الصحافية ديلفين مينوي: نضال المجتمع الإيراني مستمرّ في سبيل الحرية

نشر في 29-03-2015 | 00:02
آخر تحديث 29-03-2015 | 00:02
● أصدرت كتابها «أكتب من طهران»

عاشت الصحافية ديلفين مينوي عشر سنوات في إيران. تسرد يوميات ذلك البلد وتفصّل مفارقاته المتعددة في كتابها الصادر أخيراً «أكتب من إيران» عن دار «سوي» الفرنسية. مع ظهور «الدولة الإسلامية»، يبدو الملالي مجدداً أشخاصاً يمكن التحاور معهم بعدما كانوا لفترة طويلة يتلقون اللوم على مشاكل البلد. أجرى معها هذا الحوار لوران نيكوله.
كيف يعيش الناس في إيران اليوم؟

يعيشون في ما يشبه الانفصام: في الأماكن العامة، لا يستطيع الفتيان والفتيات أن يتشابكوا الأيدي، ولا يفصح الناس عن كل شيء لأنهم يعلمون أنهم قد يكونون تحت المراقبة. لكن حين يعودون إلى منازلهم، يتصرفون مثل جميع الناس في أنحاء العالم، فيستعملون طبقاً ممنوعاً لكن غير مكلف من الأقمار الاصطناعية لمشاهدة قنوات موسيقية أجنبية وقناتَي «سي إن إن» و»بي بي سي» والقنوات الإيرانية التابعة للمعارضة في المنفى. يمضون أيضاً أمسيات سرية حيث يستطيعون شراء الكحول عن طريق شخص أرمني يجلب لهم الزجاجات في كيس نفايات: يبدو أن الأرمن يحتكرون بيع الكحول لأنهم يستطيعون دوماً أن يقولوا إنهم مسيحيون إذا أُلقي القبض عليهم.

كل شخص يتعلم أن يدبّر أموره بنفسه ويتكيف مع تقلبات الحياة هناك. لكن تكون المجازفة مكلفة جداً أحياناً. بعض أصدقائي قُتل بينما قبع آخرون لسنوات وراء القبضان.

انتهى بك الأمر باعتبار هذه اليوميات حماسية...

ما أبهرني في البداية هو موقف صديقاتي اللواتي كنّ يَقُلْن لي مثلاً: «يوم الخميس الماضي، ذهبتُ لأسهر، فداهمت الشرطة المكان وتلقيتُ 70 ضربة بالسوط». في الأسبوع التالي، عُدْنَ مجدداً إلى حلبة الرقص خلال سهرة سرية مع أن جروحهن لم تكن قد التأمت بعد.

لكنك توضحين أن معاناة النساء لم تبدأ مع الثورة الإسلامية...

كما هو الوضع في مجتمعات كثيرة من العالم الإسلامي، تسود ثقافة ذكورية مترسخة جداً. تزوجت جدتي في عمر السادسة عشرة. تتعلق واحدة من المفارقات المتعددة التي طبعت الثورة الإيرانية بواقع أن الخميني حث النساء على الدراسة انطلاقاً من المبدأ القائل إن النساء المحجبات والبعيدات عن العلاقات الجنسية يمكن أن يقابلن الرجال على مقاعد الجامعة.

استطاعت نسبة معينة من النساء اكتساب المعارف تمهيداً للتحرر وتوسيع هامش حريتهنّ. تلك النساء نفسهنّ كنّ يرتدين النقاب لكن سرعان ما بدأن يكتفين بوضع الأوشحة الخفيفة ويشجعن بناتهن على الدراسة والمشاركة في الحياة الناشطة. ارتدّ هذا الوضع ضد الخميني في بعض المجالات.

بعد أعمال الشغب التي انطلقت ضد أحمدي نجاد في عام 2009 وقُمعت بعنف، كيف أصبح الوضع اليوم؟

لا يزال المجتمع الإيراني اليوم محدوداً طبعاً من حيث القدرة على التعبير، لكنه لم يتوقف عن النضال في سبيل الحرية والديمقراطية. يتابع التحايل على الرقابة والتعبير عن ذاته في الحياة اليومية، من خلال السينما تحديداً. تدور حتى اليوم جدالات سرية في حرم الجامعات، ويكتب الشعراء نصوصاً تتجاوز جميع الممنوعات ويستطيعون نشرها على الإنترنت.

يُعتبر الرئيس الجديد حسن روحاني معتدلاً. ما معنى ذلك عملياً؟

حسن روحاني رجل براغماتي ويجيد التحاور مع الغرب. كذلك يصغي إلى مطالب مجتمعه. لن يعلن طبعاً عن حق جميع النساء بخلع الحجاب لكنه يعطي بعض الإشارات التي تصبّ في هذه الخانة عبر مبادرات صغيرة.

نُشر مثلاً فيديو على موقع يوتيوب ظهر فيه شبّان وشابات وهم يرقصون من دون أوشحة فوق أسطح منازل طهران على أغنية Happy للمغني فاريل ويليامز. فاعتُقل هؤلاء الشباب. فما كان من الرئيس إلا أن أشاد بالحق في السعادة على حسابه على تويتر. فهم الجميع أنه يدافع عنهم حتى لو لم يكن يستطيع الإفصاح عن ذلك صراحةً. بفضل هذه الخطوة على الأرجح، أُطلق سراحهم بعد فترة.

