كيف نجد الوقت وسط الانشغالات؟

نشر في 02-04-2015 | 00:02
آخر تحديث 02-04-2015 | 00:02
No Image Caption
كيف يمكن تهدئة الأوضاع وتجنب الشعور بأننا نخوض سباقاً صعباً؟ ومن أين يأتي هذا الانطباع بأننا لا نملك الوقت الكافي لفعل شيء؟ إنها قصة ثقافية وذاتية وهي قديمة بقدر روابطنا مع الماضي والحاضر والمستقبل. لكل شخص منا إيقاعه البيولوجي الخاص. يطرح الخبراء في ما يلي السبل الفاعلة كي نتمكن من تخفيف انشغالاتنا المفرطة في العمل.
نحلم جميعاً بتحسين وضعنا وإيجاد لحظات خاصة بنا في مسار حياتنا اليومية، لكننا لا نقتنع بإمكانية تحقيق ذلك. ما الذي يخفيه هذا الحلم وما الذي يمنع تحقيقه عملياً؟

تتذمر نساء كثيرات من أن الأمر الذي يسبب لهن التعب لا يتعلق بما يفعلْنَه بل بما يعجزن عن فعله. تلعب المرأة عموماً عشرة أدوار في آن، على المستويات المهنية والعائلية والعاطفية والثقافية والرياضية والسياسية... هي تقوم بما يجب لتنفيذ المهام لكن ينقصها الوقت دوماً. ماذا لو لم يكن الوقت كافياً أصلاً؟

مشاعر الذنب

بالنسبة إلى النساء، تتعلق المشكلة بما ينتظره الناس من المرأة بشكل عام. ليست مصادفة أن يتّضح هذا الشعور بنقص الوقت عند النساء تحديداً: تسعى المرأة في لاوعيها إلى بذل المزيد من الجهود لمحاولة تحقيق هدف لن تبلغه يوماً. يُضاف الضغط الاجتماعي أيضاً إلى هذه الاعتبارات الفرويدية: من خلال الحركات النسائية التي تحمل أحياناً برامج شائبة، تعكس مجتمعاتنا حتى الآن الآراء التي كانت سائدة منذ قرون، فتنصح المرأة بتعلّم {الاختيار} أو {الرفض}. لا تطبق المرأة العاملة هذا السلوك إلا لتتبع الموضة الرائجة. حين نخبر المرأة بضرورة أن تقلص مهامها كي تخفّ الضغوط عنها، يبدو وكأننا نؤذيها بشكل مضاعف. هي لا تريد الاختيار، بل إنها لا تستطيع الاختيار أصلاً! قد تشعر المرأة أحياناً بضغط الوقت أكثر من غيرها لأن مهامها اليومية تفوق تلك المترتبة على الرجل، لكن لا يقتصر الأمر على ذلك. يعكس هذا الوضع صعوبةً في نسيان الجانب الزمني للوجود لأن المرأة هي التي تهتم عموماً بجميع الفئات العمرية، منذ سن مبكرة، فتحمل وتربي الأولاد ثم تعتني بكبار السن. وفق علماء النفس، يعكس هذا الشعور بعدم الرضى وعدم أداء مختلف المهام بالمستوى المطلوب وعياً كبيراً للحدود البشرية، وهو عامل مفيد وضروري! لكن للاستفادة من هذه الناحية الإيجابية، يجب تفادي الشعور بالذنب والاستخفاف بقيمة الذات وتجنب النزعة المثالية: إنها أسباب أخرى لنشوء رابط غير سليم مع الزمن.

لكن حتى الرجال لا يملكون الوقت الكافي لكل شيء لأن الوقت يتناقص بشكل مستمر. أما إذا كان الوقت {مفرطاً}، فيعني ذلك أننا نفتقد لشخص ما. يكفي أن نتذكر اللحظات الطويلة التي نمضيها ونحن ننتظر وصول شخص عزيز علينا أو اتصال الحبيب. الفارق كبير بين الوقت (عامل موضوعي) والمدة (مفهوم ذاتي عن الوقت الذي يمرّ). تبدو هذه المدة أقصر من العادة حين تتراكم الانشغالات.

انصهار مع الحركة المتواصلة

نعيش اليوم في حقبة {أخذ المبادرات الشخصية}: نحن نتولى الاتصال بشبكة الإنترنت وطباعة الصور وتحضير نشاطات العطلة... تتسم هذه الحقبة التكنولوجية والفردية بوضع كفاءات متعددة في متناول كل شخص. ما الداعي لتكليف الغير بالمهام ما دمنا نستطيع القيام بها وحدنا؟ يا له من تقدم! لكنّ هذا التقدم يلتهم وقتنا... هذا الوقت الثمين الذي يمكن استغلاله للقيام بمشاريع كبرى. وراء التذمر من {قلة الوقت}، يختبئ طموح غير محدود وإحباط ينجم عن ضرورة الحد من الرغبة في اكتساب سلطة مطلقة، مع أن جميع العوامل المحيطة بنا تنمّي تلك الرغبة، لا سيما الشعارات التي تدعونا إلى اكتشاف الذات وتهدف إلى تضخيم {الأنا} والبحث عن المصالح الشخصية.

