تمويل التعليم من أجل الجميع

نشر في 25-03-2015
آخر تحديث 25-03-2015 | 00:01
عندما تطلق حكومات العالم أهداف التنمية المستدامة في سبتمبر، فإنها سوف تضع التعليم لكل الأطفال على رأس أولوياتها، جنباً إلى جنب مع إنهاء الفقر المدقع، والجوع، والموت لأسباب يمكن الوقاية منها وعلاجها.
 بروجيكت سنديكيت من بين كل الاستثمارات اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة، ليس هناك ما هو أكثر أهمية من التعليم العالي الجودة لكل طفل، ففي اقتصاد عالمي قائم على المعرفة، يشكل التعليم الجيد أهمية بالغة في البحث عن عمل لائق؛ والحفاظ على صحة جيدة؛ وبناء مجتمعات فاعلة؛ وتطوير المهارات اللازمة لكي يصبح الأطفال آباء مستقلين يخوضون الحياة كمواطنين مشاركين مسؤولين.

والواقع أنه من غير المستغرب أن تهاجم الجماعات الأكثر شراسة وعنفاً في العالم، مثل بوكو حرام في نيجيريا، التعليم، وكان من الصواب تماماً منح مالالا يوسفزاي، المراهقة الباكستانية التي أطلق عليها عناصر من حركة طالبان النار بسبب دفاعها الشجاع عن تعليم الفتيات، جائزة نوبل للسلام لعام 2014.

عندما تطلق حكومات العالم أهداف التنمية المستدامة في سبتمبر، فإنها سوف تضع التعليم لكل الأطفال على رأس أولوياتها، جنباً إلى جنب مع إنهاء الفقر المدقع، والجوع، والموت لأسباب يمكن الوقاية منها وعلاجها، ولكن رغم أن العديد من الدول الفقيرة زادت من التمويل المحلي للتعليم فإن المجتمع الدولي لم يقم بواجبه حتى الآن، وتظل المساعدات في مجال التعليم متدنية ومجزأة للغاية.

في مؤتمر تمويل التنمية في يوليو، سوف تسنح الفرصة للعالم، قبل تبني أهداف التنمية المستدامة، لدعم أهداف التنمية المستدامة في مجال التعليم بالاستعانة بموارد حقيقية، وينبغي للأنماط الثلاثة الرئيسة من الشركاء الذين سوف يجتمعون في أديس أبابا- الحكومات والمؤسسات الخيرية وكبريات الشركات- أن يعملوا على تجميع الموارد لتمكين البلدان الفقيرة من رفع مستوى التعليم، وخصوصا في مرحلة ما قبل رياض الأطفال والمرحلة الثانوية، وقد حان الوقت لإنشاء صندوق عالمي للتعليم لضمان حصول حتى أفقر أطفال العالم على الفرصة لتلقي تعليم عالي الجودة حتى المرحلة الثانوية على الأقل.

وهذه هي الطريقة التي نجحنا بها في مكافحة الملاريا والإيدز والأمراض التي يمكن توقيها باللقاحات في السنوات الخمس عشرة السابقة، فقد تعاونت حكومات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج والسويد وحكومات أخرى مع مؤسسة بل وميليندا غيتس، وشركات خاصة مثل نوفارتيس، وجلاكسو سميث كلاين، وإريكسون، وسوميتومو كيميكال، وغيرها من الشركات، لضمان وصول اللقاحات المنقذة للحياة والأدوية ووسائل التشخيص إلى أفقر الفقراء. وكان النتائج رائعة: إنقاذ الملايين من الأرواح، وتعزيز النمو الاقتصادي.

ويتعين علينا الآن أن نبذل الجهد نفسه مع التعليم، فرغم توسع القدرة على نشر التعليم الابتدائي بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، فقد ظل التقدم التحويلي في جودة التعلم والتعليم الثاني بعيداً عن المتناول حتى الآن، ومن الممكن أن يعمل انتشار أجهزة الكمبيوتر، والهواتف المحمولة، وتغطية النطاق العريض للإنترنت إلى المناطق الأكثر فقراً في العالم على ضمان تمكين كل طفل في البلدان ذات الدخل المنخفض من الحصول على نفس الكنز من المعلومات على الإنترنت والمواد التعليمية العالية الجودة مثلهم كمثل الأطفال في البلدان المرتفعة الدخل.

إن التوسع في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، جنباً إلى جنب مع تحسين القدرة على الوصول إلى الابتكارات التعليمية المبدعة، والمعلمين المدربين والعاملين في مجال التعليم في القرى، وتحسين سبل قياس نتائج التعلم، من شأنه أن يمكن البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط من إنشاء أنظمة تعليم عالية الجودة في غضون السنوات الخمس عشرة القادمة. وفي غضون ذلك، سوف يتم ربط الطلاب في المدارس الريفية الفقيرة، التي تفتقر حالياً إلى الكتب والكهرباء والمعلمين المدربين، على شبكة الإنترنت- عن طريق الألواح الشمسية والنطاق العريض اللاسلكي- مع المواد التعليمية الجيدة، والدورات التعليمية المجانية، والمدارس الأخرى، وبالتالي تضييق فجوة الموارد التي كان التغلب عليها يبدو مستحيلاً حتى وقت قريب.

