الكويت على «كف عفريت» باعتمادها على النفط ومنفذ واحد

نشر في 31-03-2015 | 00:02
آخر تحديث 31-03-2015 | 00:02
No Image Caption
متى تتوافر الإرادة السياسية الضرورية لتجاوز الخلافات الضيقة وتحقيق المصالح الوطنية وتنفيذ المشاريع؟
لا يمكن الاعتماد على النفط مصدراً وحيداً لميزانية الدولة، وأيضاً من غير المعقول أن يكون هناك منفذ واحد لتصدير هذا النفط.

"إذا غاب عن الإنسان الفهم والبصيرة بأن كل ما هو مؤقت ليس إلا نوعاً من الوهم، فإنه لن يؤمن إلا بما هو مؤقت، أما إذا رأى ببصيرته أن كل ما هو مؤقت ليس إلا وهماً، فحينئذ سيؤمن بما هو باقٍ ودائم"، مقولة لليو تولستوي، تظهر بوادرها مع كل بداية ازمة تعصف بدول الخليج العربي، حيث تتجه الانظار دائما الى ما تمتلكه تلك الدول من النفط، وكيف سيتم تأمين وصول هذا المنتج للمستهلكين، عبر مضيق هرمز الذي تنبع أهميته الاستراتيجية من كونه معبرا لنحو 35- 40 في المئة من النفط المنقول بحرا على مستوى العالم.

ما يعنينا اليوم على مستوى الكويت، أنه مع كل ازمة اقليمية ينكشف لنا اننا نعيش في وهم كبير، فالاقتصاد لا يعترف بالعواطف السياسية، ومع ذلك فالجميع يعلم اننا في وهم، إذ إن اقتصاد البلد يعتمد بشكل اساسي على مورد واحد وهو النفط، وعلى منفذ واحد لتصديره وهو البحر، كما اننا نعتمد في انتاجنا النفطي على حقل واحد هو "برقان"، بمعنى اخر نحن نعيش، كما يقال في الامثال، (على كف عفريت).

إذاً مورد النفط لا يمكن أن يعتمد عليه كمصدر وحيد لميزانيات الدول، حيث أكدت دراسات وتوصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما من خبراء الاقتصاد والبترول على ذلك، ومع كل هذا نصف اقتصادنا بأنه متين.

تنوع مصادر الدخل

 ما العمل؟ وهل سنستمر في هذا الوضع تحت رحمة النفط؟ ومتى سيتم وجود بدائل للاقتصاد؟ فالتوجه نحو خلق مصادر بديلة للنفط هدف طرح منذ ستينيات القرن الماضي، الى ان بات "اسطوانة مشروخة" ترددها كلا السلطتين التشريعية والتنفيذية، وإلى الان لم يحدث شيء على هذا الصعيد غير بعض الاعمال، منها الصناديق الاستثمارية الخارجية التي تحقق بعض العوائد للدخل الوطني، لكنها لا ترقى لأن تكون مصادر بديلة للدخل الوطني، وأصبح لزاما لكي نحقق هذا الهدف المهم أن نعد جيلا قادرا على صناعة هذا الحلم الاعداد الامثل علميا وتكنولوجيا، من خلال تنمية المواهب والقدرات وتزويده بكل الخبرات والعلوم التي تؤهله لهذا الغرض، مع التشديد على ألا تكون هذه البدائل ردود افعال كما حصل مؤخرا مع انخفاض اسعار النفط، حيث تقدمت الحكومة بإجراء بديل يتمثل في ترشيد الإنفاق وشد الاحزمة ورفع الدعم الحكومي، في خطوة لا ترقى لأن تكوّن حلولا لتنويع مصادر الدخل، وإذا كانت الحكومة غير قادرة على وضع الحلول والتوصيات العملية الواقعية فعليها الأخذ بتجارب الدول الأخرى في تنويع مصادر الدخل.

