تقرير اقتصادي : تعديلات «هيئة الأسواق»... الحكومة باعت «الرأي الفني» بثمن سياسي

نشر في 26-03-2015 | 00:11
آخر تحديث 26-03-2015 | 00:11
No Image Caption
مجلس الوزراء وافق على تعديلات تضر صغار المساهمين وتسامح المتلاعبين
الحكومة بدلاً من أن تتبنى تعديلاتها، التي تمت وفق أسس فنية، نجدها توافق على تعديلات تفرغ قانون هيئة أسواق المال من محتواه، وتكف يد هيئة الأسواق عن معاقبة المتلاعبين، بل تعيد تعريف المنتفع من التداولات.

بتصويت مجلس الأمة الثلاثاء الماضي بالموافقة على المداولة الأولى لتعديل قانون هيئة أسواق المال يمكن تلمس تراجع واضح في موقف الحكومة من القانون الذي كانت الحكومة ترفض تعديله مدة طويلة، لتفاجئ الجميع بالتصويت مع التعديلات التي أقرتها اللجنة المالية، في تغير غير مفهوم يفتح الباب أمام تأويلات لصفقات بين المجلس والحكومة على حساب الرأي الفني الذي قدمته الحكومة نفسها للجنة المالية.

فبعد شهور من عمل الحكومة للنظر في تعديل قانون هيئة أسواق المال من خلال لجانها الفنية التي التقت مع أطراف متنوعة من العاملين والمتعاملين في السوق، وأعدت تقريرها بما لا يمس مجموعة من الثوابت، كمصالح صغار المستثمرين وصلاحيات هيئة الأسواق في ردع المخالفين والمتلاعبين، تأتي اللجنة المالية البرلمانية لتنسف، بشكل مفاجئ، جهود شهور طويلة لـ"لجنة مشعل" الفنية، وتضع تعديلات لم تمر حتى على المناقشات والاجتماعات السابقة، لكنها تتطابق إلى حد كبير مع المطالب التي لطالما نادى بها متلاعبون تضرروا من قرارات وعقوبات هيئة الأسواق.

تعديلات وضغوط

لقد تجاوزت التعديلات التي رفعتها الحكومة للقانون رقم 7 لسنة 2010 جانباً مهماً من الضغوطات السياسية والمصلحية التي كانت تستهدف تطويع عمل هيئة أسواق المال، بما يتناسب مع التلاعبات المالية والاستثمارية التي كانت سائدة قبل تأسيس الهيئة.

وابتعدت التعديلات "المنسوفة"، التي تلقتها إدارة الفتوى والتشريع من نائب رئيس الوزراء وزير التجارة والصناعة عبدالمحسن المدعج، عن محورين أساسيين، كان من شأنهما إعادة العبث بالبورصة وهما:

- تجاوز تعديل العديد من المواد الخاصة بعقوبات المتلاعبين، وتمييع موادها، وتعديل مواد محكمة واضحة إلى مواد أقل إحكاماً ووضوحاً، وفيها هامش أكبر من التحايل، وهو ما يتعلق مثلاً بالمواد: 118 و119 و122 و123 من القانون، إذ إن بعض المقترحات سعت إلى تفريغ هذه المواد من محتواها، بعد أن اتخذت لجنة التأديب التابعة للهيئة إجراءات عقابية بحق مجموعة من المتلاعبين في البورصة.

- عدم رفع نسبة تقديم عرض الاستحواذ الإلزامي من 30 إلى 50 في المئة (المادة 74)، وهو مقترح من شأنه استبعاد صغار المساهمين من أي عملية استحواذ بين كبار الملاك، مع معالجة بعض التفاصيل الفنية الخاصة بنمو الحصص "فوق 30 في المئة" بشكل استثنائي نتيجة الإرث أو الاكتتاب بحصة امتنع ملاك آخرون عن الاكتتاب فيها.

في المقابل، جاءت التعديلات الحكومية بمجموعة مقترحات فنية كالسماح بإنشاء بورصات أخرى، وليس شركة بورصة واحدة، مع إضفاء تشدد إضافي في عقاب أي بورصة مخالفة كسحب رخصتها إذا توقف العمل فيها دون أسباب مقبولة، دون تحديد عدد الأيام كما السابق، والفصل بين عمل الرئيس التنفيذي لأي شركة بورصة وعمل رئيس مجلس الإدارة، فضلاً عن إعداد ميزانية الهيئة على النمط التجاري.

