متاعب الأسواق الناشئة مع الدولار القوي

نشر في 28-03-2015
آخر تحديث 28-03-2015 | 00:01
No Image Caption
 إيكونوميست رغم أن الشركات الآسيوية تمثل جزءاً كبيراً من طفرة اقتراض الأسواق الناشئة فإنها تبدو في موقع يمكنها من مواكبة الارتفاع في قيمة الدولار، غير أن هناك سببين يدعوان للقلق يتعلقان بوضع الصين «المحير» وافتقاد الاقتصاد الآسيوي إلى الدولارات.

في عالم الاقتصاد يتفوق أحد صناع السياسة على الآخرين كلهم، وتترأس رئيسة البنك المركزي الأميركي جانيت يلين اقتصاداً يساوي 17 تريليون دولار، وتساوي امبراطورية أقرب منافس لها – ماريو دراغي – حوالي 10 تريليونات دولار، وفوق هذا كله فإن الدور العالمي للدولار يعني أن السيدة يلين تتمتع بتأثير ضخم في الخارج وتتحكم بأكثر من 9 تريليونات دولار على شكل اقتراض بالعملة الأميركية من جانب شركات غير مالية خارج الولايات المتحدة، وهي مبالغ أكثر من كافية لشراء كل الشركات المدرجة في أسواق الأسهم في شنغهاي وطوكيو.

ومع ازدياد قوة الدولار نتيجة النمو الجيد في أميركا وتوقع قيام مجلس الاحتياط الفدرالي برفع معدلات الفائدة تصبح هذه الأعباء أقسى من أن تحتمل.

اقتراض الدولار يتم في كل مكان، ولكن النمو الأكبر كان في الأسواق الناشئة، وفي الفترة ما بين 2009 و2014 بلغت ديون العالم النامي – على شكل قروض مصرفية وسندات – أكثر من الضعف وارتفعت من حوالي تريليوني دولار الى قرابة 4.5 تريليونات دولار، وذلك بحسب أرقام بنك التسويات الدولية (بي آي اس )، وفي أماكن مثل البرازيل وجنوب إفريقيا وتركيا التي تقل صادراتها كثيراً عن مستورداتها يتم تمويل فجوات حساباتها الجارية عن طريق ديون الى أجانب.

وحتى الدول التي ليس فيها فجوات تجارية كانت تقترض بصورة كبيرة، ومع المستوى الطفيف لمعدلات الفائدة على الأصول الأميركية – تدفع سندات الخزانة لخمس سنوات 1.5 في المئة فقط – حصل من يملك دولارات للاستثمار على مزيد من  الفرص المجزية، وبدت الشركات التي تتخذ من الأسواق الناشئة مقراً لها مستوفية للطلب.

ومن بين تلك الشركات أسماء مشهورة: شركات طاقة عملاقة مملوكة للدولة مثل غازبروم في روسيا وبتروبراس في البرازيل كانت تصدر سندات بالدولار عن طريق فروع لها في لوكسمبورغ وجزر كايمان، وتوجد شركات اخرى أصغر حجماً، حيث شهدت الشهور الأخيرة قيام مجموعة "لودها"، وهي شركة تطوير عقاري في الهند، و"ايسكوم" وهي شركة توليد طاقة في جنوب إفريقيا و"يسار" وهي شركة تعمل في الأنشطة التلفزيونية في تركيا ببيع سندات بالدولار. وقد تمكن رؤساء شركات من تحقيق أرباح جيدة في الأجل القصير عن طريق اقتراض الدولار بسعر أقل كثيراً من معدلات الفائدة السائدة في عملات بلادهم.

ولكن يندر أن وفر عنصر المال عائداً مجانياً، وينبع مصدر القلق من أن هبوط أسعار الطاقة يعني أن شركات مثل غازبروم وبتروبراس أصبحت تحصل على كمية من  الدخل بالدولار أقل مما كان الحال عندما حصلت على الديون. والشركات الاخرى، مثل لودها واسكوم ويسار، غدت أرباحها بالدولار أقل أيضاً، والحصول على ديون قبل التحول في معدلات الصرف يمكن أن يكون  مؤلماً وصعباً.

وعلى سبيل المثال وفي سنة 2010 اقترضت شركة تركية 10 ملايين دولار عبر سندات لعشر سنوات بقسيمة من 5 في المئة ويمكن لها أن تتوقع دفع 22.5 مليون ليرة تركية (15 مليون دولار) خلال فترة تلك السندات، ولكن العملة التركية هبطت بنسبة 43 في المئة مقابل الدولار منذ ذلك الوقت وأصبحت الدفعات الآن أكثر من 39 مليون ليرة تركية.