منفذ واحد

وكما أشرنا في البداية إلى ان دول الخليج تعد محل انظار العالم حال وجود ازمات اقليمية في محيطها، فاليوم وبعد قيام دول الخليج بقيادة السعودية بشن حرب او ضربات جوية في اليمن على المتمردين الحوثيين، فإن الحديث يعود مرة أخرى عن آلية تأمين صادرات نفط دول الخليج عبر مضيق هرمز، وعن ماهية تلك الآلية في حال اغلقت ايران هذا المضيق الذي تعبره يوميًّا ما بين (20) و(30) ناقلة تحمل ما يصل إلى (18) مليون برميل من النفط، ويمر منه نحو 90 في المئة من النفط السعودي، و98 في المئة من النفط العراقي، و99 في المئة من النفط الإماراتي، و100 في المئة من النفط الكويتي والقطري، بالإضافة إلى أن اليابان تعتمد على المضيق في وصول 85 في المئة من حاجتها من النفط، وكذلك تعتمد كل من كوريا الجنوبية والهند والصين عليه في وصول أكثر من 70 في المئة من حاجتها من النفط، بينما تعتمد عليه الولايات المتحدة في وصول 18 في المئة من احتياجاتها النفطية.

ولطالما وضعت دول الخليج العديد من الدراسات لايجاد منفذ ثان دون الاعتماد على مضيق هرمز، الا انها، وإلى الان، لم تر النور، والمتضرر الاكبر من ذلك هو دولة الكويت ومعها قطر.

وتشير التقارير إلى ان السعودية كانت في مقدمة الدول الخليجية التي اهتمت بتوفير بدائل استراتيجية لنقل نفطها بعيدا عن "هرمز"، وكانت البداية مع توجيه الملك عبدالعزيز، مؤسس المملكة، بإنشاء "خط التابلاين" الذي يربط المنطقة الشرقية من المملكة بساحل البحر الأبيض المتوسط في مدينة صيدا اللبنانية، مرورا بالأراضي السورية وذلك بطول (1664) كم، وانتهى العمل به فعليا عام 1950، وظل يعمل حتى عام 1967، عندما قامت "إسرائيل" باحتلال مرتفعات الجولان السورية.

وخلال الحرب العراقية- الإيرانية، تحديدا عام 1982، قامت السعودية بإنشاء خطيْ أنابيب "شرق غرب"، اللذين يربطان المنطقة الشرقية بمدينة ينبع على ساحل البحر الأحمر بطول (1200) كلم، وخصص أحدهما لنقل الزيت الخام والآخر لنقل الغاز المسال، وتمت توسعة هذين الخطين عام (1992) بعد حرب تحرير الكويت لتبلغ الطاقة الاستيعابية لهما (4.5) ملايين برميل يوميا، وتبلغ الطاقة التخزينية في مدينة ينبع ما يقارب (12.5) مليون برميل في اليوم، بالإضافة إلى القدرة على تخزين وتصدير الغاز المسال.

بدائل التصدير

إذاً، التفكير في ايجاد منفذ اخر حق مشروع، فلماذا لا تقوم الكويت بهذا الامر؟ وما العوائق رغم ان مصير دول الخليج واحد؟... للأسف الى الان جار البحث عن الاجابة.

لكن هناك العديد من البدائل قد تم طرحها من قبل متخصصين، مثل مد خط أنبوب نفطي من الكويت الى البحر الاحمر مباشرة عبر انشاء شركة لبناء خط أنابيب، وبناء خزانات نفطية ايضا ومرفأ نفطي على البحر الأحمر بكلفة تقديرية تبلغ خمسة مليارات دولار.

ومن البدائل المطروحة أيضا خط انابيب "الكويت الفجيرة"، حيث يبلغ طول المسافة بين الكويت والفجيرة نحو 1480كم، وهو ليس امتدادا كبيرا، ما يدعم إمكانية بناء خط يشمل الخليج بكامله، خاصة أن هناك دولاً مثل روسيا لديها أنابيب نفطية تمتد عبر آلاف الكيلومترات، رغم الطبيعة الصعبة والتضاريس الوعرة، وذلك عكس الطبيعة الممهدة التي تتمتع بها دول الخليج من الكويت للفجيرة.

