرب الذي بدأته المملكة العربية السعودية، وأقرته بعد ذلك القمة العربية، وهو ما يثير بعض القضايا التي أصبحت مطروحة على الساحة العربية، وهي:

شرعية قرار «عاصفة الحزم»

فقد بالغت الصحف الإقليمية بوجه عام والخليجية بوجه خاص في ترتيب الآثار على قرار مجلس الأمن الدولي، بأنه أضفى الشرعية على قرار "عاصفة الحزم"، بما يعني- في هذا المفهوم- ثلاثة أمور:

أولها: أن قرار "عاصفة الحزم"، كان فاقد الشرعية قبل صدور قرار مجلس الأمن وهو ما نرفضه.

ثانيها: أن هذا القرار سوف يشكل سابقة خطيرة، هي أن يفقد القرار العربي استقلاله، بالنسبة إلى كل قرار يصدر في مستقبل الأمة العربية، لأنه سوف يكون في حاجة إلى إضفاء الشرعية عليه من مجلس الأمن الدولي أو الأمم المتحدة، بما يفرض وصاية للمنظمة الدولية على القرار العربي.

ثالثها: أنه اعتراف منا بحق مجلس الأمن في التدخل تحت أحكام الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة، في شؤوننا الداخلية، مع ما هو معروف من ازدواج المعايير في هذا المجلس، وهو الازدواج الذي من أسبابه ما تملكه كل دولة من الدول الخمس الكبرى من وصاية على قرارات المجلس بحكم ما تملكه من نقض أي قرار للمجلس، وهو ما يطلق عليه "الفيتو".

المعايير المزدوجة لمجلس الأمن

ونستعيد في هذا السياق تدخل مجلس الأمن في الشأن الداخلي في لبنان بالقرار 1559 لسنة 2004، عندما صوت مجلس النواب اللبناني على القرار رقم 585 لسنة 2004 بتعديل دستوري للمادة 49 من الدستور اللبناني، والذي سمح للرئيس إميل لحود بالبقاء في منصبه لمدة ثلاث سنوات أخرى، وهو تعديل دستوري لم يرق لفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، إذ اعتبرت فرنسا هذا التعديل تحديا للمجتمع الدولي، واعتبرته أميركا تشويها للديمقراطية.

وهو تدخل في الشأن اللبناني وخروج على صلاحيات المجلس التي قررها له ميثاق الأمم المتحدة، بما يعيب القرار بعدم الاختصاص، لاعتدائه على سيادة الدولة اللبنانية وعدوانه على سلطة دستورية في هذه الدولة هي التي تملك وحدها القول الفصل في تعديل الدستور اللبناني.

وكان قد سبق هذا التعديل الدستوري، تعديل دستوري آخر في لبنان يسمح للرئيس إلياس الهراوي بالبقاء في سدة الرئاسة لفترة بعد انتهاء مدة رئاسته الأولى، وهو تعديل لم يصدر في شأنه قرار من مجلس الأمن، لأن أياً من الدول الكبرى في المجلس لم تعترض عليه.

واستطاعت أميركا وفرنسا- تحت هذه الذريعة- استصدار القرار رقم 1529 لسنة 2004، والذي يندد بهذا التمديد للرئيس إميل لحود ويدعو إلى انتخابات عادلة وحرة ونزيهة لانتخاب رئيس جديد، في الوقت الذي رفضت فيه الإدارة الأميركية نتائج الاستفتاء الذي جرى في فنزويلا حول بقاء الرئيس في منصبه إلى نهاية مدة ولايته، بالرغم مما أعلنته لجنة المراقبين برئاسة الرئيس الأميركي الأسبق كارتر من أن عمليات التصويت في هذا الاستفتاء كانت حرة ونزيهة.

كما دعا القرار 1559 المذكور كل القوات الأجنبية الباقية على الأراضي اللبنانية إلى الانسحاب من لبنان، وهو قرار مشوب بالبطلان لمخالفته ميثاق الأمم المتحدة، لافتقاده أهم ركن فيه، وهو أن انسحاب هذه القوات أو بقاءها يجب أن يكون بناء على طلب من الحكومة اللبنانية وهي السلطة الشرعية في البلاد، وقد أعلنت هذه الحكومة مراراً أن انسحاب هذه القوات يجب أن يتلازم معه انسحاب القوات الإسرائيلية من شبعا، وهي أراضٍ لبنانية لا تزال تحتلها إسرائيل، وينطبق الأمر على الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية التي تتصدى وحدها للاعتداءات المتتالية لإسرائيل على الأراضي اللبنانية.

لتجنب الهيمنة الأميركية

وقد كان ازدواج المعايير في مجلس الأمن الدولي هو السبب الذي بنت عليه المملكة العربية السعودية قرارها منذ بضع سنوات بالاعتذار عن شغل منصبها في المجلس كعضو غير دائم.

وغني عن البيان فإن التدخل الأميركي في الشأن الداخلي للدول الأخرى والتهديد باستخدام القوة واستخدامها بالفعل، قد أصبح محورا في السياسة الخارجية الأميركية، ولم يعد وسيلة لتحقيق الأهداف والغايات التي تعلنها هذه السياسة، بل أصبح هدفا في ذاته يقوم على استعراض قوة الترسانة العسكرية الأميركية وترهيب الآخرين وترويعهم.

وهو ما يدعونا إلى المطالبة باستقلال القرار العربي، وأن يكون هناك مجلس أمن عربي في نطاق جامعة الدول العربية، فليس كافيا تشكيل قوة عربية مشتركة إذا لم يكن هناك قرار عربي شرعي يصدره مجلس أمن عربي في نطاق جامعة الدول العربية، وتحاط قراراته بضمانات تحمي سيادة كل دولة، وحق الشعوب في تغيير الأنظمة الحاكمة المستبدة في كثير من أرجاء الوطن العربي، سلميا وليس بقوة السلاح، كما يفعل الحوثيون المتمردون في اليمن.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top