ورش الكتابة الإبداعية... حرب ضد «الخفة» و«اللامبالاة»

جدال بين كفتي «الموهبة والتدريب» وإصرار للتحريض على الكتابة

نشر في 30-03-2015
آخر تحديث 30-03-2015 | 00:02
No Image Caption
المكتبات ومعارض الكتب تردد: «إنى لأفتح عيني حين أفتحها... على كثير ولكن لا أرى أحداً»!
الطوابير طويلة أمام بعض الكتب الجديدة، وركام مطبوعات المكتبات ثقيل رغم «الخفة»، وثمة كتاب موهوبون يحتاجون إلى محيط محرض للكتابة. دفعت هذه المشاهد الثلاثة المؤسسات الحكومية والأهلية وبعض الأفراد المهتمين إلى إقامة ورش الكتابة الإبداعية، محققين ما يأملونه من اكتشاف للمبدعين، وإتاحة فرصة لجو من الكتابة، وتقليل تهافت الكتب التي تتراكم باستسهال ولامبالاة وتسطيح لمعنى الاشتغال الكتابي.
«الجريدة» التقت ثلاثة كتَّاب لهم تجربة في تقديم ورش الكتابة الإبداعية، للتعرف إلى آرائهم في جدوى الورش وتقييم مخرجاتها.
قدَّم الكاتب شريف صالح أكثر من ورشة لكتابة القصة القصيرة إضافة إلى الكتابة المسرحية، ومن ضمن ملاحظاته تأكيده أن «بداية نجاح أي مبدع تتطلَّب شرطين: الموهبة والجهد، وتبقى الموهبة خارج التصنيف والتحليل، فهي مثل ومضة إلهية أو سر غامض قادم من وداي عبقر... سر قد لا يفهمه صاحب الموهبة نفسه، فبعض الكتاب العظام تفجَّرت مواهبهم في سن الشباب، وبعضهم قدموا أفضل ما لديهم بعد الستين». قال: هنا «الموهبة لا يمكن القياس عليها، ولا يستطيع أحد مهما أوتي من علم أن يخلق موهبة من العدم».

وتابع: «أما «الجهد» فيشكل حصيلة قراءة عميقة وتدريبات وخبرات وتراكمات الزمن، وهو 70% من نجاح أي كاتب، فكما يقال: مئات المواهب تولد كل يوم لكن قلة فقط هي التي تتحقَّق... لأن هذا التحقق يتطلَّب العزيمة والرؤية والخبرة».

وأكَّد صالح أن تلك الورش، بغض النظر عن جودتها أو رداءتها، ليست مهمتها خلق «الموهبة» من العدم، بل تنظيم «الجهد» ومنح خبرات مكثفة وفقاً لخبرة مدير الورشة، وقد تكون الموهبة كامنة فتساعد الورشة في نفض الغبار عنها».

ولفت صالح إلى وجود مؤسسات أكاديمية في العالم كله تتخصص في دراسات الإبداع والخيال وغير ذلك من أدوات المبدع، ما يعني أن الورشة ليست ترفاً ولا شيئاً يتباهى به الأدعياء، وإن كان البعض لا يفهم دورها على وجه التحديد، فهي تساعد المبتدئ في فهم مجال إبداعه ونقاط قوته واستجلاء موهبته وتعوض جوانب كثيرة يفتقر إليها في تعليمه النظامي، خصوصاً أن مناهجنا أساساً قائمة على محاربة الإبداع والخيال. وفي حال حققت الورشة هذه الأهداف كافة، فبالتأكيد تنتج مبدعاً وتضعه على الطريق الصحيح، بحسب صالح.

مجموعات الأصدقاء

وعن تجربته الخاصة؛ قال صالح: «حدث أن التحقت في شبابي المبكر بورشة لكتابة السيناريو في مصر واستفدت منها، وحضرت بصفة ودية ورشة سيناريو مع الناقد عماد النويري وأخرى مع الروائي إسماعيل فهد إسماعيل، وأقصد بصفة «ودية» رغبتي في الاستزادة لا الحصول على شهادة تقدير. وثمة صيغ غير مباشرة للورشة شاركت فيها، مثل «نوادي الأدب» أو «الصالونات الأدبية». فأذكر أنني طوَّرت كثيراً من عملي بسبب حرصي مع مجموعة أصدقاء على مناقشة كل ما نكتبه بالتفصيل الممل».

حالة قديمة

أيد الكاتب عبدالرحمن حلاق إقامة ورش الكتابة الإبداعية التي «باتت منتشرة في معظم دول العالم حتى غدت ظاهرة لافتة». وفي الحديث عن جدواها، رأى أنها تقدم خدمة عظيمة لكل كاتب مبتدئ، «إذ تختصر عليه الطريق في أمور كثيرة كانت ستحتاج منه إلى زمن طويل كي يدركها، فهي على أقل تقدير تنقل له الخبرات المكتسبة ممن سبقوه من كتاب أو نقاد».

وشدَّد حلاق على أهمية «الموهبة» بالدرجة الأولى، «فالكاتب الشاب إن لم يملك في داخله موهبة الكتابة مضافةً إليها الانهمام والعناد والإصرار لن يخرج من هذه الورش أديباً».

وقال: «من جهتي لم أنضم مسبقاً إلى مثل هذه الورش الكتابية، لكني أستطيع القول أنني في مرحلتي الجامعية كنت أعيش مع ثلة من الأصدقاء ورشة مستمرة خاصة وباجتماعات أسبوعية الغرض منها الارتقاء بالمستوى ذاتياً... إذ لم نكن نعرف هذه الحالة في ثمانينيات القرن المنصرم».