ومن المطروح أيضا، إنشاء خط أنابيب بين إماراتيْ الشارقة والفجيرة بطول 100 كم، يمكن من خلاله نقل البترول بالسفن من موانئ الدول المصدرة إلى إمارة الشارقة، حيث يتم تفريغه ونقله عبر الأنابيب إلى ساحل إمارة الفجيرة على خليج عمان، ومن ثم تحميله بالسفن مرة أخرى إلى جهته.

وكذلك تم طرح بديل آخر لكن الخبراء يرونه مكلفا ويأخذ الكثير من الوقت، حيث يقوم هذا البديل على شق قناة مائية على غرار قناة السويس تربط بين الخليج العربي وخليج عمان، وتقوم عند أقرب نقطة بين الخليجين، وستكون في أقصى شمال شرق الأراضي العمانية، بين شبه الجزيرة العمانية الممتدة في مضيق هرمز، بين خط عرض 26 شمالاً وخط طول 56 شرقًا، على أن تقوم ببنائها دول الخليج المستفيدة من مضيق هرمز، وتكون بمثابة دخل إضافي لسلطنة عمان.

إذاً، ومع وجود كل هذه البدائل، متى تتوافر الإرادة السياسية الضرورية لتنفيذ تلك البدائل وتجاوز الخلافات الضيقة والمصالح الوطنية؟ ومتى يتم النظر إلى هذه المشروعات الاستراتيجية على أنها الاطار الأكثر أهمية لوضع فكرة الوحدة الخليجية موضع التطبيق الفعلي، استنادًا على أن النفط وصادراته هو عصب الحياة في هذه الدول، وأي تهديد له هو تهديد لوجودها واستقرارها؟

حقل واحد

بعد استعراض المصدر الاوحد الذي يعتمد علية الاقتصاد الكويتي، وكذلك المنفذ الوحيد لتصديره، جاء الدور على حقل النفط الوحيد "برقان"، الذي نعتمد علية بنسبة 70 في المئة، ورغم التطمينات من قبل القيادات بأن الحقل لا يزال "شابا" ولم يصل الى شيخوخته، فإن احد القيادات السابقة اكد قائلا "اذا بدأ برقان بالنضوب فلن تشفع كل مكامن الكويت، ولن تعطينا مثل مردود هذا الحقل".

 ويعد هذا الحقل احدى النعم على الكويت، لسهولة الانتاج منه، بعكس الحقول والمكامن الاخرى الصعبة أو التي تحتاج الى عوامل مساعدة مثل ضخ المياه ولا تعطي بقدر "برقان"، ولكن ماذا ستفعل الكويت في حال زاد الطلب العالمي فجأة، أو جاءت الفرصة لبيع النفط بأسعار عالية، ونحن نقوم بالانتاج من "برقان" بأقصى حد؟

ولكي تغتنم الكويت الفرصة، يجب الانتاج من الحقول الصعبة التي تحتاج الى اشهر، ولكي لا تفوتنا الفرصة في أي لحظة، يجب ان نسعى الى تطوير حقولنا الاخرى كما تعمل السعودية، التي تنوع في انتاجها من اكثر من مكمن، وعلينا ان ننتج من الحقول الصعبة ونحافظ على ديمومة حقل برقان لأطول فترة، وهذا الامر سيساعد في اغتنام الفرص بالسوق النفطي.

إذاً، علينا ألا نزرع الوهم، وأن نجد بدائل للاقتصاد بعيدا عن النفط، ومنافذ اخرى للتصدير، ونسعى لعدم استنزاف حقل برقان لكي لا نحصد المعاناة مستقبلا.

back to top