ما رأيك بالمفاوضات الراهنة بين الأميركيين والإيرانيين حول الملف النووي؟

لم يسبق أن كنا أقرب إلى تحقيق هذا الهدف. لكنّ الرئيس روحاني الذي يريد عقد ذلك الاتفاق ليس بمنأى عن نفوذ القوى المحافظة المتطرفة التي ترفضه. الوضع مماثل بالنسبة إلى أوباما المتّهم بالسذاجة المفرطة، وتحديداً من الجمهوريين في مجلس الشيوخ. لا يروق هذا التقارب أيضاً للسعوديين ولا الإسرائيليين الذين يضغطون على الولايات المتحدة.

لكن مع ظهور «الدولة الإسلامية» وحركة الجهاد السني، ألا يُعتبر الحوار مع إيران أهون الشرور في هذه المنطقة المشتعلة؟

لكنّ القنبلة الإيرانية مخيفة فعلاً...

لنتكلم بموضوعية: تملك باكستان على الأرجح ترسانة أكثر تطوراً من ترسانة إيران، وتصنّع إسرائيل قنبلتها في السر. يرفض الإيرانيون هذه السياسة المزدوجة. ما يريدونه هو الحصول على قوة ردع. كانت الاعتداءات التي أطلقها صدام حسين بالغاز الكيماوي صادمة بالفعل. سقط عدد كبير من القتلى وثمة نحو 40 ألف مصاب من جراء الاعتداء الكيماوي حتى اليوم في إيران كلها.

ألم تكن مصر، حيث تعيشين، إثباتاً جديداً على أن الحكم الدكتاتوري العسكري وحده يستطيع احتواء النزعة الإسلامية؟

إنها الفكرة التي يحاول الرئيس السيسي ترويجها. كنا نسمع هذا الخطاب نفسه في عهد مبارك أو بن علي في تونس. لكننا ننسى بذلك مبادئ ثورات الربيع العربي: المطالبة بالعدالة الاجتماعية وإنهاء الفساد وتوسيع هامش حرية التعبير. سُحقت هذه الأصوات الديمقراطية والعلمانية لأن القوى المنظمة الوحيدة ضد الأنظمة الدكتاتورية الاستبدادية كانت الحركات الإسلامية. تستفيد «الدولة الإسلامية» من ضعف الدول وهشاشة المعارضة المعتدلة لفرض نفسها وإنشاء دولة جديدة كي تحلّ مكان جميع الدول المتفككة.

ما رأيك بالجهاديين في «الدولة الإسلامية»؟

لا يمكن التحاور معهم بأي شكل. هم أسوأ من «القاعدة» التي كان يمكن أن نفكر بالتناقش معها سراً في مرحلة معينة، وينطبق الأمر نفسه على «طالبان» أيضاً. أكثر ما يثير الخوف هو استراتيجية التواصل التي يطبقونها من خلال الضرب على الوتر الحساس وشن اعتداءات مستهدفة ضد الأقليات الدينية واغتصاب النساء وتعذيب الأولاد. تهدف هذه الاستراتيجية إلى دفع الغرب للتدخل ضدهم من أجل تبرير خطابهم ضد «المستعمرين الغربيين».

أنت تعترفين بأنك أعجبت مع مرور الوقت بالملالي الإيرانيين...

المذهب الشيعي أكثر تحرراً من المذهب السني حيث يُعتبر النبي محمد والقرآن المرجع الوحيد. أما الشيعة فهم يستندون إلى الأئمة الاثني عشر الذين يشبهون إلى حد ما القديسين في الدين المسيحي. هذا ما يؤدي إلى تنوّع أنماط التفكير وإعادة تفسير الكتب الدينية والاقتناع بضرورة التكيف مع العصر الراهن.

يناقش بعض آيات الله التقدميين في إيران احتمال السماح بشرب الكحول لأسباب طبية، وقد أصبح الجدل حول ارتداء الحجاب محتدماً جداً في أوساط المفكرين الشيعة، كما في مدينة قم المقدسة. كما أنّ البلدان التي تنتفض ضد رسم النبي هي بلدان سنية بشكل عام. أما الشيعة، فلطالما جسّدوا النبي في تقاليدهم.

كيف يُترجَم ذلك على المستوى السياسي؟

يسمح ذلك بفهم ما يجعل إيران دولة غير دكتاتورية، حتى لو لم تكن ديمقراطية.

يفرض الزعيم الديني سيطرته على الجيش والعدالة ووسائل الإعلام، لكن يُنتخَب الرئيس وأعضاء البرلمان بالاقتراع العام المباشر.

بناءً على هذا التقليد الشيعي، لا يجرؤ هؤلاء المسؤولون على التشكيك بالمكاسب السياسية الماضية التي حققتها الجمهورية الإسلامية. الأمر أشبه بوجود مرونة معينة وراء الصلابة الظاهرية: هذا هو الوصف الصحيح لإيران اليوم.

لكن ينتمي معظم المرشحين كي يخلفوا القائد الأعلى علي خامنئي إلى المحافظين المتطرفين...

بغض النظر عن هوية القائد الجديد، لن يسمح المجتمع لأحد بأن يسحقه مجدداً. اختفت إحدى صديقاتي في عام 1999. نظراً إلى غياب أي خبر عنها، ظننتُ أنها قُتلت. لكني قابلتُها بالمصادفة لاحقاً وعلمتُ أنها سُجنت لسنتين. اليوم، إذا اعتُقل أي شخص، يظهر الخبر في اللحظة نفسها على شبكات التواصل الاجتماعي وثمة قدرة فورية على تعبئة الناس. لا تستطيع أي سلطة أن تقمع هذه الظاهرة.

back to top