يستنتج الفلاسفة بشكل مستمر أن حقبة الاتصالات المتعددة التي نعيش فيها زعزعت إيقاعات حياتنا. يعطي الاستعجال وتسارع المهام وتزامنها إيقاعاً معيناً لحياتنا، لكن تهدف هذه العوامل كلها إلى {إنتاج سلوكيات حتمية}: وصلنا إلى مرحلة تحتّم علينا أن نعيش انصهاراً مفرطاً مع الحركة المتواصلة، وهذا هو السبب الذي يجعلنا نعاني لأننا نفتقر إلى المساحات الفارغة والعمليات الانتقالية اللازمة لإضفاء طابع ذاتي على حياتنا ومشاعرنا ووجودنا.

الحاجة إلى مساحة عقلية

وفق الخبراء، ثمة سبب آخر لتفسير هذا الشعور بنقص الوقت: لقد عمدنا إلى تقليص الطقوس التي كانت تطبع الحياة المشتركة في الماضي. نتيجةً لذلك، يتناقص الوقت بشكل خارج عن سيطرتنا. في حياتنا المعاصرة، ينقسم العالم إلى فئات غير متكافئة وتنقسم حياتنا الفردية إلى سلسلة من اللحظات غير المتماسكة. نحن نتجاوز باستمرار {مجموعات من الأفكار والمبادئ}، سواء كانت حقيقية أو وهمية، متماسكة أو عابرة. لقد أصبحت هويتنا هشة وهي تفقد معناها في ظل الحركة الدائمة. يترسخ الانطباع بعدم وجود الوقت الكافي لفعل أي شيء نتيجة الشعور بفقدان المعاني القيّمة، لأن {الشعور} بالوقت يحصل ضمن مساحة عقلية معينة. لكنّ المساحة العقلية تتطلب أن نعرف قيمة ما نعيشه ومعنى حياتنا وأفعالنا. لقد جعلتنا الحقبة المعاصرة مهووسين بالوقت. لكننا سلكنا هذا الاتجاه لأن البشر اختاروا الأمور التي تثير حماسهم بدل التمسك بالمفاهيم العميقة. يمكن أن تعكس أجواء الهدوء والوحدة والفراغ القلق من الموت. في المجتمع الناشط الذي نجم عن ذلك الاختيار، ينسى الفرد أنه ليس خالداً، فيتجنب التفكير بأصله ونهايته. لكن كلما تراجع التفكير بالموت، يزداد القلق الضمني من الموت، ما يحتّم الانشغال بنشاطات دائمة ومفرطة.

سلبيات {لوائح الواجبات}

كيف يمكن الخروج من هذه الحلقة المفرغة والتخلص من هذا الرابط المؤلم مع الزمن؟ يحاول البعض في المقام الأول تنظيم وضعهم وتقبّل لائحة الواجبات المفروضة عليهم، حتى لو استلزم الأمر الاستعانة بمدرب خاص لتنظيم هذه العوامل بطريقة صحيحة. إنه خطأ فادح! أدى استعمال الأدوات الإدارية وفهم الوقت بطريقة منطقية إلى إفساد الإيقاعات الفردية والجماعية التي كانت تتنظّم طبيعياً. كلما قاربنا مفهوم الوقت بالمنطق، نمعن بتقليصه فيهرب منا. قد نطمئنّ في البداية حين نُخضِع الوقت لسلطة المنطق، فيبدو كل شيء {تحت السيطرة}. لكنّ هذه المقاربة تجرّدنا من مسؤولياتنا وتضعفنا: هكذا نفقد الثقة في قدرتنا على إبطاء حياتنا أو أخذ استراحة للتنفس بعمق أو تسريع مسارنا عند الحاجة. يجب أن نصغي إلى إيقاعنا الخاص الذي يتكيف مع أي تغيير خارجي من دون التخلي عن حركته الداخلية الخاصة.

تتعلق الصعوبة الأساسية بتجديد الشعور بهذه الحركة التي تنتمي إلينا حصراً. غالباً ما يحتم التقدم في السن التوقف عن الإصغاء إلى تلك الحركة الداخلية والانجرار وراء النزعة السائدة، أي الاستعجال وعدم الإبطاء لأي سبب، أو الانتظار والتزام الهدوء... لاستعادة ذلك الإيقاع السليم، ثمة مؤشر واحد لا يخطئ: إنه إيقاع التنفس. بغض النظر عن حالتك (توتر، ارتباك، استرخاء، اتزان)، المهم هو الإصغاء إلى الذات واسترجاع الإيقاع الشخصي المناسب.

back to top