فني وسياسي

الغريب أن الحكومة بدلا من أن تتبنى تعديلاتها التي تمت وفق أسس فنية نجدها توافق على تعديلات تفرغ القانون من محتواه، وتكف يد هيئة الأسواق عن معاقبة المتلاعبين، بل تعيد تعريف المنتفع من التداولات بما يقلل أحكام المواد السابقة الى مواد مشتبهة، فيها الكثير من التأويل والمزاجية. وهنا يمكن القول إن الوزير المستقيل أمس عبدالمحسن المدعج شعر بخذلان الحكومة فقدم استقالته.

ولعل قمة الإضرار بمصالح صغار المساهمين مثلاً تتجلى في تغيير مواد الاستحواذ الإلزامي من وجوب تقديم المستحوذ لعرضه على المساهمين الآخرين إلى جعل هذا الإلزام تقديرياً لمصلحة الهيئة، إذ يمكن أن تحرم المساهمين الآخرين، خصوصاً الصغار منهم، من حقهم بسبب "المصلحة العامة"، وهذه المصلحة تقديرية جداً، ويمكن استخدامها بشكل غير منضبط، ويمكن أن يكون بابا لأصحاب المصالح لتمرير صفقات كبرى يحرمون صغار المساهمين منها.

مطالب وتطوير

لو كانت التعديلات تستهدف تطوير أدوات السوق كإنشاء بورصة لتطوير السوق الثانوي وأخرى للإدراجات الأولية، وثالثة لأسواق السندات، فضلاً عن أسواق السلع المتخصصة كالذهب والطاقة والعملات والعقار أو مثلا لدعم الرقابة على أسهم شركات صغيرة محدودة الأصول عالية المغامرة متخمة بالديون، لكان دعم التعديلات أمراً واجباً، فالموقف المناهض للتعديلات لا يعني دعما مفتوحا للهيئة، أو مجلس مفوضيها الذي عليه مسؤوليات كبيرة ومهمة ترفع مستوى السوق، وتجب محاسبتهم على تقصيرهم، وهذا يجب أن يكون الاهتمام الحقيقي وأصل التركيز، فمثلاً، تخلفت بورصة الكويت عن ثلاث بورصات خليجية عن الوصول إلى مستوى الأسواق الناشئة، حسب تصنيف "مورغان ستانلي" (MSCI).

وهنا نحتاج إلى جهود في إضفاء تقاليد مهنية أكثر تحمي التداول والمتداولين وكل مكونات السوق، وليس تخريب القانون لخدمة مصالح هذا الطرف أو ذاك، فمن المعلوم أن أحد النواب تمكن من تمرير تعديل إحدى مواد قانون الهيئة بهدف الهروب من عقوبة تقع عليه بموجب إحدى المواد في القانون الحالي!

نواب ونصاب

اللافت ان معظم النواب الداعمين لتقرير اللجنة المالية لم يشاركوا في اجتماعات اللجنة التي انعقد معظمها دون نصاب بل انهم لم يشاركوا في النقاش لا في اللجنة ولا في جلسة الثلاثاء، وكأن مهمتهم الوحيدة هي التصويت فقط على التعديلات مهما كانت تكلفتها على البورصة ومهنيتها.

مهما تلاعب النواب ومن معهم لتخريب القانون، فإن اللوم الحقيقي يقع على الحكومة، التي لا تدافع عن جهازها الفني وتدعم مواقف الفاسدين والمتلاعبين في البورصة، ولا عذر في ذلك بأن التصويت كان في المداولة الأولى ويمكن تغييره في المداولة الثانية، لأن الأولى هو إغلاق هذا الباب ورفض تعديلات اللجنة، والمهم ألا يكون قانون هيئة أسواق المال ضحية أو صفقة لتجاوز تصعيد من بعض النواب... فالحكومة تعرف كيف تتجاوز أزماتها، ويجب ألا يكون الثمن تدمير سمعة السوق والعودة بالتداولات إلى زمن غير بعيد، كانت مصالح صغار المساهمين فيه كالوهم والعقوبات كالحلم.

back to top