أسباب حدوث الركود الاقتصادي

نشر في 18-04-2015
آخر تحديث 18-04-2015 | 00:01
يتم تعديل الأسواق من خلال السعر، فإذا ارتفعت تكلفة سلعة ما فإن السعر سيرتفع ليواكبها، وإذا تراجع الطلب فسينخفض حتى يتضح وضع السوق، ولذا إذا أردت إظهار أن الأسواق غير متكيفة فالطريقة البسيطة إظهار أنه لا يمكن تعديل الأسعار رداً على الأحداث، ويطلق على هذه الظاهرة "الأسعار الثابتة".
 بلومبرغ • سألت أحد كبار الاقتصاديين ذات مرة عن الأسباب التي تفضي إلى الركود، فأجابني على الفور: "هزات الاستثمار التي لم يتم تفسيرها".

وفي حقيقة الأمر نحن لا نعلم الجواب الصحيح، وبعض الناس، من النوع الذي يعتقد أن الأسواق تعدل وتكيف نفسها، وهي رائعة وليست بحاجة الى أي مساعدة حكومية، يظنون أن حالات الركود تمثل ظاهرة طبيعية، بل ربما كانت عملية صحية.

وقد يكون الركود نتيجة تغيرات في معدل التقدم التقني، أو لتردد أنباء عن تقدم مستقبلي، أو حتى تفجر تدمير مبدع وخلاق. والآخرون، من النوع الذي يميل الى الظن بأن الأسواق في حاجة الى قدر قليل من المساعدة، يظنون أن هناك شيئا ما يعرقل تكيف الأسواق في وجه الهزات التي تصيبها.

وتتم عملية تعديل الأسواق وتكيفها من خلال آلية السعر، فإذا ارتفعت تكلفة سلعة ما فإن السعر سيرتفع معها كي يتمشى معها، وإذا تراجع الطلب فإن السعر ينخفض حتى يتضح وضع السوق، ولذلك إذا أردت أن تظهر أن الأسواق لا تقوم بتكييف نفسها بشكل طبيعي فإن الطريقة الأكثر بساطة وسهولة هي أن تظهر أن الأسعار نفسها لا يمكن أن تتعدل رداً على الأحداث، ويطلق على هذه الظاهرة اسم "الأسعار الثابتة".

وإذا كانت الأسعار على هذا النحو فإن جهة ما – مثل مجلس الاحتياط الفدرالي، أو ربما الكونغرس ووزارة الخزانة – يجب أن تعيد الأسواق إلى توازنها الطويل الأجل بعد حدوث هزة كبيرة.

وفي سنة 1994، كتب الاقتصاديان غريغ مانكيو ولورانس بول مقالة لمصلحة المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية تحت عنوان "بيان السعر الثابت"، وقد تبدو الأسعار الثابتة مثل شيء غريب للكتابة عنه، ولكن تلك المقالة طرحت بداية الثورة الصغيرة في الاقتصادات الكبيرة، وكانت تهديداً مباشراً لمسار البحث الذي كان مهيمناً في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، والذي حاول تفسير الركود من دون وجود أسعار ثابتة.

وردت المؤسسة الاقتصادية بقسوة على البدايات، وقال روبرت لوكاس وهو عميد الاقتصادات الكبيرة: "لماذا يتعين قراءة هذا؟" ومضى إلى اتهام الأسعار الثابتة بأنها مناهضة للعلم والتقدم. ولكن لوكاس تحدث دون جدوى، وخلال العقد الذي أعقب ذلك ازدادت قوة الأسعار الثابتة بصورة متواصلة، كما أن الرياضيات الجديدة تطورت بحيث جعلت العملية أكثر سهولة في الاستخدام، وتم التحري عن الأسباب الممكنة والكامنة وراء ثبات الأسعار، فعلى سبيل المثال هناك "قائمة التكلفة" التي تزيد من التكاليف التافهة لتغير الأسعار إلى مشكلة كبيرة في الاقتصاد الأوسع.

والجانب الأكثر جلاء هو أن نظريات الأسعار الثابتة أثبتت أنك لست في حاجة إلى الكثير من ثبات الأسعار من أجل عرقلة العمل السلس في ميدان الاقتصاد، وحتى أقل درجة من الثبات ستقلب كل أنواع النظريات رأساً على عقب.

وأظهر خبراء الاقتصاد سواسانتو باسو وجون فرنالد ومايلز كيمبل، على سبيل المثال، أن الأسعار عندما تتسم بقدر ضئيل من الثبات فإن تفجر التقدم التقني يلحق الضرر بالاقتصاد لفترة قصيرة من خلال احداث تفجر في خفض الأسعار قبل أن يدفع نحو النمو في نهاية المطاف، وبمرور الوقت فإن اضافة آليات اقتصادية متعددة اخرى، مثل بحوث العمل، قد تقلصت بقدر أكبر كمية ثبات السعر المطلوبة من أجل احداث ركود كبير.

ثم أصبحت نماذج الأسعار الثابتة النماذج المهيمنة المستخدمة في البنوك المركزية، وعليه فإن النماذج السلسة التكيف والمرنة السعر التي تعود الى حقبة الثمانينيات من القرن الماضي لم تعد مستعملة بشكل أساسي في أي مكان ولأي شيء ومن قبل أي جهة.

وحتى كبار المشككين في الأسعار الثابتة وافقوا على هذا المسار، وفي سنة 2004 بحث الاقتصاديان مارك بلس وبيتر كلينو في كيفية تغيير الشركات للأسعار ووجدا أن التغيرات كانت متكررة كثيراً بحيث لا يمكن أن تتماشى مع رواية السعر الثابت، ولكن في عام 2014 غيرا مواقفهما واستعرضا الأدلة على تكيف الأسواق في حالات الركود ووصلا الى نتيجة مفادها أن "الأسعار الثابتة... تستحق موقعاً رئيسياً في بحوث دورة الأعمال". وفي غضون ذلك قال الاقتصاديون في في تشاري وباتريك كيهو وايلين ماك غراتن، وهم من مناوئي نماذج السعر الثابت في سنة 2010، "إن الأسعار ثابتة بعد كل شيء".

ويوجد معارضون لنماذج ثبات الأسعار في شتى أنحاء عالم الاقتصاد الكبير، في وقت استبعد ستيف ويليامسون من بنك الاحتياط الفدرالي في سانت لويس على موقعه على الانترنت الأسعار الثابتة قائلاً إن "الركود الكبير استمر فترة طويلة يصعب معها أن يكون السبب في حدوثه ثبات السعر، وان نماذج الأسعار الثابتة تفوقت على البنوك المركزية بسبب التسويق البارع بشكل رئيسي".

 وفي مكان آخر، قال الاقتصادي براد دي لونغ من جامعة كاليفورنيا – بيركلي إن "نجاح نماذج السعر الثابت يمكن أن تصرف الانتباه عن البحث عن الأسباب الأعمق الكامنة وراء الاختلال الاقتصادي".

ولكن على الرغم من هذا التنديد تتمتع الأسعار الثابتة بمكان راسخ تحت الشمس، والجانب المعنوي من الرواية هو أن في حال استمرارك بالتحدث عن النظرية والدليل فإن ميدان المواجهة سوف يقدم لك قدراً من الاحترام في نهاية المطاف.

* Noah Smith

back to top