«الاقتصاد السياسي لصناعة التقنية العالية في إسرائيل»... كيف تفوَّقت تل أبيب؟

نشر في 31-03-2015 | 00:01
آخر تحديث 31-03-2015 | 00:01
No Image Caption
صدر عن {مؤسسة الدراسات الفلسطينية} في بيروت كتاب {الاقتصاد السياسي لصناعة التقنية العالية في إسرائيل} بقلم الفلسطينيين فضل مصطفى النقيب ومفيد أحمد قسوم. يذكر المؤلفان، في تمهيد الكتاب وتلخيصه أن غرضهما شرح الأسباب وراء تمكّن إسرائيل، الدولة التي يبلغ عدد سكانها 1، 7 ملايين نسمة، من أن تتفوق في صناعة التقنية العالية على بلاد كاليابان والهند والصين وكوريا، جاعلةً من هذه الصناعة عجلة النمو في الاقتصاد الإسرائيلي، وصاحبة الدور الرئيس في الإنتاج والتوظيف والتصدير، وجذب الاستثمارات الأجنبية.
بعنوان {الإطار النظري للبحث}، يشير فضل مصطفى النقيب ومفيد أحمد قسوم إلى أن صناعة التقنية العالية تتألف، وفقاً لتصنيف منظمة التعاون والتطوير الاقتصادي التي تضم 34 دولة من أغنى دول العالم، من ستة مكونات هي: الطيران/الفضاء؛ الدواء والأجهزة الطبية؛ معدات الحوسبة والمكاتب؛ معدات وآلات علمية؛ معدات الاتصالات؛ ماكينات كهربائية. وتشترك هذه الصناعات كافة في اعتمادها الكبير على المعرفة ورأس المال البشري، وهو ما يستتبع قيام الدولة أو القطاع العام بتمويل الجزء الأكبر من نشاطين مهمين هما: {البحث العلمي البحت}، والبحث التطبيقي المعروف باسم {البحث والتطوير}.

يعرض مؤلفا {الاقتصاد السياسي لصناعة التقنية العالية في إسرائيل} في الفصل الثاني منه {اقتصاد إسرائيل السياسي}، خمس مراحل مرَّ بها تطور الاقتصاد الإسرائيلي، ابتداءً من مرحلة تكريس الاستيطان اليهودي على أرض فلسطين في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وصولاً إلى مرحلة تكريس وضع إسرائيل المركزي على المستوى العالمي والإقليمي من سنة 1985 حتى الوقت الحاضر، ليخلصا إلى أن تبوّؤ صناعة التقنية العالية مكانة مركزية في الاقتصاد الإسرائيلي في العقدين السابقين كرس وضع إسرائيل كدولة من بلاد المركز على الصعيد العالمي، ودعم طموحها في أن تصبح بلد المحور في نظام {المحور والأضلاع} على الصعيد الإقليمي.

بعنوان {البيئة الحاضنة لنشأة وتطور صناعة التقنية العالية في إسرائيل} يستعرض المؤلفان في الفصل الثالث عوامل خلقت البيئة الحاضنة في إسرائيل، وتمثّلت في وجود نظام تعليمي متطور، ونظام صحي متقدم، وإنفاق حكومي داعم لنشاطات البحث العلمي والتطوير التقني. أما القفزة النوعية في مجال تطور هذه الصناعة، فقد جرت في تسعينيات القرن الماضي، بفضل تضافر ثلاثة حوادث تاريخية عزز بعضها بعضاً، وهي: ثورة الاتصالات الإلكترونية التي حدثت متزامنة مع حركة العولمة الاقتصادية؛ تدفق هجرة الروس التي شكلت في غضون ست سنوات زيادة 20 في المئة في السكان، كذلك جسدت تحسناً في رأس المال البشري لأن وضع المهاجرين التعليمي كان متفوقاً على وضع سكان إسرائيل التعليمي؛ ما سُمي العملية السلمية في الشرق الأوسط التي انطلقت من مؤتمر مدريد في سنة 1991 وحققت لإسرائيل مكاسب اقتصادية هائلة.

ويشير الكتاب إلى برامج بحثية توصلت إليها إسرائيل مع دول أخرى؛ أبرزها {مركز البحث والتطوير الصناعي الإسرائيلي}، بصفته الهيئة الحكومية المسؤولة عن عقد وتنفيذ اتفاقيات ثنائية مع الدول الأخرى في مجال البحث والتطوير الصناعي، عقد حتى اليوم 29 اتفاقية ثنائية، من أهمها الاتفاقيات الموقعة مع الولايات المتحدة. فالدور المحوري الذي صارت تؤديه صناعة التقنية العالية في الاقتصاد الإسرائيلي ما كان ليتحقق من دون الدعم الأميركي الذي أسهم بشكل فاعل ليس في تمويل نشاط عمليات البحث والتطوير فحسب، بل عبر توظيف المعارف التقنية الأميركية أيضاً في خدمة التقدم التقني الإسرائيلي، خصوصاً في مجال الأسلحة، التي تعد إسرائيل واحدة من أول عشر دول في صناعتها في العالم، وما بين الرابعة والسادسة في حجم تصدير السلاح (بلغ حجم صادرات الأسلحة الإسرائيلية، في سنة 2012، 7 مليارات دولار).

يعالج المؤلفان في الفصل الرابع {طبيعة وحجم وفروع صناعة التقنية العالية في إسرائيل}، فيشيران إلى أن هذه الصناعة تتألف من ثلاثة فروع هي: الصناعة الحربية؛ صناعة الأمن الوطني والمراقبة؛ الصناعة المدنية.

