ثقافة «وماذا بعد»؟

نشر في 28-03-2015
آخر تحديث 28-03-2015 | 00:01
 عبداللطيف المناوي مَن منّا يعلم ماذا سيفعل في الصيف المقبل؟ كم واحداً بيننا يخطط لإجازته في نصف العام المقبل؟ هل قرر أي منّا إذا كان مسافراً أو زائراً لأهله أو باقياً في مدينته أو بلدته؟ كم واحداً منّا يخرج من بيته مع عائلته يوم إجازته وهو يعلم ماذا سيفعل؟ وما هو مخطط اليوم؟ أظن أن الإجابات عن كل هذه الأسئلة لن تكون مفاجئة،‏ لأن الإجابة التي أتوقعها أن معظمنا لا يعلم أو لم يقرر ولم يخطط لما سيفعله،‏ بل أظن أن البعض منا يمكن أن يفاجأ بالأسئلة ذاتها‏.‏

مع الأسف الشديد أن وضع نظام محدد وخطط واضحة لخطواتنا المقبلة هو أمر أكثر استبعاداً،‏ هذه مسألة نعانيها على المستويين الشخصي والأفراد،‏ ومستوى التعليم ومستوى التربية،‏ نترك الأمور والأيام تقودنا ولا نعطي لأنفسنا القدرة أو الرغبة أو الإرادة في أن نقود نحن الأيام،‏ نضع أنفسنا في موقف رد الفعل في معظم الحالات والمواقف،‏ نترك الأحداث تدهمنا والأيام تمر بنا وتتخطانا ولا نضع مخططاً لمواجهة تلك الأحداث أو الاستفادة من الأيام المقبلة قبل أن تأتي‏.‏

هذه الثقافة هي التي تنتج لنا أياماً بلا خطط‏،‏ وأحداثاً نجد أنفسنا دائماً في موقف المفاجأ بها‏،‏ لنكون في معظم الأحيان في موقف رد الفعل وليس موقف الفاعل،‏ في موقف من تقوده الأحداث‏،‏ وليس موقف من يسيطر عليها ويدفعها لمصلحته أو يقلل من آثارها السلبية،‏ إن كان لها آثار سلبية‏.‏

ليس ما فات فقط هو كل الصورة‏،‏ ولكن الجانب الآخر منها هو التالي لتعاملنا مع موقف أو أزمة،‏ نحن نتفاعل مع الأزمة أو الموقف لحظة مواجهتنا له،‏ نتحمس أحياناً،‏ نتصرف بشكل صحيح أحياناً، نتغلب على الموقف أو نتجاوز الحدث‏،‏ ننجح أحياناً ونفشل أحياناً،‏ ولكن الأكيد أن كثيراً منا لا يعرف ما هي الخطوة التالية،‏ أو ماذا بعد،‏ ليس هذا فقط‏،‏ بل إن بعضنا يمكن أن يقرر أن يخرج من بيته ثم يقرر في ما بعد ماذا سيفعل،‏ نفتقد هنا ما يمكن أن نطلق عليه ثقافة اليوم التالي،‏ أو ثقافة «وماذا بعد»، وهذه مرتبطة بالمسألة الأولى المرتبطة بالتخطيط المسبق لأيامنا ومواقفنا،‏ أو هي الوجه الآخر لها‏.

