مشاهد من السودان و«انتخاباته» (2) السودان إلى أين؟

نشر في 18-04-2015
آخر تحديث 18-04-2015 | 00:01
 عبداللطيف المناوي ولاية رئاسية خامسة يستعد الرئيس السوداني عمر البشير لدخولها، بعد الفوز الذي تقول حسابات اللعبة السياسية بالسودان إنه مؤكد في الانتخابات الأخيرة، التي قاطعتها قوى المعارضة، وتغيب عن مراقبتها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. هذه المرحلة الجديدة التي سيمتد فيها جلوس البشير على كرسي الحكم لواحد وثلاثين عاماً بحكمه خمس سنوات أخرى، تفرض واقعاً جديداً على السودان لا تنقصه الضبابية في ظل حروب تمتد من دارفور غرباً، مروراً بجنوب كردفان والنيل الأزرق جنوباً، كما ستفرض أيضاً واقعاً في العلاقات الخارجية مع جوار السودان العربي والإفريقي، وفي المقدمة الجارة الشمالية مصر.

هذه الانتخابات تقاطعها المعارضة السودانية بقوة ربما استمدتها بصف يبدو أكثر تماسكاً بصورة تعتبر الأكبر، إذ تكون مؤخراً تحالف (نداء السودان)، وهو تحالف يضم تحت لواء معارضة الداخل، ويقوده حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، إضافة إلى تحالف الجبهة الثورية، الذي يضم الحركات المتمردة في دارفور، إلى جانب الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تقاتل الحكومة في النيل الأزرق وجنوب كردفان، وما يزيد من تأثيرات هذا الموقف الرافض للانتخابات ضمه لأحزاب تعتبر الأقرب للمؤتمر الوطني الحاكم مثل المؤتمر الشعبي بزعامة الترابي، وحركة الإصلاح الآن التي يقودها المفاوض الحكومي السابق غازي صلاح الدين، إضافة إلى منبر السلام العادل الذي يرأسه الطيب مصطفى (خال الرئيس).

كل هذا الحشد ضد الانتخابات كانت له تأثيراته على مواقف مبكرة جداً من المجتمع الدولي برفضها، وهو ما أدى إلى مقاطعتها من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذي قال إنها تجري في بيئة منقوصة، وهو ما يعتبر موقفاً مسبقاً رافضاً لنتائجها.

المؤتمر الوطني الحاكم برر تمسكه بقيام الانتخابات في موعدها قائلاً، إنها استحقاق دستوري مقرر منذ انتخابات 2010 التي انفصل بعدها جنوب السودان، رغم أنه كان بإمكانه إجراء تعديلات على الدستور الانتقالي بحكم استحواذه على مقادير البرلمان، وتمديد فترة انتقالية تهيئ الأجواء لإجراء انتخابات وفق معايير طالبت بها المعارضة، وربما حصلت على تأييد من المجتمع الدولي.

لكن في المقابل يبدو أن المؤتمر الوطني كان يتجنب حدوث فراغ دستوري يمهد الطريق للمعارضة لإعلان حكومة أمر واقع، أو حكومة موازية في المنفى، فرصة حصولها على تأييد من قوى دولية كبيرة كانت واردة بدرجة كبيرة.

    أوراق التصويت هذه التي أدلى بها الرئيس السوداني، تمثل بداية مرحلة جديدة يدخلها المشهد السياسي في السودان، مرحلة فرض فيها المؤتمر الوطني الحاكم أمراً واقعاً بتمسكه بقيام الانتخابات في موعدها، وهو ما تعارضه معارضة الداخل والخارج بكل تياراتها السلمية والمسلحة، فالمعارضة تمسكت بموقفها الرافض للمشاركة في انتخابات تقول إن الراهن السياسي بالبلاد لا يسمح بقيامها.

  لكن في المقابل لا يبدو الطريق مفروشاً بالورود أمام المؤتمر الوطني الحاكم في السودان في فترة حكمه التي تجاوزت ربع قرن من الزمان، وبدت لغة التهدئة بائنة من قياداته في مواجهة دعوات المقاطعة التي تقودها المعارضة.

مراكز الاقتراع قاطعتها الأمم المتحدة، وغاب عنها الاتحاد الأوروبي، الذي استبق نتائج الانتخابات بما يشبه عدم الاعتراف بها، بوصفه لها بالمنقوصة، لكن الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي حضرا بمراقبيهما للانتخابات بحكم عضوية السودان فيهما.

اعتبرت قوى "نداء السودان" المعارضة، الإقبال الضعيف على عملية الاقتراع التي تجرى في البلاد حالياً، "ثمرة" لحملة "ارحل" التي أطلقتها لمقاطعة الانتخابات، وطالبت جهاز الأمن بإطلاق سراح ناشطين في الحملة اعتقلتهم السلطات.

يبقى تأثير هذه الانتخابات على العلاقة مع الجارة الشمالية، فالعلاقات مع مصر تعتمد على واقع يفرض التعاون بين الحكومتين، فالمصرية تعمل على ملاحقة "الإخوان المسلمين"، حيث عاش البلدان أسوأ أيام علاقاتهما عقب سقوط مرسي، وبدت القاهرة أكثر تشدداً في التعامل مع ما تعتبره آخر خندق للإخوان المسلمين وهو السودان، وفي المقابل بدأ الخناق الاقتصادي يضيق حول عنق الخرطوم، خصوصاً من الحليف السياسي لمصر دول الخليج، ومرت فصول من الشد والجذب إلى أن وصل السودان ومصر خلال الستة أشهر الماضية إلى تقارب عززته زيارات متبادلة للرؤساء، تقارب تقول كل الدلائل إنه مفروض على الطرفين.

يمكن أن تضاف إليها التنازلات التي قدمتها الخرطوم للخليج الحليف الأساسي لمصر بتخليها عن آخر حلفائها إيران وانضمامها إلى عاصفة الحزم.

back to top