مصير مياه النيل في مصر

نشر في 11-04-2015
آخر تحديث 11-04-2015 | 00:01
 عبداللطيف المناوي أضحت المياه سلاحاً سياسياً يستخدم للضغط من قبل قوى أخرى في منطقة حوض النيل، لتحقيق مآرب أمنية وأهداف استراتيجية لهذه الدول، ورغم اتساق الموقف المصري بشأن قضية الانتفاع بمياه نهر النيل مع مبادئ وقواعد وأعراف القانون الدولي، فإنه يمكن القول إن القانون الدولي لن يكون حلاً للخلافات على المياه، ما لم تكن هناك اتفاقيات متعددة الأطراف لكل دول حوض النيل بشأن حقوق توزيعها، سواء السطحية أو الجوفية بين الأطراف المتنازعة عليها.

وقعت مصر والسودان وإثيوبيا "إعلان مبادئ" لحل نزاع دام فترة طويلة على اقتسام مياه نهر النيل وسد النهضة الإثيوبي، ويوفر الاتفاق إطاراً لالتزامات وتعهدات تضمن التوصل إلى اتفاق كامل بين الدول الثلاث حول أسلوب وقواعد ملء خزان السد وتشغيله السنوي بعد انتهاء دراسات مشتركة قيد الإعداد.

وعارضت مصر في السابق بناء السد الأكبر من نوعه في إفريقيا، قائلة إنه سيقلل حصتها من مياه النهر، في المقابل، دأبت إثيوبيا على القول إن السد سيوفر لها حصة عادلة من مياه النيل.

وفي عام 2013، أقر البرلمان الإثيوبي معاهدة مثيرة للجدل تستبدل اتفاقات من عهد الاستعمار كانت تمنح مصر والسودان أكبر حصة من مياه النهر. الرئيس عبدالفتاح السيسي وقع إعلان المبادئ في الخرطوم مع رئيس وزراء إثيوبيا هايلي مريام دالسين والرئيس السوداني عمر البشير، وأبدى الزعماء الثلاثة ترحيبهم بالاتفاق في كلمات بالقصر الرئاسي في الخرطوم، حيث شاهدوا فيلماً قصيراً عن "سد النهضة العظيم" يوضح فوائده للمنطقة.

وحصلت إثيوبيا على دعم قوي من دول حوض نهر النيل الأخرى -رواندا وتنزانيا وأوغندا وكينيا وبوروندي، بعد تضمين مبدأ حسن النية في اتفاقية إعلان المبادئ الخاصة بسد النهضة التي وقعها الرئيس السيسي مع نظيره السوداني عمر البشير، ورئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريام مؤخراً، خلال زيارة للسودان، والتي تعد ضمانة مهمة لمصر، حيث تمثل حجة قانونية دولية داعمة لمصر وملزمة لإثيوبيا تحديداً في انتفاعها من نهر النيل، وأيضاً من سد النهضة.

إن تضمين مبادئ القانون الدولي في الفصل الأول من الاتفاق يعد أمراً قانونياً إيجابياً جداً لمصر، حيث يعني، وفقاً لمبادئ القانون الدولي، أن سائر الأعراف والمبادئ وقواعد ذلك القانون، فضلاً عن التعاون الدولي لمجاري الأنهار الدولية، ستنطبق على الدول في تنفيذها للاتفاقية، لأن تفرد الفصل الرابع من الاتفاقية لمبادئ الاستعمال المنصف والمعقول بالنص حرفياً على المعايير والعناصر التي تؤخذ في الحسبان لتحديد الاستعمال المنصف والمعقول للأنهار الدولية في غير الأغراض الملاحية منقول حرفياً من اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية عام 1997، وذلك أيضاً بالرغم من عدم انضمام إثيوبيا إلى الاتفاقية المشار إليها، لأن مبدأ حسن النية الذي تضمنه في صدارة الاتفاقية يعني أن كل الالتزامات والواجبات الدولية تتعهد بها إثيوبيا بحسن النية، لأن أية اتفاقية مبادئ هي اتفاقية إطارية غير نهائية بطبيعتها ستتبعها ملاحق تفسيرية تفصيلية، لأن الفصل الأول من الاتفاقية يشير إلى مبادئ القانون الدولي العام، والتي تقر الحقوق التاريخية المكتسبة للدول، بما يضمن الحصص المائية لمصر 55 ملياراً.

إن زيارة الرئيس السيسي لإثيوبيا كانت لفك أي لغز أو مشكلة عالقة والعمل معاً لمصلحة البلدين "مصر وإثيوبيا" بعيداً عن أي تدخل خارجي، خصوصاً المتربصين بأمن مصر. إن التطورات التي تشهدها المنطقة أكدت أهمية الوجود المصري في المبادرة الخاصة بـ"اتفاق إثيوبيا ومصر حول سد النهضة"، لالتئام الشمل، والقضاء على أسباب الفرقة والانقسام.

 مصر لن تفرط في حقوقها المائية، لكنها نجحت في التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف، ويمنع تحول دول مجرى نهر النيل إلى ميدان للصراعات والحروب، وذلك عبر العودة إلى القانون الدولي.

إن التوقيع على الوثيقة يعني الموافقة لإثيوبيا على بناء سد النهضة، وعودة التمويل الأجنبي الذي كان قد توقف بعد نجاح الدبلوماسية المصرية في حث الدول المشاركة على وقفه ومنها الصين وكوريا والبنك الدولي وإيطاليا.

 سيصبح السد في هذه الحالة رسمياً وشرعياً بالتوافق والتراضي بين دول النيل الشرقي الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا، وبالتالي يعود التمويل الدولي للسد.

إن إثيوبيا فرضت كلمة "يحترم" بدلاً من كلمة "ملزم" حول تقرير المكتب الاستشاري لبناء السد، أي أن مصر والسودان ليس من حقهما الاعتراض على التقرير، ومن حق إثيوبيا أن تستمر في بناء السد دون الالتفات إلى أية اعتراضات.

إن إثيوبيا ربحت من الاتفاق، لأنها مستمرة في بناء السد كما خططت له من البداية، وعلى الدبلوماسية المصرية الرسمية أن تستمر في سعيها للحفاظ على مصالح مصر المائية، كما أن على القيادة السياسية أن تنتبه جيداً وهي تسعى إلى وضع اتفاق حاسم وحازم يضمن عدم المساس بحقوق مصر التاريخية في مياه النيل.

back to top