وعندما تتماشى الديون الخارجية والأرباح يوجد سبب قليل للقلق، وقد تضاعفت ديون شركات آسيوية بالعملة الأجنبية 3 مرات – من 700 مليار دولار الى 2.1 تريليون دولار في الفترة ما بين سنة 2008 و2014 وارتفعت من 7.9 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي الاقليمي الى 12.3 في المئة، وذلك بحسب خبراء الاقتصاد في بنك مورغان ستانلي. ولمعرفة ما إذا كان ذلك الارتفاع من النوع الذي يمكن تحمله عمد خبراء الاقتصاد الى استعراض حسابات 762 شركة في شتى أنحاء آسيا، وكانت النتيجة مطمئنة: كانت النسبة الوسطية لديون تلك الشركات بالدولار 22 في المئة، ولكن أرباحها بلغت 21 في المئة.

وعلى الرغم من كون الشركات الآسيوية تمثل جزءاً كبيراً من طفرة اقتراض الأسواق الناشئة فهي تبدو بصورة عامة في موقع يمكنها من مواكبة الارتفاع في قيمة الدولار.

ولكن على الرغم من هذه الحقيقة يوجد سببان يدعوان الى القلق، السبب الأول يكمن في كون وضع الصين مثل أحجية، حيث تملك تلك الدولة ما قيمته 1.2 تريليون دولار على شكل سندات خزينة، والكثير من ذلك المبلغ يوجد في صندوق الثروة السيادية الخاص بها، وعندما يرتفع الدولار تزداد ثروة الصندوق، ولكن حتى في دولة غنية بالدولار توجد مصاعب، وفي الصين تبلغ نسبة ديون الشركات بالدولار حوالي 25 في المئة، ولكن 8.5 في المئة فقط من أرباح الشركات تتحقق بالعملة الأميركية.

والأسوأ من ذلك، بحسب مورغان ستانلي، فإن تلك الديون تتركز في 5 في المئة من الشركات التي تملك 50 في المئة من تلك المبالغ.

المطورون العقاريون في الصين معرضون بقدر أكبر للخطر، وشركات مثل إيفرغراند وتشاينا فانك وواندا تشتري وتبيع المكاتب والمنازل، ولذلك فإن معظم أرباحها باليوان، ولأنها ممنوعة من الاقتراض مباشرة من البنوك نشطت في اصدار سندات بالدولار، كما أنها اقترضت من شركات تمويل، بحسب وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، وكانت شركات التمويل هذه تقترض أيضاً بالدولار من فروع في هونغ كونغ، وسوف يفضي ذلك الى متاعب اقتصادية كبيرة إذا استمرت أسعار العقارات في الصين بالهبوط كما كان حالها خلال الشهور العديدة الماضية.

وتتمثل المشكلة الثانية في أن كل جوانب الاقتصاد، وليس قطاع الشركات فقط، يفتقر كما يبدو الى الدولارات، وفي البرازيل وروسيا، على سبيل المثال، تشوش عمليات إنقاذ الشركات التي تفتقر إلى الدولار التداخل بين الدولة والبنوك والشركات الكبرى، وقد أفضى التدافع نحو الدولار الى هبوط قيمة العقارات والروبل في روسيا.

من جهة اخرى ازداد الاقتراض في تركيا بسرعة منذ سنة 2009، واضافة الى ديون الشركات التركية ارتفعت ديون الدولة الخارجية بحوالي 50 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، وهي نسبة أعلى كثيراً من متوسط الدول المتوسطة الدخل (23 في المئة). وتبدو جنوب إفريقيا مثيرة للقلق أيضاً: ويعتبر العجز في حسابها الجاري الأعلى بين دول الأسواق الناشئة حيث يبلغ الدين الخارجي للدولة 40 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي.

ومن غير المرجح ان تفضي موجة التخلف عن السداد الى مشاكل مثل التي حدثت في أزمة الديون عالية المخاطر في سنة 2008، ومعظم السندات تعود الى جهات غنية مثل صناديق التقاعد وشركات التأمين، كما أن البنوك التي قدمت القروض تواجه أنظمة أكثر شدة وهي أكثر تمويلاً بصورة عامة مما كانت عليه قبل ثمانية أعوام.

ومحنة الأسواق الناشئة لن تفضي أيضاً الى أزمة مماثلة لما أصاب بنك ليمان، ولكنها سوف تسبب خسارة وظائف في الشركات المتضررة، وفي دول مثل جنوب إفريقيا أو تركيا حيث يتبخر النمو بسرعة قد يفضي ذلك الى متاعب مؤلمة جداً.

back to top