كانت الصناعة الحربية هي الصناعة التي ولدت من رحمها، وبإشراف المؤسسة العسكرية، أولى التقنيات الجديدة. فأول كومبيوتر استُعمل في إسرائيل كان ذلك الذي بُني في {مركز الحوسبة وأنظمة المعلومات} الذي أسسه الجيش الإسرائيلي في نهاية خمسينيات القرن الماضي. وبعد انتشار استعماله في مختلف مجالات الصناعة الحربية، انتقل بالتدريج إلى المجالات الاقتصادية المدنية. وشكلت {الوحدة 8200} في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، التي تجمع المعلومات وتحللها وترسلها إلى الجهات المعنية في قيادة الجيش أو مؤسسات الاستخبارات، مركز التقدم التقني في كل ما له علاقة بالاتصالات والمعلومات. وتتكون صناعة الأسلحة في إسرائيل من نحو 150 شركة، من بينها ثلاث شركات يصنفها معهد {ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام} ضمن أول 100 شركة لإنتاج السلاح في العالم.

أما صناعة الأمن الوطني والمراقبة، التي تتركز على ضمان أمن الحدود والبنى التحتية والاتصالات والبيانات والسيبرانية، وعلى مواجهة الإرهاب والمتفجرات والقضايا الكيمياوية والإشعاعية والنووية والبيولوجية،، فقد طمحت إسرائيل إلى أن تكون {عاصمة} هذه الصناعة على مستوى العالم، خصوصاً بعد أحداث سبتمبر 2001 في نيويورك، وذلك من خلال {بيع التجربة الإسرائيلية في مكافحة الإرهاب}. ويشير سجل الصناعات الإسرائيلية إلى وجود نحو 600 شركة في هذه الصناعة، منها 21 شركة مسجلة في سوق الأوراق المالية {ناسداك}، كذلك يشير معهد إسرائيل للتصدير والتعاون الدولي إلى أن 352 شركة من هذه الشركات تصدِّر سلعاً وخدمات إلى الأسواق العالمية.

وتتكون صناعة التقنية العالية الخاصة بالاستعمال المدني من ثلاثة  مكونات رئيسة هي: قطاع تقنية المعلومات والاتصالات؛ قطاع علوم الحياة، الذي يتألف من قطاع الطبابة وقطاع التقنيات الحيوية وقطاع الصيدلة؛ قطاع الزراعة، الذي يعتمد على تراث أكثر من مئة عام، ويحتل اليوم مكاناً رائداً على مستوى العالم.

الملكية الفكرية

أما {الملكية الفكرية} فتوليها اهتماماً كبيراً، وذلك لتشكيل بيئة مشجعة على الاستثمار، سواء برأسمال إسرائيلي أو أجنبي. من خلال {مكتب براءة الاختراع}، تتم حماية الملكية الفكرية عبر قوانين خاصة مثل قانون {البراءات والتصاميم}.

جاء الفصل الخامس بعنوان {تأثير صناعة التقنية العالية في مجمل الأوضاع في إسرائيل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً}؛ وفيه يذكر المؤلفان أن تحول الاقتصاد الإسرائيلي إلى اقتصاد يعتمد نموه في الدرجة الأولى على صناعات التقنية العالية، قد صاحبه وتفاعل معه حدوث تغيير جذري في بنية الاقتصاد شمل مجالات الحياة المدينية كلها. ويتوقف الباحثان، في هذه الصدد، عند الظاهرات الثلاث التالية: أولا: تكريس أهمية تكتلات صناعة التقنية الحديثة التي شكلت ظاهرة {وادي السيليكون} في إسرائيل، الشبيه بوادي السيليكون في كاليفورنيا؛ ثانياً: إعادة هيكلة البنى التحتية في إسرائيل، من خلال إقامة {شارع عابر إسرائيل} الذي يمتد من حدود لبنان إلى مدينة بئر السبع وسيصل طوله إلى 300 كم ومن المؤمل أن يكون بمثابة العمود الفقري للشرق الأوسط في عهد السلام، وتوسيع مطار اللد وإعادة هيكلته، وإعادة هيكلة مدينة تل أبيب كمركز عالمي لصناعة التقنية العالية، يعتمد على ناطحات السحاب والأحياء المسورة؛ ثالثاً: تنامي الاستقطاب الاجتماعي-الاقتصادي في ظل النظام النيوليبرالي، وتراجع دولة الرفاه وطغيان الخصخصة وتوسع مساحات الفقر، وبخاصة بين العائلات العربية التي يعيش أكثر من نصفها تحت خط الفقر، وبين المجموعات الدينية اليهودية الأورثوذكسية.

في الفصل السادس والأخير {دور صناعة التقنية العالية الإسرائيلية في المحيطين الإقليمي والعالمي}، يتناول الكتاب إنجازات حققتها إسرائيل على طريق اندماجها في الأسواق العالمية متبوئة مكانة {دولة مركز}، خصوصاً بعد صعود شركات إسرائيلية إلى مرتبة الشركات المتعددة الجنسية، وأبرزها شركة {تيفا}.

أما على الصعيد الإقليمي، فيرى المؤلفان أن إسرائيل سعت إلى توظيف صناعتها ذات التقنية العالية في خدمة استراتيجية عملت، منذ بدأت عملية السلام في سنة 1991، وبدعم أميركي، كي تقود أوضاع السلام وأوضاع التطبيع مع إسرائيل في سياق تكريس دور الاقتصاد الإسرائيلي كمركز، والاقتصادات العربية كأطراف.

back to top