‏ تواجهنا الأزمة‏،‏ أو المشكلة أو الكارثة أو الموقف، ونتخذ رد الفعل السريع الذي قد يكون موفقاً‏،‏ أو غير موفق دون أن نقرر وماذا بعد،‏ أو ماذا سنفعل الخطوة التالية،‏ أو ماذا سيكون رد فعلنا لو أننا فشلنا هنا أو نجحنا.‏

لست هنا في مجال جلد للذات أو نقد من أجل النقد،‏ ولكن فقط أردت أن أضع صورة لنا في جزء من شخصيتنا‏،‏ وثقافتنا وسلوكنا الخاص في مواجهة أنفسنا،‏ أردت أن أرسم هذه الصورة لنتوقف أمامها لحظة لعلنا نعترف ونقول،‏ هذا صحيح‏،‏ وأتمنى أن يكون السؤال التالي: وما العمل؟ كيف يمكن تخطي ذلك وتصحيحه؟‏‏

نحن نشكو من الحكومة،‏ ومن أسلوب إدارة الأزمات،‏ نشكو من التعامل مع أسلوب الأزمات والمشاكل الذي يتم بأسلوب موسمي‏،‏ تقع أزمة فتتخذ السلطات المختصة رد فعل لحظياً وتتعامل مع الأزمة وقد تنجح في حلها وقد لا تنجح‏،‏ ولكن في معظم الأحيان تمر الأزمة بسلبياتها وإيجابياتها‏،‏ بالنجاح في التصدي لها أو الإخفاق في التعامل معها‏،‏ وينتهي الأمر عند هذا الحد‏،‏ لتأتي أزمة أخرى أو موقف آخر قد يكون شبيهاً بالأزمة السابقة أو متماثلاً معه لنفاجأ به وتفاجأ به السلطات المختصة، ويبدو الأمر كأنه يحدث للمرة الأولى،‏ كأنها أزمة أو مشكلة تحدث لأول مرة، ليكون رد الفعل مرة أخرى لينجح أو لا ينجح‏.‏

والمشكلة الخاصة ذاتها التي تتكرر معنا -نحن الأفراد- نجدها تتكرر مع حكوماتنا على مر العصور،‏ ونحن نتخذ القرار الخاص أو رد الفعل الخاص ولا نعرف ماذا بعد، ولا نخطط لكيفية مواجهة اليوم التالي،‏ والوضع ذاته  تمارسه الحكومات المتعاقبة‏،‏ تواجه الأزمة أو المشكلة دون أن تعرف‏‏ «وماذا بعد»؟

أنضم إلى كل الراغبين في توجيه النقد إلى الحكومات المتعاقبة وكل المسؤولين المتعاقبين الذين لم يطبقوا ثقافة الفعل وثقافة اليوم التالي،‏ أنضم إلى كل المنتقدين لكل مسؤول يفاجئه موقف أو أزمة متوقعة في ظل معطيات ومقدمات واضحة تقود إلى نتائج أو أزمة متوقعة،‏ أشارك الجميع في موقفهم الرافض‏،‏ لأن تفاجئنا أزمة أو يفاجئنا موقف ينبغي ألا يكون عنصر المفاجأة أحد عناصره‏،‏ وأيضاً ألا يكون لدينا كمجتمع ودولة سيناريوهات مختلفة لأزمات ومواقف متعددة‏.‏

كما أضم صوتي إلى كل المنتقدين بالأعلى،‏ فإنني أتمنى البحث في الأسباب التي تؤدي إلى أن يكون هذا القدر من اللاتخطيط أحد مكونات شخصيتنا‏،‏ هذه مهمة أظن أنه يصلح أن نطلق عليها قومية أو وطنية أو أي تعبير يحمل هذه المعاني،‏ البحث في أسباب غياب وجود حياة مخططة لنا نحن أفراد المجتمع‏،‏ علاج هذا الخلل سيؤدي بالضرورة إلى علاج الخلل الأعلى في السلطة التي تدير هذا المجتمع،‏ لأنها من أفراد هذا المجتمع وليست غريبة عنه‏،‏ البحث في أسلوب التعليم والتربية والتكوين والتنشئة والإدارة والعلاقات الأسرية،‏ البحث في كل هذا يمكن أن يقودنا إلى اكتشاف الأسباب والبدء في حلها،‏ حتى لو كانت نتائج وحصاد هذا الحل ستجنيهما أجيال مقبلة‏.‏

back to top