«الحبل الرقمي»... هل نقطعه؟

نشر في 02-04-2015 | 00:01
آخر تحديث 02-04-2015 | 00:01
No Image Caption
اعتاد الشباب في السباق مغادرة المنزل لمتابعة الدراسة أو السفر للعمل، وهكذا ينتقلون إلى مرحلة البلوغ. ولكن مع التقنيات الحديثة كافة، كيف نستطيع اليوم تحقيق الاستقلالية؟
ما كنا نتخيَّل هذا التبدل الجذري قبل 20 عاماً؟ في الماضي، كان الطالب الذي يسافر إلى الخارج ليتابع دراسته يعيش قصة جديدة، وغالباً ما كانت هذه الخطوة تعني له بداية الحرية. في السبعينيات، اعتاد الناس إرسال البرقيات في الحالات الطارئة أو كانوا يكتبون الرسائل. وفي الثمانينيات، بدأ عصر الهاتف، إلا أن الاتصال ما كان يطول لأنه كان مكلفاً جداً. ولكن مع وصول الإنترنت، تبدلت هذه الأوضاع رأساً على عقب.

يملك ثلاثة أرباعنا اليوم هاتفاً محمولاً، وثلثانا وصلة إنترنت. ولا ينفك العمر الذي نحصل فيه على أول هاتف خلوي لنا يتدنى. أضف إلى ذلك سرعة تناقل الأخبار حول العالم، وتأتي شركات النقل التي تتبع اليوم سياسة ناشطة لتكمل هذه الصورة.

تشجع كثير من البرامج اليوم الطلاب على السفر لتكوين شخصيتهم في الخارج، إلا أن هذه الخطوة ما عادت تؤدي إلى تغييرات كثيرة في حياتهم اليوم، وخصوصاً في علاقاتهم مع العائلة والأصدقاء. وهكذا يبتعدون مع البقاء على اتصال، كما لو أنهم لم يرحلوا.

ولكن في هذه الحقبة التي ما عاد فيها الأهل يتقبلون فكرة التخلي عن أولادهم أو الانفصال عنهم، مع أنهم يمنحونهم اليوم حرية أكبر مما كنا نشهده سابقاً، نلاحظ أن الأولاد صاروا بحاجة إلى جهد أكبر للفوز باستقلالهم عن أهلهم. يوضح علماء النفس: «يسمح الأهل اليوم لأولادهم بالقيام بكثير من الأمور من دونهم وفي سن أصغر. ولكن بفضل التقنيات الجديدة، يتتبعون خطواتهم كافة ويتحكَّمون فيهم مدة أطول». إلا أن احتمال البقاء على اتصال من دون انقطاع يولد في نفوس الأولاد خوفاً وقلقاً ما كانا قائمين سابقاً. حتى إن بعض الأهل يذهب إلى حد الاتصال بأولاده أثناء الصفوف أو يتتبعهم في تنقلاتهم.

لكن علماء النفس يؤكدون: «صحيح أن العالم بات اليوم قرية صغيرة ويبقى الجميع على اتصال بفضل التقنيات الحديثة، إلا أن الانفصال ضروري. لذلك يجب أن يترك الأولاد أهلهم، ألا يجيبوا أحياناً على اتصالاتهم، وأن يتجاهلوا اتصالاتهم عبر برنامج Skype بغية توليد جرعة إيجابية من الإحساس بالذنب عند الشبان الذين يحتاجون إلى الخفة}.

يخبر شاب يتابع دروسه في بلد أجنبي بعيداً عن أهله: {أكون أنا المتصل غالباً. وإذا حاولوا الاتصال بي في وقت لا يناسبني لا أجيب بكل بساطة. عندما تسنت لي فرصة السفر، قبلت في الحال. فقد علمت أن هذه التجربة لن تقطع علاقاتي بأهلي وبأصدقائي في بلدي الأم}. وتضيف أمه: {لا شك في أن من الضروري أن يبني الأولاد حياتهم الخاصة بهم. ولكن هل من داعٍ لقطع الصلات كافة؟ يستطيع الأولاد الابتعاد عن أهلهم، غير أننا نحب أن نجتمع كلنا معاً من حين إلى آخر}.

لكن الولد ينمو من خلال الانفصال ويخرج من مرحلة الطفولة إلى البلوغ. ولكن بسبب هذه الروابط الرقمية التي تمنعنا من الانفصال حقاً عن أهلنا، يواجه الشبان صعوبة في بناء حياتهم الخاصة، سواء على الصعيد المهني، العاطفي، أو حتى الشخصي. كذلك يعجزون هم بدورهم عن أداء دور الأهل لأن أهلهم يظلون دوماً إلى جانبهم. نتيجة لذلك، يظلّ الأولاد عالقين إلى ما لانهاية في دوامة الأم والرضيع. ولكن يجب ألا تستلم إلى هذا الوضع. حاول أن تقطع الاتصالات كلها مع أهلك إلى نحو يوم أو يومين أو حتى أكثر. اختبر شعور الحرية هذا وفرحة ألا تشاطر وقتك مع أحد ما. وتلذذ بالتأكيد بشعور أن تشتاق إلى أهلك وأن يشتاقوا هم إليك. لا داعي لأن تقطع علاقتك بهم كلياً، ولكن من الضروري أن تبني حياتك الخاصة المستقلة بعيداً عن كنفهم لتكبر وتنضج.

back to top