بل إن العالم بات يملك القيادة التنظيمية اللازمة لجعل هذا ممكنا، فتمثل الشراكة العالمية من أجل التعليم تحالفاً عالمياً يتألف من حكومات ومنظمات غير حكومية كانت تعمل لأكثر من عشر سنوات مع بلدان العالم الأكثر فقراً لمساعدتها في رفع مستوى جودة التعليم.

ولكن رغم النجاح الهائل الذي حققته الشراكة العالمية من أجل التعليم في تشجيع البلدان الفقيرة على تعبئة موارد ميزانياتها الخاصة لتوسيع نطاق ونوعية برامجها التعليمية، فإن البلدان المتقدمة لم تدعم بالقدر الكافي هذه الجهود من خلال إغلاق فجوة التمويل التي تواجهها هذه البلدان، ولابد من دعم الشراكة العالمية من أجل التعليم للمساعدة في إنشاء صندوق عالمي حقيقي للتعليم لضمان حصول كل دولة منخفضة الدخل، تعمل على وضع الاستراتيجية الوطنية الفعّالة وتخصيص التمويل المحلي، على الدعم الدولي لإنجاز أهدافها.

والواقع أن التمويل الإضافي المطلوب متواضع. تشير تقديرات منظمة اليونسكو مؤخراً إلى أن "فجوة التمويل" السنوية في مجال التعليم في البلدان المنخفضة الدخل والأدنى دخلا- لتغطية التعليم حتى نهاية المرحلة الإعدادية- تبلغ نحو 22 مليار دولار. وقد يرفع ضمان رفع مستوى التعليم الثانوي والقدرة على الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المبلغ السنوي المطلوب إلى نحو 40 مليار دولار، أما تقديرات التكاليف التفصيلية فلم تتم بعد، وسوف تكون هذه المساعدات مطلوبة فقط إلى أن تحقق البلدان الفقيرة اليوم القدر الكافي من التقدم الاقتصادي لتغطية فاتورة التعليم بنفسها.

وقد يبدو مبلغ الأربعين مليار دولار كبيراً للغاية، ولكن فلنتأمل هذا: إن أغنى ثمانين شخصاً في العالم يملكون ثروات صافية تقدر بنحو 2 تريليون دولار، وإذا خصصوا 1% فقط من ثرواتهم الصافية كل عام، فإن هذا كفيل بتغطية نصف الاحتياجات المالية العالمية.

ومن الممكن أن تغطي شركات مثل فيسبوك وغوغل وإريكسون وهواوي وسامسونغ ومايكروسوفت وسيسكو وغيرها من شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات العملاقة عشرة مليارات دولار أخرى على الأقل نقدياً وعينيا، وبوسع عدد قليل من الحكومات التقدمية الفِكر بعد ذلك أن تغطي فجوة المليارات العشرة المتبقية، وكما رأينا في مجال التحصين، فإن هذا هو النوع المطلوب من الشراكة لحمل أهداف التنمية المستدامة من الخطابة إلى واقع فعلي.

والجمال في إنشاء صندوق عالمي جديد للتعليم هو أنه بمجرد أن يبدأ العمل فسرعان ما يجتذب الداعمين من مختلف أنحاء العالم، فسوف تكون الحكومات العربية راغبة في ضمان حصول كل الأطفال الناطقين باللغة العربية على تعليم لائق مدعوم بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ وسوف تساهم البرازيل والبرتغال بكل تأكيد في ضمان استفادة الناطقين باللغة البرتغالية، وهم كثر في إفريقيا، من رفع مستوى أنظمة التعليم. وسوف تهرع شركات التكنولوجيا الفائقة إلى وضع أدواتها التعليمية أمام أطفال العالم، وسوف تعمل الجامعات المحلية على تدريب المعلمين والقرويين على كيفية تعظيم إمكانات هذه التكنولوجيات الجديدة.

الحق أن النجوم- أهداف التنمية المستدامة، وشركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات العملاقة، والنطاق العريض للأجهزة المحمولة، والتعليم على الإنترنت، والمؤسسات الخيرية- تصطف لدعم هذا السيناريو، وسوف يكون الصندوق العالمي من أجل التعليم، المعلن عنه في مؤتمر التمويل والتنمية، أفضل نبأ ممكن لأطفال اليوم في كل مكان وافتتاحاً مبهراً لأهداف التنمية المستدامة.

* جيفري دي. ساكس | Jeffrey Sachs ، أستاذ التنمية المستدامة، وأستاذ السياسات الصحية والإدارة، ومدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا. وهو أيضاً مستشار خاص للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الأهداف الإنمائية للألفية.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة"»

back to top