التدريب لا ينتج أديباً

وعن نتائج الورش التدريبية، أشار حلاق: «بكل تأكيد يمكن لأي ورشة أن تؤتي ثمارها إن تمَّ الإعداد لها بشكل علمي سليم ليتعرَّف الكاتب الشاب إلى خصائص كل عنصر من عناصر الرواية، ما يسهم بشكل فاعل في تنمية مخزونه المعرفي (قراءة وبحثاً وتجربة)، ومن ثم يتعرَّف إلى بعض العثرات الكتابية أو حالات التوقف وعدم القدرة على المتابعة، كي يتمكَّن من المتابعة بسلاسة».

أضاف: «يتدرَّب طلبة الورش الكتابية بما يشبه الفصل الدراسي حيث نرى المجتهد أو من يتعامل مع الأمر على أنه مجرد رغبة عابرة. وفي هذا الإطار، تكون الورش الكتابية عاملاً مساعداً على صقل الموهبة، وبالتالي لا يمكن لأي ورشة أن تنتج مبدعاً بالتدريب فالإبداع بذرة تحتاج إلى قليل من مياه المعرفة كي تنتش نبتة وتؤتي ثمراً».

14 نصاً قيد الإنجاز

عن تجربته التي يقدمها مع الروائي إسماعيل فهد إسماعيل، قال: «انتهت المرحلة الثانية من «محترف الكتابة السردية» الذي ينظمه نادي إبداع الثقافي تحت مظلة هيئة الشباب والرياضة في الكويت، ونستطيع القول إن ثمار الورشة بدأت بالتشكل من خلال ما يقرب من 14 نصاً روائياً قيد الإنجاز، وإن كنا نعتقد أن المسألة ليست بالعدد ولكنها مؤشر إيجابي رائع، خصوصاً أن مجموع المتدربين يملكون حساً سليماً ورؤية إنسانية جميلة وقدراً لا يستهان به من الثقافة الجادة. وباعتقادي، سيشكلون في مرحلة لاحقة خير رد على أدب الاستسهال الذي بدأ يغزو المكتبات والمعارض، وعلى مثلهم يمكن التعويل لإبداع ظاهرة ثقافية مثمرة في المستقبل».

تطبيقات عملية

أما الكاتبة بثينة العيسى، فلم تؤكد على «الموهبة» كما فعل الروائي عبدالرحمن حلاق بقدر ما شددت على التدريب والمران، وقالت: «أؤمن بالموهبة، ولكنها لا تكفي، إذ تم تضخيم مفهوم الموهبة ودورها مما أدى إلى الحدّ الذي منع كثيرين من التطوّر، وهي لا تعني شيئًا من دون تدريب ومران وساعات طويلة من القراءة».

وشبهت العيسى الإعداد للورشة بإعداد كتاب منطلقة من تجربتها في مشروع «تكوين» الذي أسسته، «فالعمل يتطلب أشهراً طويلة من البحث. في البداية، أبحث عن كل الآراء ووجهات النظر والخبرات التي تناولت الموضوع ونظّرت فيه، ثم أحاول إسقاط هذه الأفكار على تطبيقات عملية قابلة للمناقشة، كأن أسقط وجهة نظر إليزابيث بوين عن الحوار الروائي على حوارات غسّان كنفاني مثلاً».

وحول جدوى تلك الورش ومدى نجاح نتائجها، ذكرت العيسى: «ما أتوقعه من حضور الورشة يعتمد على درجة الاشتغال العملي والمدة الزمنية لها. أن تجد علاقة بين النص، وبين النظرية، ثم تتجاوز الاثنين لأن المطلوب من الفنان عموماً كسر القاعدة وليس الثبوت عليها، أن تركز على منطق التجاوز وليس بالضرورة المخالفة، والأهم أن تعرف ويعرف جميع حضور الورشة بأن كل ما تقوله لا يتحرك على أرضية الصواب والخطأ، بل على أرضية السبب والنتيجة... هذا هو الجانب الأهم المتعلق بالإعداد لورشة عمل».

عباءة الكبير

تحدثت الكاتبة بثينة العيسى عن ورشة عمل قدمتها د. أروى الخميّس في أدب الطفل، وقالت: «خرج الجميع من الورشة بفهم مغاير لمفهوم أدب الطفل. اكتشفنا جميعاً أننا عندما نكتب للطفل نلبس عادة عباءة الكبير، ونؤمن بضرورة وجود رسالة، ونكتب مثقلين بالوعظ. الأمر الذي نرفضه في «أدب الكتاب» نمارسه بكل أريحية في «أدب الأطفال». ورشة من يومين كانت كافية لتحفيز الكثير من الأفكار الخلاقة للكتابة، كذلك لتصحيح بعض المفاهيم الدخيلة على الأدب والحفاظ على هويته الجمالية.

أتوقع من ورش العمل أن ترفع معايير الكتابة والنشر، وأن تتصدى لتلك الخفة المزعجة في كتابة ونشر النصوص، أن تصقل الذائقة وتضيء متطلبات الكتابة الإبداعية، وأن تشدّ على الجانب الحرفي منها، لأنه الجانب الوحيد الذي يمكننا أن نعوّل عليه حتى نتطوّر».

وحول جديد «تكوين» أشارت العيسى إلى ورش عمل في الرواية والشعر والسينما برعاية استراتيجية من وزارة الشباب... ومفاجآت أخرى سيعلن عنها في وقتها.

back to top